التشابه بين النازية والصهيونية – د. غازي حسين
ظهرت الصهيونية والنازية في أوروبا، فهما حركتان عنصريتان أوربيتا الأصل والمنشأ وانطلقتا من نظرية التفوق والنقاء العرقي، وعملتا على مقاومة اندماج اليهود وعزلهم وتهجيرهم إلى فلسطين، وإقامة الكيان الإسرائيلي فيها لحماية مصالح الدول الاستعمارية واليهودية العالمية ومحاربة العروبة والإسلام ومنع تحقيق الوحدة العربية، وزعزعة الاستقرار، وعرقلة التنمية والتطور والهيمنة على المنطقة وعلى العالم.
تنهلان النازية والصهيونية من منهل واحد هو الاعتقاد بالتفوق والنقاء العرقي ونظرية المجال الحيوي، وتسخير القوة العسكرية والحروب المفاجئة «الوقائية والاستباقية» والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وكسر الإرادات بالمجازر الجماعية وقتل المدنيين وتدمير المنجزات وعرقلة التنمية لتحقيق السيطرة على الآخرين.
قامت النازية على أسس شبيهة بالأسس التي قامت عليها الصهيونية. ونادت بسيادة العرق الآري على الشعوب والأعراق كافة، تماماً كالصهيونية التي تقوم على أساس أن اليهود هم شعب الله المختار ويتفوقون على بقية البشر بالنقاء والذكاء.
وقاد هذا التشابه الفكري بين النازية والصهيونية إلى التعاون بين الحركتين العنصريتين في المجالات الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية لحل المسألة اليهودية بتهجير اليهود إلى فلسطين وإقامة «إسرائيل» فيها.
وأكد فيلسوف النازية الفريد روزنبيرغ في كتابه «محاكمة اليهود في العصور المتغيرة» على هذا القاسم المشترك بين النازية والصهيونية وكتب يقول: «يجب تقديم العون الفعال للصهيونية حتى يمكن نقل أكبر عدد من اليهود الألمان سنوياً إلى فلسطين».
خططت النازية للسيطرة على أوروبا تماماً كالصهيونية التي خططت وتعمل للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط الكبير بالتحالف الاستراتيجي مع الامبريالية الأميركية وعبيدهم من آل سعود وثاني ونهيان واعتماد استراتيجية الحروب الاستباقية، وتغيير النظم السياسية وتنصيب الرؤساء والقيادات السياسية وأمركة المنطقة وصهينتها ومسح هويتها العربية الإسلامية المتجذرة في أعماق التاريخ، في الأرض والإنسان والطابع الحضاري للمنطقة.
وهكذا استبدلت الصهيونية تعاونها مع النازية بعد زوالها بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا الاتحادية، وبقية الدول الأوروبية لتصفية قضية فلسطين ومحاربة العروبة والإسلام.
أعلن حاييم وايزمان زعيم المنظمة الصهيونية العالمية في المؤتمر الصهيوني الثامن عشر في براغ وقال: «إن الإجابة الوحيدة عن كل ما يحدث لليهود في ألمانيا هو أن ذلك بناء جميل وعادل لـ «إسرائيل».
وأكد المنظر النازي يوليوس سترايشر أمام محكمة نورنبيرغ عندما سألته المحكمة عن دوره في صياغة القوانين العرقية في مؤتمر الحزب النازي بمدينة نورنبيرغ قائلاً:
«نعم بمعنى أنني كنت أكتب منذ سنوات مطالباً بمنع اختلاط الدم اليهودي بالدم النازي، وقلت أن علينا «أن نأخذ العرق اليهودي أو الشعب اليهودي نموذجاً، فالقوانين اليهودية هي التي اتخذت نموذجاً (لقوانين نورنبيرغ).. إنه أصل اليهودية التي استطاعت بفضل قوانينها العرقية أن تستمر طوال قرون في حين انقرضت جميع الأعراق والحضارات الأخرى».
وظهرت صدقية هذا المنظر النازي بالموقف الذي أعلنه حاييم كوهين، الذي كان قاضياً في محكمة العدل العليا الإسرائيلية وأعلن «إن سخرية القدر أرادت أن تكون الطروحات العرقية والبيولوجية التي يتبناها النازيون وكانت وراء قوانين نورنبيرغ، هي نفسها التي يبنى عليها تحديد صفة اليهودية في «إسرائيل».
