البطل العكاوي أبو شاكر الدبسي في الذكرى الخمسينية للنكبة – حنان بكير
مقابلة مع البطل العكاوي أبو شاكر الدبسي في الذكرى الخمسينية للنكبة
لولا الإنجليز لتمكنا من احتلال قلعة جدين
رغم أنه يحمل على كاهله، عبء أكثر من سبعة عقود، لا يزال أبو شاكر، يستخدم اسمه القديم، ونبرته القديمة، ويتصرف كعسكري يراعي في حديثه “الإحتياطات” الممكنة، فلا يسهب في الحديث، إلا بعد الحث المتواصل بالسؤال، ولا يتحدث عن أسماء الزملاء، ورفاق السلاح، وإن كان يستخدم في حديثه دوماً، ضمير “نا” يدل به على مجموع، مجموع من المقاتلين والمناضلين الذين جاهدوا على أرض فلسطين، وظلو ممتشقين السلاح بعد خروجهم منها.
أثر السنين باد على “أبي شاكر الدبسي”، ولكنه يحب أكثر شيء، صورته بالبزة العسكرية، وشعار جيش التحرير الفلسطيني، ويأمل أن تسمح له السنون الباقية من العمر بالمشاركة في معركة التحرير وهي المعركة التي يأمل بها أبو شاكر، والتي يتحدث عنها بيقين الواثق أنها واقعة.
شارك أبو شاكر، في معارك عديدة، في الدفاع عن عكا، وفي معارك “دفاع عن القرى التي لم تسقط بعد” لكن المعركة التي تركت أعمق الأثر في نفسه هي “معركة جدين” إذ لولا الإنكليز “لانتصرنا في المعركة”.
و”جدين” خربة كان يقطنها 1500 من عرب الصويطات، يعيشون على الزراعة وتربية الماشية، نواة هذه الخربة قلعة جبلية تعود إلى أيام الصليبيين، وقام بترميمها الشيخ ظاهر العمر وكانت بنيت في الأصل لتكون قلعة وحصناً، دمرها العرب عام 1288، بعد طرد الصليبيين، ثم استخدمها الشيخ ظاهر العمر، ولا تزال آثارها باقية حتى اليوم.
تقع جدين إلى الشمال من عكا، وإلى الجنوب الغربي لقرية ترشيحا، وكان الصهاينة قد استولوا بمساعدة حكومة الإنتداب على 3349 دونما من أراضيها، وأقاموا فوقها مستعمرة جدين.
وقد شهدت جدين أولى المعارك بين جيش الإنقاذ والصهاينة وعن هذه المعركة تحدث أبو شاكر:
“عندما بدأ الصهاينة اعتداءاتهم على القرى والبلدات العربية، لم نغادر فلسطين بل قمت مع مجموعة من الشباب، بالتنقل بين المناطق في فلسطين للمشاركة في الدفاع عن القرى التي لم تسقط بعد، وفي شهر كانون ثاني 1948، كنا في قرية ترشيحا، عندما علمنا أن هناك هجوماً سينفذه جيش الإنقاذ على مستعمرة جدين، وترشيحا لا تبعد أكثر من 5-6 كم عن جدين فأسرعنا للمشاركة في الهجوم الذي كانت تقوم به قوات من جيش الإنقاذ، بقيادة المقدم أديب الشيشكلي، توجهنا من ترشيحا إلى الكابري، وهناك التقينا بتجمع من المجاهدين من أبناء الكابري والمزرعة والنهر وترشيحا، وكلهم مستعدون للتوجه إلى جدين، فقد كانت العادة أن يهبّ المقاتلون من كل القرى للمشاركة في الهجمات على المستعمرات اليهودية، أو للمشاركة في الدفاع عن القرى التي تتعرض لهجمات عصابات اليهود.
ومع وصولنا إلى حدود جدين، كان جنود الإنقاذ، ومجموعات من المجاهدين، ينتشرون بين البساتين، لقطع طريق وصول النجدات اليهودية إلى المستعمرة التي تمكن جيش الانقاذ من إطباق الحصار عليها، وقد أسندت إلى مجموعتنا مهمة مساندة القوات والكمائن المكلفة بالتعامل مع النجدات اليهودية المتوقعة، بينما يواصل جيش الانقاذ أطباقه وهجومه الناجح على المستعمرة اليهودية التي تكاد توشك على السقوط، ويبدو أن المستعمرة كانت على السقوط، وهي تعاني من نقص في المؤن، بسبب الهجوم عليها والذي حقق عنصر المفاجأة الكاملة، لذلك حاولت طائرة لليهود القاء المؤن بالمظلات، ولكن ما القته وقع بين أيدينا، وفشلت عملية امداد المستعمرة بالمؤن، فبدأت النجدات تتحرك عن طريق البر، وحوالي ظهر اليوم التالي من حصارنا للمستعمرة وصلت حوالي أربعين سيارة مصفحة تصفيحا كليا، بحيث استبدل الزجاج بالمعدن السميك، وفيها فجوات صغيرة لإخراج البنادق منها، فتصدينا لهذه القوة، رغم أن اليهود كانوا مسلحين برشاشات متطورة، واستخدموا مدافع المورتر، ومع أن تسليحنا كان ضعيفا، وكذلك تسليح جيش الانقاذ، فقد استطعنا، ضرب القوة اليهودية، وتدمير عدد من المصفحات. استمرت المعركة طيلة نهار ذلك اليوم، ومع حلول الظلام، أصبحنا أكثر قدرة على الحركة، فألحقنا مزيداً من الخسائر في صفوف قافلة الإمدادات الصهيونية، وانسحب من بقي منها هارباً يطاردهم عدد من متطوعي ترشيحا بقيادة قائد حاميتها محمد كمال آغا.
في تلك الليلة، وحتى اليوم التالي، لم يكن قد بقي بيد اليهود إلا منطقة صغيرة من قلعة جدين، وكدنا ندخلها ونقضي على وجود المستعمرة نهائيا، ولكن فجأة ظهرت مصفحات الجيش البريطاني وجنوده في المنطقة، وجاءتنا الأوامر بالإنسحاب، لأن سياسة جيش الإنقاذ كانت تقضي بعدم الإشتباك مع الإنجليز، وحتى الآن لا أعلم سبب هذا القرار فالإنجليز كانوا يدعمون اليهود دعما كاملاً، ولو اننا تابعنا هجومنا، الذي كنا على وشك أن نقطف ثماره، لقدمنا نموذجاً جيداً وارتفعت معنويات الناس، ولكننا انسحبنا من جدين، ودخل الإنجليز لإنقاذ اليهود فيها.. عدت بعد ذلك إلى ترشيحا.. ثم بدأت المعارك في عكا والقضاء، فتوجهت مع شبان القرية للمشاركة فيها.
لا يتحدث أبو شاكر عن تلك المعارك فحسب، ولكن يؤكد على أننا سوف نخوض يوماً معركة تحرير أرض العرب المغتصبة.
حنان بكير
أجريت المقابلة معه في الذكرى الخمسينية للنكبة