الاعتقال الاول في حياتي.. حسام خضر
الاعتقال الاول في حياتي.. ليلا مع اقرب ساعة للنوم ، طرق مخيف على باب الزينكو الخارجي الذي كاد ان يسقط من شدة الضرب عليه، صراخ رافقه قفز الى ساحة الدار ، المختار افتح ابو العبد، بتثاقل وفزع نهض والدي كي يفتح باب الدار ، واذا به يفاجأ بعدد من الجنود المدججين بالسلاح والهراوات ، يصرخ فيهم ويجادلهم.. يدخل المختار برفقة جنود وشرطه اسرائيليه ، يستجوبونه عمن في البيت، يطلبوني بالاسم ، طفل لم يكمل الرابعة عشر من عمره يصرخ ابي وبجسده يمنع الضابط من دخول غرفتنا الوحيده النائمين فيها، ت…
حاولت امي التي انهارت دموعها ان توقظني بكل حب وحنان الدنيا، استيقظ على حركات وصراخ وجدل، ارتعب بشكل فاق حدود الخوف، تشجعني امي وهي تغير لي ملابسي ، تحاول ان تضبط ايقاع حشرجة الكلمات في صوتها ، يخونها حبها وخوفها وعطفها عليّ، ياخذني رجال الشرطه فيما ابي يشجعني ويشتمهم ويحّمل المختار المسؤوليه، تحتضنني امي وتوصيني وصيتها الخالده وهي ترجف رغما عنها.. ما تخاف يما هذول كلاب ، واوعك تعترف .. اذا اعترفت لا انتا ابني ولا انا بعرفك..
نظرات اخوتي وخواتي المكوَمين مثل صيصان تحت جناح امهم في ركن الغرفه مشهد الجنود صوت ابي الهادر دموع امي لوحة سرياليه حفرت في وجداني فيما اساق الى خارج البيت وأصعَّد الى سيارة الشرطة التي كنا نسميها او صرنا فيما بعد “دخان الفريد” لانها تشبه علبة سجائر الفريد!
اول امس قسّمت اسرائيل الحرم الابراهيمي بحبل.. قسم للمسلمين وقسم لليهود، احتجاجات فلسطينيه ، مظاهرة في مخيم بلاطه ، اخرجنا الكبار من المدارس،، خضر وفؤاد وكمال وعثمان وغيرهم.. هتفنا هتافات حركت اشياء كامنه فينا، ايقظت الوطنية الفطرية النائمة في جيل كامل ، سرنا باتجاه مدخل شارع المدارس نحو باب الدير ” بئر يعقوب” نهتف كمجموع ويضرب من استطاع فينا الحجارة باتجاه دورية مشاه تتمركز هناك منذ فترة زمنية طويله! تعزيزات ودوريات من احجام ثلاث .. حواجز واطارات .. غاز مسيل للدموع خانق وقاتل وحجاره من كل اتجاه.. قفز بعض الكبار الى داخل مدرسة اناث بلاطه، وكانت اسراب الحجارة طيرا ابابيل وبما يثير الدهشه .
استحكم الجنود ورجال الشرطة على جانبي الشارع واجروا اتصالاتهم واقتحموا جموع المتظاهرين فيما اعاقتهم الحواجز وكثافة الدخان الاسود الغاضب المتصاعد ، لكنهم دخلوا شارع المدارس تحت وابل من الرصاص في الهواء وقنابل الغاز المسيل للدموع ليعلوا الهتاف والاناشيد صوت الرصاص ويدفع الشباب للاستحكام في الازقة المتناثرة على طول الشارع الامر الذي حال دون قدرة الجنود على التوغل.
كانت معركه بكل المقاييس .. رفرف فيها العلم فوق الرؤوس واعمدة الكهرباء .
ليلة بعد ذاك الصباح البطولي الجميل كنت اسجل عبوري الاول في سجل الفدائيين يعتمر قلبي الزهو والخوف ، في نَظارة مركز الشرطة مع عدد من صغار المتظاهرين نستجوب من محقق قاس وحاقد اسمه ابو النمر، واخر ابو يعقوب .. تطاير خوفي مثل سرب طير فزع من صقر محلق.. واستجمعت بعضا من قوة قلب حاكت غرزته الاولى كلمات امي، وكان صمود سيحدد لاحقا ملامح شخصيتي وتصرفي مع العدو الغاشم على مدى اربعين سنه من تجارب المواجهة والتحدي والاعتقال لاكون ما انا عليه.. شكرا ليلة ٢٦-١١-١٩٧٥م!
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.