ذوي الإعاقة بغزة في يومهم العالمي.
“أكثر من عام وأنا أنام على كرسي متحرك. لو كنت أعرف أنني سأعيش هذه المعاناة لبقيت أنتظر الموت في بيتي”، بهذه الكلمات يصف (ع. م)، المأساة التي يعيشها، وهو رجل خمسيني مقعد يعاني من شلل رباعي إلى دفع بناته مع بدء الحرب إلى النزوح نحو جنوب قطاع غزة، مؤثراً وزوجته الكفيفة البقاء حتى لا يشكلوا عبئاً على بناتهم.
ومع اشتداد الغارات الجوية لجأ (ع. م) في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وزوجته إلى جمعية جباليا لتأهيل ذوي الإعاقة، وهو مكان عمله ظناً أنه أكثر أماناً لأنه مبنى تابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”.
ومنذ ذلك اليوم لم تدع الحرب (ع. م) يلتقط أنفاسه، إذ تنقل في جباليا نفسها أكثر من 5 مرات مع كل اجتياح للمخيم، “أكثر من عام وأنا أنام على كرسي المتحرك. معاناتي تعاظمت في الاجتياح الأخير لمعسكر جباليا. رحلة العذاب ولو كنت أعرف هذه المعاناة لبقيت أنتظر الموت في جباليا على أن أمر في طريق النزوح والذل إلى غرب غزة”.
كان لا بد لـ(ع. م) أن يقطع وزوجته الكفيفة مسافة أكثر من 1000 متر، في طريق خطير جداً حيث إطلاق نار من طائرات كواد كابتر بشكل مستمر وعشوائي، وطريق مليء بالحفر وهو على كرسي المتحرك لا يقوى على جِر نفسه عليه، ولا ترى زوجته أمامها ما يعترضها، ومن دون أي وسيلة نقل.
ويضيف: مررنا بنقطة الجيش، حينها استدعاني الجنود أنا وزوجتي للفحص الأمني وأمرنا بإلقاء كل ما نحمل من غذاء وأغطية، وأمرني أن أتخلص من أدواتي المساعدة. بصعوبة بالغة وبالصدفة عند وصولي إلى غرب غزة التقيت بأحد الأقارب لمساعدتي في الإيواء حيث لم أكن أملك أي شيء ولا مكان أتوجه إليه”.
يتواجد (ع. م) اليوم وبعد 14 شهرا على استمرار حرب الإبادة في منزل أحد الأقارب وبالكاد يستطيع تدبير أموره، حيث فقدت الأدوية التي يتناولها من الصيدليات، وبات يعاني مضاعفات جسدية والنفسية كبيرة.
وجاءت شهادة (ع. م) في تقرير لمركز الميزان لحقوق الإنسان لمناسبة اليوم العالمي لذوي الإعاقة الذي يحتفي العالم بهد في الثالث ديسمبر/ كانون الأول كل عام.
وأعلنت الأمم المتحدة شعاراً للفعاليات هذا العام “لا شيء عنا بدوننا”، في دلالة رمزية إلى المتطلبات الأساسية للمشاركة والتمثيل والإدماج، ويدعو الأشخاص ذوي الإعاقة إلى تشكيل ظروف حياتهم بشكل نشط، “وهو شعار دمرته قوات الاحتلال وفيما ضاعفت من أعداد الأشخاص من ذوي الإعاقة، جراء الإصابة بإعاقات نتيجة الهجمات الحربية التي تستهدف المدنيين، فقد دمّرت أي فرصة أمامهم للمشاركة، بل وللنجاة بحياتهم”، وفق التقرير.
وفي إفادة شهادة أخرى، يروي أسامة أبو صفر، وهو من ذوي الإعاقة الحركية، معاناته وأسرته مع النزوح منذ بدء الحرب، ففي 12 أكتوبر 2023 استهداف قصف إسرائيلي المربع الذي يسكن فيه فنزح للمرة الأولى إلى إحدى مدارس الأونروا، وبعد أقل من أسبوعين قصف مربع كامل بالقرب من المدرسة فنزح وأسرته مرة أخرى”.
أبو صفر (42 عاما) متزوج ولديه ثلاثة أطفال، ويعاني من بتر في القدمين وتكرر نزوحه من المنطقة الوسطى أكثر من أربع مرات. يقول: ” كانت معاناتي أثناء النزوح في حمل أطفالي وأمتعتنا وعدم قدرتنا على التنقل من مكان لآخر بسهولة، وكانت معاناتي تزيد بسبب وجودي في خيمة بدون حمام ووصولي إلى الحمامات العامة يحتاج إلى حركتي لمسافة بعيدة في الرمل”.
محدودية الوصول للخدمات
ويوضح تقرير الميزان أن الأشخاص من ذوي الإعاقة بكافة أنواعها (حركية، سمعية، بصرية) يعانون بشدة في ظل الجوع الذي انتشر بين سكان القطاع كافة، وغياب خدمات التأهيل والتزويد بالأجهزة المساعدة، مما حرمهم من أي فرصة للوصول إلى المياه والغذاء والدواء.
ويلفت التقرير الحقوقي إلى أن المجاعة القائمة من خطر إصابة المواليد بإعاقات دائمة في ظل نقص الرعاية الصحية والتغذية للحوامل والأطفال، حيث لم تعد الأمهات قادرات على الرضاعة الطبيعية ولا توجد بدائل للأطفال ما سيكون له أثراً خطيراً على صحة الأجنة وعلى مستقبل صحة المواليد.
