الأم عند غسان كنفاني – روز شوملي
كان لينين محقاً حين أصر على صديقه مكسيم غوركي أن يعتزل السياسة ويتفرغ للكتابة. وكان نتيجة هذا التفرغ روايته المشهورة “الأم”. وهذا بالضبط ما حدث مع غسان كنفاني حين أصر عليه اصدقاؤه، أن يتفرغ للأدب، فكتب روايته المشهورة “أم سعد”.
مما لا شك فيه، أن كنفاني، وهو المثقف، والمطلع على الأدب السوفياتي، قد قرأ رواية “الأم” لغوركي، ولا بد أنه تأثر بتطور شخصية الأم التي بدت امرأة بسيطة وانتهت مناضلة. الأم عند غسان كنفاني هي امرأة عادية غير عادية تسكن المخيم، حيث يعيش الآلاف من الفلسطينيين الذين هجقسراً من بيوتهم وأراضيهم في فلسطين. وهم الفقراء والمسحوقين، الذين لا يسمح لهم بالعمل في وظائف الدولة ومحرومون من سوق العمل. هذا ما يجعل عمل أم سعد ضرورياً من أجل إسناد الأسرة، خاصة أن فرص الرجال في سوق العمل محدود جداً.
أم سعد تتعاطف مع الفقراء والمقهورين كانوا فلسطينيين أو لبنانيين. فأم سعد تترك عملها، حين تكتشف أنها أستغلت من قبل ناطور البناية كي تعمل مكان امرأة لبنانية من الجنوب ليوفر ليرتين.
أم سعد هي المرأة التي تفتخر بأن ابنها صار فدائياً، لا تمنعه، بل تشجعه. فالحياة التي تعيشها في المخيم بالكاد تسمى حياة. وهي تدرك تماماً، أن لا شيء يغير من وضعها الشخصي ووضع الناس في المخيم، سوى التحرير والعودة.
من خلال أم سعد، ندرك كيف تغير المخيم، ليصبح مخيم المقاومين. وأم سعد فخورة بابنها الذي يشارك في عمليات، ويتعرض للبرد والجوع والعطش. وعندما يزورها، ويعود للأغوار، تقول عنه أنه رجع، ولا تقول أنه ذهب. كما لو أن النضال بحد ذاته عودة، أو لأنه كان يذهب في عمليات في فلسطين المحت. لة، فهو عائد الى فلسطين، مسقط رأسه.
وسعد يرى في كل امرأة في فلسطين أمه. فعندما كان مختبئاً مع مجموعته في فلسطين، والجنود
الاسر. ائيليون يبحثون عنه، والجوع والعطش يفتك بهم، مرت بهم سيدة كبيرة في العمر، ناداها سعد “يما”. ورغم تحذير رفاقه بخطورة كشف هويتهم، الا أنه أصر أن هذه المرأة أمه. والمرأة أيضاً تعاملت معه كما لو كان ولدها، فظلت تحضر لهم الطعام والشراب، وتخاطب سعد بنفس الطريقة التي تخاطبه فيها أمه. وكأن غسان كنفاني يريد أن يوضح أن فلسطينيي الشتات لم يغيروا عاداتهم عما كانت عليه في فلسطين قبل التهجير. نفس العادات، ونفس طريقة التخاطب، ونفس الكرم، وعدوهم هو نفسه.
أم سعد هي المرأة العادية غير العادية التي تتصدى للفقر، وللوضع البائس في المخيم، والتي تدعم خيار ابنها المقاوم، وهي نفسها مقاومة في كل ما تقوم به. فالمقاومة ليس مقتصرة على حمل الرشاش. أم سعد حملت ذاكرة الوطن وحبه والأمل في العودة، ونقلتها لسعد. وأم سعد هي التي حملت حساً طبقياً عفوياً مع حسها الوطني، فهي تعيد الوظيفة التي استلمتها إلى سيدة لبنانية من الجنوب مغلوبة على أمرها. وتسجل أم سعد هنا، موقفاً هاماً من العلاقة بين الفقراء أنفسهم، وبين الفلسطينيين وأبناء الجنوب اللبناني. فالجنوب هو الذي يقصف، من قبل العد. و الذي احت. ل فلسطين.
وأم سعد لها نظرة تشخيصية عميقة للدور الذي لعبته المقاومة في تغيير وضع الناس في المخيم. تقول أم سعد، “الفقر يجعل الملاك شيطاناً، ويجعل الشيطان ملاكاً، ما كان بوسع أبو سعد غير أن يترك خلقه يطلع ويفشه في الناس، وبي وبخياله. كان أبو سعد مدعوساً بالفقر، ومدعوساً بالمقاهرة، ومدعوساً بكرت الاعاشة ومدعوساً تحت سقف الزينكو، ومدعوساً تحت بسطار الدولة… ذهاب سعد رد شيئاً من روحه…” .
حين يتعلق الوضع بالآخرين. أم سعد تعتبر أن الشيء الطبيعي لسعد أن يلتحق بالعمل الفدائي، رغم قلقها عليه. تقول أم سعد “أنا لست قلقة عليه. لا. هذا ليس صحيحاً. قلقة وغير قلقة.” هي طبعاً قلقة، لكنها ترى في سعد ورفاقه الخلاص من المهانة التي يعيشها الفلسطيني في المخيم. كما أم سعد حددت هويتها الجديدة حين لبست السلسلة المعدنية التي أحضرها سعد وفي نهاية السلسلة رصاصة مدفع رشاش. وبالنسبة لأم سعد، خيمة الفدائي غير خيمة المخيم “خيمة عن خيمة بتفرق” .
من فيسبوك بروفيل مبدعون فلسطينيون