الاحتلال واللعب على الحبال المقطوعة!-عبد اللطيف مهنا
على حبل رام الله وغزة المقطوع يلعب المحتلون الصهاينة. توالي تصعيد إجراءات السلطة العقابية للقطاع المحاصر تخدم استراتيجيتهم الأساس فيما يتعلق برؤيتهم للصراع وسبل حسمه لصالحهم، بمعنى فرص تصفية القضية الفلسطينية. من ناحية المبدأ هم مع تعميق القطيعة بين السلطة وحماس، بل بين كل فلسطيني وفلسطيني، وتوسعة الهوة إلى أبعد حد ممكن. لذا هم تلقائياً مع هكذا إجراءات. قسوتها المشينة تسعدهم وتشفي غليلهم. لكنهم أيضاً، وهنا تكمن مشكلتهم، يخشون تداعياتها الكارثية لجهة انعكاسها أمنياً عليهم، بمعنى انفجار الوضع الذي لا يطاق في غزة، وانفجاره سيكون في وجههم. إنه الآن حديث الساعة الطافي جدله على صفحات وشاشات اعلامهم.
همً لا يضيرهم الاعتراف بأن القطاع بسبب من حصارهم المردف بعربي وثالث أوسلوي، ولأكثر من عقد حتى الآن، بات يقف على شفا الكارثة، ولا يخفون تحسُّبهم من انفجار يخشونه لأدراكهم مدى تطوُّر امكانات وقدرات وخبرات المقاومة في القطاع عما كانت هي عليه ابان حروبهم الثلاث الأخيرة المتعاقبة والفاشلة لجهة اسقاط البندقية المقاومة من يدها. هنا المفارقة، أو المعضلة التي بات إعلامهم يعلِّقها على مشجب السلطة واجراءاتها، في حين أنهم والأميركان والأوروبيين يضغطون عليها لقطع مخصصات أسر الشهداء والأسرى، ولا يتوانوا في الاستجابة لطلبها خفض كمية الكهرباء الشحيحة التي لازالوا يزوُّدون القطاع بها من 120 ميغاواط إلى 70، وتقليص عدد المرضى الغزيين المسموح لهم العلاج في المحتل من فلسطين عام 1948 والضفة الغربية من 2190 قبل ثلاثة أشهر إلى 500، وفي نفس الوقت يحثون الاتحاد الأوروبي على التكفُّل بدفع فاتورة كهرباء غزة لتفادي العواقب الناجمة عن معاقبة أوسلو لمقاومة غزة!!!
بالنسبة لغزة فهم ينظرون لما يرقبونه بعين الرضى، ولا يُستبعد وضعهم في صورته أول بأول، ونعني به الحديث عن التوصُّل إلى تفاهمات مصرية مع حماس قد تفضي إلى فتح متدرج لمعبر رفح، وتزويد محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة بالوقود…تفاهمات شرطها التصالح مع دحلان، واعتماد ترتيبات وتعاون أمنيين بين الطرفين على الحدود، كثرت التسريبات حول كنهها واختلفت التكهنات بشأنها، ما بين المبالغة لاستثمارها سياسياً، كما هو حال الدحلانيين، والتحفُّظ تخفيفاً من توقُّعاتها تفادياً لعاقبة أن لا يتطابق حصادها مع بيدرها، كما هو حال حماس…وهذا يتم بالتوازي أيضاً مع تسريبات عن اقتراب عقد صفقة تبادل للأسرى بوساطة مصرية بين حماس والكيان، والمسألة برمتها لا زالت ما بين التوكيد والنفي لما سُرِّب من قبل الطرفين، لكنما دون انكارهما للعمل على اتمامها المقترب.
ولأنه كما يقولون لا دخان بلا نار، تحركت رام الله فأوقفت الحوالات البنكية إلى مصر بما فيها الخاصة بالوقود. ربما هذا يفسِّر توقُّف توريد الوقود المصري المتفق عليه لغزة. أما الكهرباء التي تصل القطاع من مصر، والتي لا تتجاوز 28 ميغاواط، فقد توقف وصولها إثر العملية الإرهابية الأخيرة التي وقعت في رفح المصرية…عقاب السلطة لغزة لا يتوقف على ما تقدم، وإنما وإلى جانب تخفيض رواتب الموظفين والإحالات على التقاعد المبكِّر، أوقفت رواتب أعضاء المجلس التشريعي في الضفة من كتلة حماس، أما المتواجدين في غزة فلا يتقاضونها منذ عشرة أعوام.
خلاصته، يبدو أن السلطة متحمسة للقطيعة مع غزة، حتى أكثر من المحتلين المتحسبين للعواقب والمردود الخطر على أمنهم لا أكثر، وتتصرف وكأنما هي قد أسقطت مليوني فلسطيني من حسابها…ففي حين أن الحال هو الحال، نقلت صحيفة “هآرتس” أن رئيس وزرائها رامي الحمد لله “سيلتقي في زيارة مجاملة وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون رداً لزيارة الأخير لرام الله” الشهر المنصرم، أو الزيارة التي قالت الصحيفة أنه قد “تبين لاحقاً أنه قد تم التناول فيها لمسألة قطع الكهرباء عن غزة، وإعلان حكومة الحمد الله التوقف عن الدفع مقابل تزويدها بها”، وأضافت: “ومن المنتظر أن يناقشا الخطوات اللازمة لدعم الاقتصاد الفلسطيني”…ما علاقة الأميركان بكل ما تقدَّم؟!
قبل الإجابة، نشير إلى أن جيسون غرينبلت، مبعوث الرئيس دونالد ترامب، هو للمرة الثامنة في فلسطين المحتلة في سياق مسعاه لإنجاز ما تعرف ب”صفقة القرن” الترامبية…جبل غرينبلت هذه المرة تمخَّض فولد “خطوة تقدُّم” يمكن حسبانها بامتياز لصالح “سلام نتنياهو الاقتصادي” لا غير. إنها رعايته لتوقيع اتفاق بين المحتلين وسلطة رام الله يبيعون الفلسطينيين بمقتضاه 32 مليون لتر مكعَّب من المياه المحلاة في العام مقابل ثلاثين مليون دولار، في حال اتمام مشروعهم المشترك مع الأردن لشق قناة تربط خليج العقبة بالبحر الميت…هذا بينما البائعون يصادرون مصادر مياه الفلسطينيين الطبيعية في الضفة الغربية، السطحية والجوفية، ويقصرونها على مستعمراتهم ويحرمونهم منها، ودون أن ننسى أيضاً أن المياه المحلاة التي سيبيعونها لهم هي أصلاً مياه فلسطينية مسروقة!!!
…وللإجابة، يكفي أن نقتطف من مقال لعميرة هاس في صحيفة “هآرتس” عينها ما يلي:
“يبدو أن عباس لا يهتم بالتقارير حول الوضع الكارثي في القطاع بسبب أزمة الكهرباء، أو غياب شعبيته. زعامته ومكانته مستقرتان، بالضبط لأن هذا غير متعلق بالعملية الديموقراطية وبمدى رضى شعبه، بل بالتأييد السياسي والمالي من الولايات المتحدة والدول العربية، الذي يحصل بفضل تمسُّكه بالحفاظ على الوضع الراهن مع اسرائيل”!!!