البطولة لها عنوان:عبد القادر الحسيني قائد ثورة فلسطين وشهيدها المُلهم – رشاد أبوشاور
الكتابة عن هذا القائد العربي الفلسطيني الكبير تعني كتابة تاريخ فلسطين في أدق لحظاته، منذ بدأ غزو الانتداب البريطاني الراعي والحليف للمشروع الصهيوني بعد الاحتلال البريطاني، وبعد قرار عصبة الأمم المتحدة الانتداب البريطاني على فلسطين..وهذا ما لا أستطيعه، وما أكتبه لا يعدو أن يكون تحية وفاء لقائد أضعه دائما، منذ وعيت، في قلبي وضميري.
بطولة عبد القادر كانت امتدادا لكفاح وقيادة الشيخ الجليل، قائد الحركة الوطنية الفلسطينية موسى كاظم باشا الحسيني، والده، الذي رحل يوم 26 آذار 1933، بعد إصابته بضربات استهدفت رأسه من قوات الاحتلال البريطانية، وكان قد بلغ الثالثة والثمانين من عمره، وواصل قيادة المؤتمرات الوطنية، وعلى رأس التظاهرات الكبرى الحاشدة في القدس ويافا وحيفا…
عبد القادر الحسيني القائد المثقف، الشاعر، المتعلم في أرقى جامعة آنذاك ،الجامعة الأمريكية في القاهرة، الجرئ الذي بعد أن أنهى دراسته بتفوّق، مزّق شهادة التخرّج، وارتجل كلمة اتهم فيها بجرأة القائمين على الجامعة بأنهم يقومون بدور تبشيري تخريبي معاد للعروبة والإسلام.
الكتابة عنه في هذا اليوم، يوم استشهاده 8 نيسان، وهو يقود عملية تحرير ( القسطل) عام 1948 بعد أن عاد من دمشق مخذولا من القيادة العسكرية التي ماطلته في تزويده بالسلاح، هي كتابة عن تضحيات وبطولات ومعارك شعب فلسطين على امتداد ثلاثة عقود برز فيها دور والده، ودوره في حقبة قيادة الحاج أمين الحسيني للحركة الوطنية الفلسطينية.
قائد متعلّم، مثقف، قاتل في فلسطين، وقاتل في العراق قوات الاحتلال البريطاني، واتقن العلوم العسكرية حتى بات أستاذا في الكلية العسكرية العراقية، لم يرتح يوما، قدم النموذج الباهر للثائر المخلص لوطنه، الوفي لشعبه، الذي يعطي كل شئ، ويترفع عن الزعامة الفارغة، لا يسعى للمناصب والوجاهة التي حاول الانتداب البريطاني رشوته بها.
عبد القادر حدد طريق حريّة فلسطين، وإنقاذها من الاحتلال البريطاني المتحالف مع المشروع الصهيوني الهادف لتهويد فلسطين، والذي لم تخفه بريطانيا سواء بوعد بلفور، أو بقرار الانتداب المنتزع من عصبة الأمم المتحدة، أو الممارسات الإجرامية في فلسطين المستهدفة للأرض بسرقتها ووضعها في خدمة المشروع الصهيوني: المقاومة بالسلاح، بتنظيم الشعب الفلسطيني، بتسليحه بالوعي بمخاطر الاحتلال البريطاني وتحالفه مع الصهيونية.
ليس من السهل أن تكتب عن القائد عبد القادر الحسيني، فوقائع حياته لا تخصه كفرد، ولكنها وقائع في حياة فلسطين وشعبها، تداخلت بوقائع في سورية، والعراق، وحتى في مصر.
ليس من السهل أن أكتب، أنا أو غيري، عن حياة عبد القادر البطل النادر، الكامل المكتمل علما وثقافة ومكونات شخصية، فهو كوّن نفسه، وعزز معرفته، وطوّر معلوماته العسكرية، ووضعها كلها في خدمة معركة المصير في مواجهة الأعداء الإنقليز والصهاينة.
