الأمم المتحدة تشرعن حصار غزة – نضال حمد
مرة أخرى أكدت الأمم المتحدة أنها ذيل للولايات المتحدة الأمريكية وللوبي اليهودي الصهيوني العالمي، وأنها ليست منظمة دولية مستقلة غير منحازة في الصراع العربي الصهيوني. وتتبعها في جبنها وانحيازها دولا مستقلة وديمقراطية وذات سيادة مثل بلجيكا واسبانيا، اللتان قامتا قبل سنوات بتغيير القوانين كي لا تطبق على المجرمين اليهود الصهاينة. بعدما كانت قد رفعت ضدهم دعوات عديدة في أوروبا ليست آخرها في بريطانيا ، التي بدورها شهدت تعالي بعض الأصوات المطالبة بتغيير القوانين لأجل الصهاينة.
نفس هذه المنظمة الدولية التي أنشأت دولة الكيان الصهيوني على أرض الشعب الفلسطيني سنة 1948وقامت بتقسيم فلسطين (ظلما وعدوانا)إلى دولتين واحدة يهودية والثانية عربية، الأولى رأت النور (إسرائيل) فيما الثانية (فلسطين) لم تره حتى يومنا هذا بالرغم من وجود القرار الدولي رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة، هذه التي كان اسمها سابقا عصبة الأمم. تلك الأمم انحازت في السابق ضد الفلسطينيين ومع الصهاينة وها هي تنحاز من جديد إلى جانب الصهاينة وتعطيهم الحق كقوة احتلال خارجة عن القانون بحصار الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتعذيبه وقتله ببطء. فهل القانون الدولي الذي لا يسمح بحصار الشعوب وتجويعها يسمح بحصار وتجويع نحو مليوني مواطن فلسطيني في قطاع غزة ؟؟ وهل يسمح أيضا بمنع إدخال الدواء والمستلزمات الطبية والإنسانية ، وبإغلاق كافة المعابر أمام حركة الأفراد من طلاب ومرضى؟.. وهل القانون الدولي الذي سمح بحصار العراق وليبيا ويوغسلافيا سابقا ويستعد للسماح بحصار سوريا، لا يستطيع أن يفرض إرادته على الكيان الصهيوني ، الموغل في الإجرام ، وتحدي المجتمع الدولي والقرارات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، بالتأكيد انه يستطيع لو أراد ذلك، لكنه عالم منحاز للقوة ولرأس المال مقابل رؤوس وضعف و تفرق العرب والفلسطينيين. فالناتو الذي عجل في نجدة الشعب الليبي وقامت طائرته وقواته بقصف قوات العقيد القذافي وتدميرها، لم تقم وحداته الأمريكية ، الفرنسية ، الطليانية ، التي حضرت إلى بيروت سنة 1982 بحماية سكان مخيمي صبرا وشاتيلا من المجزرة وعصابات شارون وجعجع.
الكيان الصهيوني لم ينفذ أي من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي فيما يخص القضية الفلسطينية، كما انه قام ويقوم بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية في فلسطين المحتلة، وفعل الشيء نفسه في لبنان وسورية ومصر والأردن وتونس والسودان والعراق. كما نفذ مئات عمليات الاغتيال بحق الفلسطينيين والعرب في كافة دول العالم. لم تكن أولها عملية اغتيال المغربي احمد بوشيخة يوم 21 تموز- يوليو 1973 في بلدة ليلهامر النرويجية ، ولا آخرها تصفية القائد الحمساوي محمود المبحوح في دبي.
في السادس من أيلول سبتمبر 2007 قامت الطائرات الحربية الصهيونية بقصف منشأة سورية في دير الزور.
