الاعلام (الإسرائيلي) في بلاد العرب
نضال حمد
يعمل مراسل القناة التلفزيونية (الإسرائيلية) الثانية أيتاي آنجيل في الكويت بكل راحة وبلا إزعاج وكأنه في بلده الثاني. كذلك ينطبق الحال على الصحافيين (الإسرائيليين) في الشمال العراقي، حيث الامارات الكردية المستقلة والخارجة عن سلطة بغداد .وحيث السيطرة الفعلية تعود لأجهزة الاستخبارات الأمريكية والتركية و(الإسرائيلية) والبريطانية.
هذا بطبيعة الحال شيء مؤسف ومحزن لأن الشعب الكردي العريق الذي قضى العمر مكافحاً ومناضلاً من أجل الحرية والمساواة. والذي قدم على هذا المذبح آلاف الضحايا والشهداء|، لن يوافق بكل بساطة على دور السمسار الذي تمارسه بعض قياداته، وبموجبه يتم منح أعداء الأرض والإنسان والشعوب وحقوق الأمم ومنها الحقوق الكردية كما الفلسطينية، أراضٍ وقواعد للتجسس على العالمين العربي والإسلامي.
نعتقد أن المصلحة الكردية على المدى البعيد تتطلب انسجاما وتوافقا مع الموقف العربي الداعي لرفض الوجود (الإسرائيلي) والأمريكي في شمال العراق وفي دول الخليج العربي. لأن مصير الأمة الكردية معلق أيضا في مهب التغييرات التي تريد الولايات المتحدة الأمريكية فرضها على العالمين العربي والإسلامي. وأمريكا تريد للأكراد دورا معاديا للعرب في حربها من أجل تغيير العالم العربي ونشر الإخطبوط الصهيوني والغربي في كل بلادنا المشرقية بالذات وفي المقدمة منها بلادنا العربية.
في العودة للمراسل (الإسرائيلي) آيتاي آنجيل الذي يواصل بث تقاريره من الكويت المنبعث بعد التحرير من الرماد والحرائق بعباءة أمريكية لا تخلو من الرتوش (الإسرائيلية) تحفظ خليجيته وتبعده عن عروبته. يواصل إرسال تقاريره يوميا ولا يبخل على المشاهد (الإسرائيلي) بتقارير مصورة مع الكويتيين من المدنيين والعسكريين. يعمل آنجيل بكل حرية وكأنه في بيته أو في بلادٍ صديقةٍ وليست في قلب الوطن العربي الكبير وعلى مقربة من الأماكن الإسلامية المقدسة في شبه الجزيرة العربية وما يعرف اليوم بالمملكة السعودية.
لا أحد يدري لماذا وبناء على أية قوانين كويتية سمح للصحافي (الإسرائيلي) المذكور بالدخول إلى الكويت والعمل هناك. فالقوانين الكويتية المعلنة تمنع دخول (الإسرائيليين) إلى البلاد. ولا تسمح للأعلام (الإسرائيلي) بممارسة أي عمل صحافي وإعلامي من على أرض الكويت. قد تكون الكويت غيرت قوانينها ونحن لا ندري؟ … من يدري؟
بعد كل هذا العجب العجاب والغرابة الأكثر غربة من العذاب في منافي التشرد وتحت رؤوس الأسنة والرماح والحراب. وبعد مهزلة الجامعة العربية وقمتها الأخيرة التي خرجت ببهدلة تليق برؤساء دول العرب العتيدة. لا يستطيع الإنسان العاقل سوى قراءة الفاتحة على الجامعة العربية وعلى أنظمتها وميثاقها المشترك والشرف الرسمي العربي المُنتَهَك.
فهؤلاء الرؤساء والزعماء يخرجون من القمة بقرارات تقول أنهم ضد الحرب ويمنعون التعاون مع الذين يريدون المحاربة. لكنهم بنفس الوقت يفتحون أبوابهم وبلادهم وقواعدهم للغزاة ويجهزون لهم كل ما يلزمهم, ويقومون بهذا كله دون سؤال شعوبهم وبرلماناتهم المنتخبة أو المعينة عن الموضوع.
هل هذه دول ترتقي لمكانة الدول التي تحترم نفسها؟
لا نعتقد ذلك… لأن الذي لا يحترم شعبه لا يمكن أن يجد من يحترمه سوى أمثاله من الحكام. وربما يقول أحدكم أن هؤلاء في قمتهم الأخيرة في شرم الشيخ، مصنع الهزائم العربية الجديدة، ومعمل الاستسلام العربي الجماعي، قد اتخذوا قرارات جيدة في الشأن العراقي. نعم اتخذوا قرارات أفضل مما كان متوقعا منهم, لكن لا يمكن لدول وممالك وأمارات ومشايخ وسلطنات وجمهوريات تجتمع تحت مظلة الجامعة العربية أن تقول غير ما قالته في بيان القمة الأخيرة. القمة التي عقدت في شرم الشيخ بدلا من البحرين. فالموقف الذي أتخذ كان تلبية للضغط الشعبي العربي والعالمي وللضغط الأوروبي ممثلا بالذين يعادون الحرب وفي مقدمتهم فرنسا وألمانيا. وظهر جليا بعد ساعات أن الموقف المذكور ليس أفضل من القرارات السابقة التي اتختها القمم العربية الماضية. مجرد حبر على ورق وورق يصلح كمحارم للتواليت. أصبح الآن واضحا أن كلام القادة العرب الذي يقال في الليل سرعان ما تمحوه شمس النهار.
هكذا بلاد يديرها هكذا حكام تستحق أكثر من الذي يحدث لها, وتستحق أكثر من مراسل (إسرائيلي) واحد يبث تقاريره من قلب الوطن العربي. وهكذا دول تستحق هكذا مصير. فالدول التي لا تحترم شعوبها لن تجد من يحترمها أو يلتفت لمصيرها. وما الذي يحدث في العراق والكويت وفلسطين سوى صورة مصغرة عن واقع حال عربي كئيب ومعيب، واقع محزن ومفجع ومظلم، لا يبشر بالخير ولا بمستقبل أفضل.
نرى أنه من المفيد لكرامة الكويت وطنا وشعبا أن يميز في تعامله مع الصحافيين بين حرية الصحافة والتطبيع. إذ لا يوجد مبرر آخر غير التطبيع، على الأقل التطبيع الاعلامي في هذه المرحلة، لوجود آنجيل في الكويت منذ فترة.
إن كانت الحكومة الكويتية تريد التطبيع فلتفعل لكن عليها أن لا تفعل ذلك بطرق ملتوية فالقطار الأمريكي (الإسرائيلي) سائر ولن يتوقف سوى للركاب الذين حجزوا مقاعدهم في مقطوراته. ونعتقد أن الكثيرون من الحكام العرب حجزوا مقاعد لهم في القطار المذكور. فهل حجزت الجامعة العربية بشكل جماعي بطاقة لها في قطار الذل والخنوع؟
هذا السؤال ستتم الإجابة عليه قريبا جدا..
نضال حمد في 2003 / 3 / 10