وبين التقرير أن قوات الاحتلال ركزت في هجماتها الحربية على استهداف المدنيين والأعيان المدنية والبنية التحتية، بما في ذلك تدمير مراكز التأهيل التي تقدم خدمات التأهيل والأجهزة المساعدة للأشخاص من ذوي الإعاقة، من بينها: مستشفى الشيخ حمد للتأهيل والأطراف الصناعية في شمال قطاع غزة، ومستشفى الوفاء للتأهيل الطبي، سواء المقر الرئيس في مدينة غزة – الذي سبق وأن دمر – أو المقر الفرعي في بلدية الزهراء جنوب مدينة غزة، ومركز الأدوات المساعدة التابع للإغاثة الطبية، ومقر الاتحاد الفلسطيني العام للأشخاص ذوي الإعاقة في محافظة الشمال، وجمعيات الصم، ومدينة الأمل لبناء القدرات التابع للهلال الأحمر في غزة. وحتى الاستراحة الوحيدة الموائمة للأشخاص ذوي الإعاقة على شاطئ بحر شمال غزة جرى تدميرها.
ويؤكد التقرير أن ذوي الإعاقة قطعوا قبل حرب الإبادة “شوطاً مهماً في سعيهم للمشاركة والاندماج، وأسسوا جمعيات خاصة وإذاعات محلية تعني بشئونهم، وقاموا بعشرات فعاليات الضغط والمناصرة لضمان الاندماج في سوق العمل وفرض احترام القانون الفلسطيني، إلا أن قوات الاحتلال دمرت كل المؤسسات سواء تلك التي تقدم خدمات لذوي الإعاقة أو مؤسساتهم التي أقاموها”.
20 ألف معاق بسبب الحرب
وترتفع أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة؛ بسبب الهجمات الحربية “الإسرائيلية”، التي تسببت في إصابة الآلاف بإعاقات دائمة، هذا بالإضافة إلى إعاقات الولادة، فقبل حرب الإبادة بلغ عدد الأشخاص من ذوي الإعاقة 55611 شخص في قطاع غزة، من بينهم 44.66% من الإناث، و17.44% من الأطفال.
ووفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن الإعاقة الحركية هي الأكثر انتشاراً بين الإعاقات بواقع 53.67%، فيما تشكل صعوبات الإبصار 17.47%.
ووفق تقرير سابق لمركز الميزان، تصاعدت أعداد ذوي الإعاقة بشكل مخيف مع استمرار جريمة الإبادة الجماعية، إذ تسببت الحرب “الإسرائيلي” في إعاقة 20000 ألف شخص من بينهم 5000 تعرضوا لإعاقات دائمة، 15% منهم من الأطفال، فيما يحتاج 15000 إصابة إلى تأهيل ورعاية طبية لفترة طويلة لمنع تحولهم إلى ذوي إعاقة، مشدداً على أن ذلك أمر غاية في الصعوبة في ظل انهيار النظام الصحي.
وفي وقت سابق، قال الأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر صحفي في العاصمة المصرية، إن قطاع غزة يضم أكبر عدد في العالم من الأطفال مبتوري الأطراف نسبة إلى عدد السكان، مضيفا أن “المئات من مبتوري الأطراف يخضعون لعمليات جراحية دون بنج”، وأضاف أن “ما نشهده في قطاع غزة واحدة من أخطر الجرائم الدولية”.
نصوص قانونية
ويحمي القانون الدولي الإنساني الأشخاص ذوي الإعاقة في النزاعات المسلحة.، ولاسيما اتفاقية جنيف الرابعة المخصصة لحماية المدنيين وقت الحرب والبروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف. فيما يكفل القانون الدولي لحقوق الإنسان حقوقهم.
وتنص المادة (11) من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، على أن الدول الأعضاء، وفقاً لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، عليها اتخاذ “جميع التدابير اللازمة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات الخطر، بما في ذلك حالات النزاع المسلح”.
وذكر مركز الميزان العالم بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2475، الذي يشير إلى حماية الأشخاص من ذوي الإعاقة في القانون الدولي، ويذكر الدول بالتزاماتها، ويحث جميع أطراف النزاعات المسلحة على اتخاذ التدابير الكفيلة بحماية المدنيين والأشخاص من ذوي الإعاقة.
فشل النظام الدولي
ويشدد المركز على أن استمرار الاحتلال في جريمة الإبادة الجماعية للشهر 14 على التوالي، “يعبر عن فشل النظام الدولي في وقفها كما لو أنه متسامحا مع استمرارها (..) الأمر الذي ينذر باستمرار تعرض الجرحى للإعاقات الدائمة بسبب بتر الأطراف وإصابات الحواس السمعية والبصرية الشديدة، ما سيرفع أعداد الأشخاص من ذوي الإعاقة في قطاع غزة”.
وجدد الميزان، مطالباته المتكررة بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، ووقف جريمة الإبادة الجماعية بحق المدنيين في قطاع غزة. كما يجدد مطالباته المتكررة للمجتمع الدولي، ولاسيما الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة، بالضغط على “إسرائيل” من أجل تطبيق قرارات مجلس الأمن، القاضية بوقف إطلاق النار وزيادة المساعدات الإنسانية والقرار رقم 2475.
كما طالب مركز الميزان بالتحقيق في الجرائم التي تسببت في إعاقات للمدنيين وفي الانتهاكات الموجهة للأشخاص من ذوي الإعاقة والتي حرمتهم من أبسط حاجاتهم الإنسانية، ولاسيما تدمير المؤسسات والمستشفيات التي تقدم خدمات التأهيل والرعاية الصحية لهم.
ودعا وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية وكافة دول العالم إلى تكثيف جهود الإغاثة من غذاء ودواء والتركيز على الحاجات الماسة للأشخاص من ذوي الإعاقة ولاسيما الأدوية أو الأجهزة المساعدة.
اقرأ المزيد عبر المركز الفلسطيني للإعلام:
https://palinfo.com/news/2024/12/03/928649