في الخامس من أكتوبر تشرين أول 1985 قام الطيران الحربي الصهيوني بقصف مقر ياسر عرفات في تونس
في السابع من حزيران يونيو 1981 قام الطيران الحربي الصهيوني بقصف المفاعل النووي العراقي
منذ قيام الكيان الصهيوني وحتى يومنا هذا قام الصهاينة بارتكاب عشرات المجازر والتطهير العرقي في فلسطين المحتلة. تفجير سيارات ملغمة بالقنابل في المدن والبلدات الفلسطينية ، تفجير فندق الملك داوود في القدس ، اغتيال المبعوث الدولي الأمير السويدي الكونت برنادوت على أيدي (اسحق شامير) وأعوانه. دير ياسين (بيغن) ، قبية ، كفر قاسم ، الطنطورة ، الصفصاف ، مخيمات وبلدات غزة من رفح إلى خان يونس والدوايمة.. الخ ومجازر جنين ( موفاز+ اليعايزر) و بلاطة والبريج وحي الدرج وبيت حانون (شارون + موفاز+ بارك) … الخ.. كما أنهم مازالوا يفعلون ذلك في الضفة والغربية وقطاع غزة. واضح أن الغالبية الساحقة من رؤساء وجنرالات الصهاينة وصلت لمواقعها عبر الاغتيالات والمذابح والمجازر التي نفذتها بحق العرب والفلسطينيين. كما يوجد عدد لا بأس به منهم نال جائزة نوبل للسلام ( رغم أنها كذبة كبيرة) ومن هؤلاء بيغن ، رابين وبيرس. أما عدد الصهاينة والمتصهينين الذين نالوها فهو كبير مقارنة مع الآخرين.
كما أن لبنان لم يسلم من عدوانهم طيلة سنوات الصراع العربي الصهيوني وارتكبوا هناك أبشع المذابح والمجازر بحق اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان. من مجزرة صبرا وشاتيلا 1982 (شارون) إلى مجزرتي قانا 1996 و2006 (بيريز – اولمرت )ومجازر هونين ومروحين والنبطية والضاحية الجنوبية وعشرات المجازر الأخرى أثناء العدوان على لبنان سنة 2006 .
أما في مصر فقد اعدموا الأسرى المصريين ودفنوهم وهم أحياء في صحراء سيناء سنة 1967 ، وارتكبوا مجزرة بحر البقر ، وواظبوا في زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك وكيلهم الحصري في المنطقة ، على قتل الجنود المصريين بدون حساب أو اعتذار أو حتى أسف في بعض الحالات. كان مبارك الذي دمر مصر والأمة العربية يصمت عن تلك الاهانات مقابل استمراره فرعونا مستبدا بمصر والمصريين بمساعدة الصهاينة والأمريكان والغرب عموما. ولم تتوقف الاعتداءات وعمليات القتل على المصريين في سيناء التي لازالت سيادتها منتقصة وتخضع للموافقة الصهيونية في دخول أعداد وتعداد القوات المصرية هناك. فبعد عملية ايلات الأخيرة قامت الطائرات الصهيونية بقصف الجنود المصريين في سيناء عن عمد وسابق إصرار، كانتقام من العملية التي أودت بحياة جنود صهاينة، فقتلت عددا من الجنود المصريين. ومازالت ترفض حتى هذه اللحظة الاعتذار لمصر وتعويض أهالي الضحايا. فيما الموقف المصري في ظل الوضع الجديد بقي كما لو أن الوكيل مبارك مازال الحاكم وليس المجلس العسكري المفترض انه يحترم أرواح عسكرييه.
لم يقم كائنا كان من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومحكمة لاهاي بمحاسبة أي كان من المجرمين اليهود الصهاينة، بينما لم يتوجه قادة الصهاينة للشعوب العربية بالاعتذار عن جرائمهم لا الصغيرة ولا الكبيرة. ولا قاموا بدفع تعويضات لأهالي الضحايا. فيما اقتصر الموقف الرسمي العربي سواء المصري أو غيره على بعض الصراخ ثم الصمت فالرضا بالأسف غير المباشر الذي عبر عنه بارك في حديث مع راديو صهيوني. مع أن الأسف شيء والاعتذار شيء آخر. لكن يبقى الموقف المصري الجديد على علاته أفضل من موقف كل من محمود عباس رئيس سلطة رام الله وسلام فياض رئيس وزراءه اللذان يسارعان دائما لإدانة العمليات الفدائية، حتى أن عباس تجرأ أكثر من مرة ووصف العمليات الفدائية بالحقيرة.
