الأمم المتحدة من روزفلت إلى بوش
نضال حمد
تسمية الأمم المتحدة جاءت من الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت واستخدم هذا الاسم للمرة الأولى في إعلان الأمم المتحدة الصادر في 1 كانون الثاني/ يناير 1942، خلال الحرب العالمية الثانية التي جمعت ممثلي 26 دولة انضمت لتحالف الحلفاء الذي تشكل لمحاربة قوات المحور. واشترك في وضع ميثاق الأمم المتحدة ممثلو 50 بلدا ووقعوا عليه يوم 26 حزيران/يونيو 1945. ووقعته بعد ذلك بولندا ليصبح عدد الأعضاء المؤسسين 51 دولة.
وبرزت الأمم المتحدة ككيان رسمي وحيز الوجود يوم 24 أكتوبر 1945. وأصبح هذا التاريخ هو يوم الأمم المتحدة الذي يُحتفل به كل عام، على أساس أنه اليوم الذي يوحد العالم والشعوب والدول تحت راية واحدة، هي راية الحياة الحرة والسعيدة بالعدل والمساواة والتقدم والرخاء.
أنشئت الأمم المتحدة لتأكيد مبدأ الالتزام بحفظ السلام عن طريق التعاون الدولي والأمن الجماعي. وتنتمي إلى الأمم المتحدة اليوم كل دول العالم تقريباً ويبلغ عدد أعضاء الأمم المتحدة 189 بلداً في المجموع . وهناك مؤسسات ومنظمات عديدة تابعة للمنظمة وتعمل في جميع أنحاء العالم وفي مختلف القطاعات والمجالات. كما أن للأمم المتحدة قوات حفظ سلام دولية في مناطق النزاع في العالم.
وتنظر لأمم المتحدة في عدة مواضيع مختلفة، من ضمنها قضايا العولمة، والإيدز والصراعات في أفريقيا وحماية البيئة، وتوطيد أركان الديمقراطيات الجديدة. ولا تستطيع الجمعية العامة أن ترغم أي دولة على اتخاذ أي إجراء، ولكن توصياتها هي دلالة هامة على الرأي العالمي وتمثل السلطة المعنوية لمجتمع الأمم. وسبق واتخذت الأمم المتحدة قرارات عديدة وكثيرة فيما يخص النزاعات الدولية، وعلى وجه التخصيص الصراع العربي الصهيوني وقضية فلسطين. لكنها لم تستطع إلزام الكيان الصهيوني بتنفيذ أي قرار.
كما أن الأمم المتحدة تحولت في نهاية المطاف إلى أداة بأيدي الإدارة الأمريكية تستخدمها أمريكا في اعتداءاتها على الدول الأضعف وفي سبيل تمرير ما لا يمكن تبريره عالميا. وبما أن لأمريكا حق النقض الفيتو فأنها تحرص دائما على استعماله في خدمة (إسرائيل) بالذات، ومصالح أمريكا في العالم، الذي من النادر أن تجد فيه شعوباً تحب أمريكا أو توافقها على سياساتها العدوانية. ساساتها المنحازة وغير المنصفة في حل مشاكل العالم.
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الرقم القياسي في استعمال حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي. إذ باستطاعتها دخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية بلا منازعة وبلا منافسة.
الآن ونحن في خضم التحضيرات الأمريكية لشن حرب جديدة على العراق، يعاد عبرها تأسيس الشرق العربي حسب الذي تراه أمريكا مناسبا لها ولمصالحها الإستراتيجية، ولمصالح حليفتها الأساسية في المنطقة (إسرائيل) الصهيونية المارقة. الآن أصبحنا نسمع بأسماء ومصطلحات سياسية غريبة وعجيبة مثل دولة مؤقتة، سيادة فوق الأرض وأخرى تحت الأرض… بالإضافة للسيادة الموجودة على الأرض. كل هذه الأشياء هي من صنع أمريكا الاستعلاء.
عندما ووجهت حرب أمريكا المحتملة على العراق بمعارضة معظم الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مجلس الأمن الدولي، وحتى من قبل ثلاثة أعضاء يملكون كما أمريكا وحليفتها بريطانيا حق النقض الفيتو، وهي فرنسا والصين وروسيا. بالإضافة لموقف ألمانيا المعارض للحرب الأمريكية على العراق بكل أشكالها. في هكذا وضع صعب لأدارة جورج بوش الابن التي تريد تغيير النظام في العراق، من أجل تغيير خريطة الوطن العربي والشرق الأوسط بشكل كامل. يتوجب على أمريكا الحصول على قرار أممي يخولها وحلفائها ضرب العراق وتغيير النظام وتجريده من السلاح. وهذا ما لا تقدر عليه الأمم المتحدة لأنه يتعارض ومبادئ تأسيسها وعملها وأهدافها.