ويؤكد العديد من المفكرين في فرنسا وبريطانيا أن العنصرية ونقاء العرق التي رسخها كتبة التوراة والتلمود هي الأقدم في تاريخ الحركات العنصرية في العالم، حيث يقول الباحث بيير غريباري «إن قانون موسى هو قانون عرقي، بل إنه القانون الكلاسيكي الأكبر من هذا النوع، النص الأقدم، والأكثر عنفاً (إرهاباً) الذي يبشر بعرقية أيديولوجية تبدأ من المقاربات الأولى وحتى أقصى حدودها».
وأخذت ألمانيا النازية تعمل على عزل اليهود الألمان عن بقية أبناء الشعب الألماني ومقاومة اندماجهم ومساعدتهم على الهجرة إلى فلسطين.
وعبّر روبرت ويلش رئيس تحرير المجلة اليهودية جويش روند شاو في افتتاحية 4 نيسان 1933 عن اغتباط صهاينة ألمانيا بصعود النازية قائلاً: «لقد قدمت النازية فرصة تاريخية لتأكيد الهوية اليهودية واستعادة الاحترام الذي فقده اليهود بالاندماج، إنهم (اليهود) مدينون لهتلر وللنازية».
وكان موزيس هيس المعروف بنبي الصهاينة (1812 ـ 1875) قد دعا إلى عودة اليهود إلى فلسطين بدعم من نابليون الثالث. وأكد في كتابه «روما والقدس» إن ما يصنع التاريخ هو صراع الطبقات والأعراق، وركز على التعارض الجذري بين العرق الآري والعرق السامي.
آمن هتلر بنظرية تفوق العرق الآري على غيره من الأعراق، ومنع اندماج العناصر غير الآرية بالعنصر الآري، وانعكست هذه النظرية على اليهود الألمان. وأخذت ألمانيا النازية تعمل على عزل اليهود ومقاومة اندماجهم ومقاطعتهم تمهيداً لتهجيرهم إلى فلسطين بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الحركة الصهيونية في ألمانيا وفلسطين.
وتجلت نظرية هتلر العرقية في كتابه «كفاحي» حيث ركز فيه على الاختلاط بين أصحاب الدم الواحد، وكتب فيه يقول: «من هنا وجوب صمّ الآذان عن سماع الدعوة اليهودية ـ الماركسية إلى دك الحواجز التي تفصل بين الأجناس.. فليس للإنسان سوى حق واحد مقدس، وهذا الحق هو السهر على بقاء دمه نقياً طاهراً، ليتسنى له أن يصون الحضارة ومقوماتها».
استخدمت ألمانيا النازية الحروب العدوانية والإبادة الجماعية ومعسكرات الاعتقال لتؤكد سيطرة العرق الآري. ويستخدم الكيان الصهيوني الحروب العدوانية والإبادة الجماعية والإرهاب والعنصرية ليؤكد تفوق اليهود وسيطرتهم على غير اليهود (الغوييم).
طالبت ألمانيا النازية بوجوب ولاء جميع الألمان لها أينما كانوا واعتبرت نفسها ممثلة لهم داخل وخارج ألمانيا.
وينادي الكيان الصهيوني بازدواجية ولاء اليهود مع أولويته لـ «إسرائيل» ويدعي حق تمثيل جميع اليهود في العالم الأموات منهم والأحياء.
تتعاطف الحركات العنصرية والاستعمارية مع بعضها حدث هذا إبان النازية في ألمانيا فقدمت المساعدات العسكرية الضخمة للفاشيست الطليان والإسبان. وحدث مثل هذا التعاون بين «إسرائيل» والنظم العنصرية في روديسيا والبرتغال وجنوب إفريقيا. وقدمت «إسرائيل» المساعدات العسكرية إلى النظام الفاشي في تشيلي وإلى الدكتاتور سوموزا جلاد الشعب النيكاراغوي، وأقامت أوثق العلاقات مع منظمات المافيا في كولومبيا وأوروبا والولايات المتحدة.
استخدمت الصهيونية العالمية و«إسرائيل» اللاسامية والنازية والهولوكوست سلاحاً حاداً في وجه كل من ينتقد عنصرية الصهيونية وممارسة «إسرائيل» للإرهاب والعنصرية لتبرير حروبها العدوانية والهولوكوست على الشعب الفلسطيني. وتستميت في الإساءة للعرب وبث الحقد والكراهية عليهم وعلى العروبة والإسلام بالتعاون مع الحركات العنصرية في أوروبا والإبقاء على التعاون بينها وبين النازية طي الكتمان.
لاقت ألمانيا النازية ونظام الأبارتد في جنوب إفريقيا مصيرهما المحتوم وهو الزوال، وسيكون مصير إسرائيل إلى الزوال إن عاجلاً او آجلا .