عبد القادر قائد ثورة فلسطين، وبطل خوض معارك المواجهة في حرب 1948، وضع كل ما يملك من مال أورثه إيّاه والده، وامتلكته زوجته المناضلة الباسلة وجيهة الحسيني..في خدمة الثورة، وشراء السلاح، والإنفاق على الثوار الفلسطينيين.
عبد القادر الحسيني (أبوموسى) ترك سيرة مكتنزة بوقائع غنية بفصولها، مشرّفة لشعبنا الفلسطيني، ملهمة لكل ثائر حقيقي، وهذه المسيرة الشخصية تضع شروطا لكل من يطمح لحمل الراية، وتقدّم الصفوف ليؤدي دورا خاصا متميزا في خدمة وطنه وشعبه، عنوانها: المعرفة، والعلم، والثقافة، والتجربة الميدانية، والتضحية، والتمسّك بالقيم والأخلاق، وتحمّل السجن والتشرّد والغربة عن الأسرة والوطن، والوفاء والإخلاص لرفاق السلاح.
لقد اختار القائد الفذ عبد القادر الحسيني الانحياز للفلاحين الفلسطينيين، ووثق بهم، ومعه برز عديد القادة منهم.
القائد عبد القادر لم يكتف بالعمل في الريف الفلسطيني، بل نظّم المجموعات في المدن، وبخاصة القدس لرصد تحركات جيش الاحتلال وعصابات الصهاينة، فهو مزج بين حرب الريف والمدن، ولجأ رجاله للاغتيالات لتصفية ضباط الإنتداب المجرمين، وردع تطاولهم ومحاولات قهرهم للفلسطينيين.
امتاز القائد عبد القادر بقدرة تنظيمية مذهلة، وبزرع الثقة في نفوس رجاله، لأنه كان يجوع مثلهم، ويتعرض للمخاطر قبلهم، وأمام أنظارهم جرح مرارا وكاد يفقد حياته، ودائما عاد إلى الميدان باثا الثقة في النفوس، وناشرا الوعي وروح الانتماء لفلسطين الوطن والقضية.
قبل الشروع في ثورة فلسطين الكبرى، وبعد التشاور مع سماحة الحاج امين الحسيني، أرسل أحد المناضلين إلى الأردن ليتصل بالقائد الثائر سعيد العاص بطل الثورة السورية الكبرى ضد فرنسا، وكان قد لجأ إلى الأردن، حاملا رسالة يطلب فيها منه القدوم إلى فلسطين لقيادة الثورة في سورية الجنوبية.
لقد دلل هذا على رؤية بأن فلسطين هي قضية عربية، لا محلية، فبلاد الشام كل واحد، والإستعمارين البريطاني والفرنسي هما من تآمر وأعد مؤامرة سايكس- بيكو لتقاسم بلاد الشام.
لقد استشهد قائد ثورة سورية الجنوبية سعيد العاص قرب بلدة الخضر، كما استشهد قبله الشيخ عز الدين القسام في أحراش يعبد..وهذا ما يتذكره عرب فلسطين ولا يتناسونه.
قلت: لا يمكن كتابة مقالة تفي بطل فلسطينن وقائد ثورتها وجهادها وشهيدها بعض حقه، فالكتابة المستفيضة عنه، والمنصفة، تعني كتابة تاريخ فلسطين على امتداد ثلاثة عقود، بدأت مذ الاحتلال البريطاني للقدس، حتى رحيل والده، وإلى يوم استشهاده وهو على قمة القسطل يوم 8 نيسان 1948.
عبد القادر كان قائدا يليق بفلسطين، وبه يليق الوفاء، ومن حياته المذهلة تؤخذ الدروس والعبر الثوريّة، وهو سيبقى القائد الفلسطيني الأكبر والمثال الذي ارتفع إلى مستوى فلسطين الوطن والشعب…
هذا هو القائد الحي عبد القادر الحسيني، وبه يقاس القادة ويقارنون فيرتقون عاليا إلى حيث هو، أو يهوون وتنساهم فلسطين وينساهم شعبها.
البطولة لها عنوان:عبد القادر الحسيني قائد ثورة فلسطين وشهيدها المُلهم – رشاد أبوشاور