منذ أن عارضت أكثر الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الحملة الأمريكية الجديدة على العراق أخذت الإدارة الأمريكية تصعد من لهجتها اتجاه الأمم المتحدة، واعتبرتها عاجزة عن اتخاذ القرارات. لذا فأن الولايات المتحدة ما لم تحصل على قرار أممي يأخذ كل مطالبها الخاصة بالعراق بعين الاعتبار، فأنها سوف تتصرف وحدها وبدون الرجوع للأمم المتحدة. أي أمريكا تقول علنا أنها لم تعد تعترف إلا بشرعية قوتها وقراراتها هي وحدها، حيث لا صوت يعلو فوق صوت أمريكا وإدارتها المتهورة.
هذا يذكرنا بالكيفية التي تعاملت فيها أمريكا مع الشعوب الأخرى في حروبها على تلك الشعوب المكافحة من أجل الحرية والاستقلال. مثل حروبها في فييتنام ولاوس وكمبوديا وكوريا واجتياح غرينادا وتدمير نيكارغوا والسلفادور. كذلك تآمرها وتحالفها مع الفاشية العسكرية على نظام الحكم اليساري الديمقراطي المنتخب في تشيلي سابقا. نظلم الرئيس سلفادور الليندي. وحصار كوبا الطويل، وحرب الإبادة والحصار على شعب العراق، والعداء التام للفلسطينيين، والموقف الأمريكي المؤيد بلا تحفظ لسياسة (إسرائيل) العدوانية، العنصرية، الاستعمارية، والمعادي بنفس الوقت وبلا تحفظ للطموحات الوطنية الفلسطينية المشروعة.
تحتفل الأمم المتحدة بيوم تأسيسها وهي أضعف من أي وقت مضى وهي تتعرض لضغط أمريكي بريطاني صهيوني كبير من أجل أن تتحول من منظمة أمم متحدة لكل الأمم والدول إلى منظمة أمريكية صهيونية. منظمة تعمل في خدمة الرئيس الأمريكي جورج بوش وادارته وأطماع أمريكا الاستعلائية.
فمنذ زمن الرئيس روزفلت الذي بدوره استعمل القنابل النووية بلا سبب مقنع في اليابان، وحتى عهد بوش الصغير الذي أبدى أكثر من مرة استعداده لاستعمال نفس السلاح دفاعا عن الهوس الأمريكي المشؤوم. منذ ذلك الوقت والأمم المتحدة تحاول في هكذا جو ووضع الدفاع عن استقلاليتها التي كانت ومازالت تتعرض للضغط الأمريكي… لكن هذه المرة وفي هذه الأوضاع لم تعد الأمور كما كانت من قبل بل أصبحت أصعب، وأكثر تعقيدا وحدّة، وذلك يعود للتعقيدات والشروط الشديدة وغير المعقولة التي تضعها أمريكا، وتطالب العالم القبول بها كما هي.
ان الاستعلاء الأمريكي لم يعد خطرا على الأفراح في أفغانستان والمدنيين في العراق أو الأبرياء في فلسطين المحتلة.. بل أصبح خطرا حقيقيا يهدد الأمم المتحدة ووحدتها وبقائها ويهدد السلم الدولي والحياة البشرية على كوكب الأرض بشكل عام.
نقول هذا لأن أمريكا تتصرف بقسوة وعناد لم يشهدهما التاريخ لا مع الأمبروطورية الرومانية ولا مع أي امبروطورية أخرى.
انها أمريكا في عهد وعهدة بوش لم يتبدل فيها كل شيء لكن تبدلت أشياء أساسية وهامة. أهمها السياسة الداخلية الأمريكية التي ألغت الحقوق الديمقراطية لمن هم من أصول عربية و إسلامية ومشرقية. بحيث أصبح من السهل توجيه التهم ولزقها بهم ومن ثم اعتقالهم وسجنهم بلا أدلة، وبلا قانون غير قانون الغاب الأمريكي الجديد. وتغيرت أيضا سياسة أمريكا الخارجية فأصبحت أكثر عدوانية وأكثر شمولية حيث لم تقف عند حركات وأحزاب بل تعدتها لتشمل الدول والشعوب والأنظمة، والأمم التي تختلف عن أمريكا ولا تريد أن تكون جزءا من حضارة وثقافة العم سام… وعلى رأس تلك الأمم الأمة العربية وامتدادها الإسلامي.
في يوم الأمم المتحدة العالمي يطيب للعالم أن يقدم تعازيه الحارة للإنسانية جمعاء بانتهاء زمن الأمم المتحدة وببداية زمن الاستعداء والاستعلاء الذي تعتبر أمريكا رمزه الأول. أما ما تبقى من الأذناب فهم مجرد خدم وصناع لدى صاحب الجلالة العظمى الأمبروطور النووي جورج بوش الابن.
2002 / 10 / 25