هنا يبرز الفرق بين الموقف التركي والموقف العربي.
الأول مازال يصر على الاعتذار والتعويض، ثم بعد صدور تقرير ” بالمر” حول العدوان على سفينة مرمرة التركية قام بطرد السفير الصهيوني وبعض أفراد السفارة ، وخفف من علاقات التعاون الوطيدة والعديدة بين البلدين الحليفين، وأخذ يهدد بإرسال قوافل إغاثة إلى غزة بمرافقة حربية تركية . وقال ان المياه الدولية بين قبرص وغزة لن تبقى مستباحة من قبل (إسرائيل) وأن تركيا سترسل بحريتها إلى شرق المتوسط. و ذهب ابعد بكثير حين قال أن رئيس وزراء تركيا سوف يزور غزة. ففي هذا تحد كبير للصهاينة ووكلاءهم وأعوانهم في المنطقة وخارجها. كل هذا يجري فيما الموقف المصري اكتفى بالتهديد والوعيد، مع العلم أنه كان بإمكان مصر الرد بقوة على مقتل العسكريين المصريين في سيناء ، من خلال فك الحصار عن غزة وفتح الحدود معها بشكل عادي، فهذا حق فلسطين وحق مصر ولا أحد يمكنه التدخل بينهما. تقرير “بالمر” جاء صادماً لشدة تخاذله وانحيازه للجانب الصهيوني ، كذلك ابتعاده عن المهنية في التحقيق ، ولعب دور الدبلوماسي الذي يريد تحقيق انفراج أوحل إشكال بين تركيا والكيان الصهيوني خدمة للإدارة الأمريكية ، التي عجزت وتعجز عن فرض أي شيء على الكيان الصهيوني. فتركيا تصر على تحميل “اسرائيل” المسؤولية عن القتل العمد لمواطنيها وتطالبها بالاعتذار والتعويض، بينما الكيان الصهيوني المعتاد على الغطرسة والتطاول في الإشكالات مع الدول الإسلامية والعربية يرفض الاعتذار وتحمل المسؤولية ، ويصر فقط على الأسف. وهناك فرق كبير بين الأسف والاعتذار. فالاعتذار يعني تحمل المسؤولية وكافة التبعات بينما الأسف يأتي عن نتيجة ما حصل في الاعتداء ولا تترب عليه أية مسؤوليات.
الغريب في أمر هذا التقرير الذي أصدرته لجنة “بالمر” حول العدوان الصهيوني على سفينة مرمرة التركية ، التي كانت تنقل مساعدات إنسانية ونشطاء حقوق إنسان أتراك وعالميين لفك الحصار عن غزة ، حين هاجمتهم قوات الكوماندوس البحري الصهيوني وقتلت وجرحت واعتقلت المئات منهم. أنه يتعارض ويتنافى مع مواقف كانت تتبناها الأمم المتحدة نفسها في السابق. فبعض المسئولين في المنظمة الدولية لطالما اعتبروا حصار غزة عملا غير قانوني ولا شرعي ، وهذا بالطبع يتناقض مع المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر العقوبات الجماعية. فالحصار الذي يشرعنه ” بالمر” هو بمثابة عقاب جماعي مستمر لسكان قطاع غزة.
التقرير الصادر عن ” بالمر” خطير جدا لأنه يجمل ويقونن ويشرعن الحصار الصهيوني لمليوني فلسطيني في قطاع غزة ، محاصرون منذ أكثر من خمس سنوات ، وممنوع عنهم كل شيء تقريباً بما فيه الأحذية ، التي من المحتمل أنها سوف تصبح صواريخ أهل غزة المستقبلية ، التي لا بد أن يطلقوها يوما ما بوجه المجتمع الدولي ودول الغرب خصوصاً وحكام الدول العربية عموما.
في الختام نردد ما قاله احد سكان قطاع غزة في معرض تعليقه على تقرير بالمر: ” إن القانون الدولي يخضع للأعضاء الدائمين في الأمم المتحدة، الذين يعملون على تمرير قرارات تتناسب مع مصالح (إسرائيل). وأن دول العالم قاطبة لا قيمة لها في الأمم المتحدة”.