التطابق والتحالف بين الأصولية المسيحية واليمين السياسي الأمريكي – د. غازي حسين
التطابق والتحالف بين الأصولية المسيحية واليمين السياسي الأمريكي واللوبيات اليهودية في الصراع العربي الصهيوني – د. غازي حسين
برر ويبرر رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية ومنهم رونالد ريغان وجورج بوش الابن وبيل كلنتون وأوباما والأنجيليون الأمريكيون واللوبيات اليهودية حروب “إسرائيل” العدوانية وغاراتها الجوية على فلسطين وسورية ولبنان والسودان وتونس بأكذوبة حقيرة مخالفة لأبسط مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وهي أن “إسرائيل” المعتدية في حال الدفاع عن النفس، وعلى سبيل المثال أعلن الرئيس بوش الابن بعد الغارة “الإسرائيلية” على عين الصاحب بالقرب من دمشق بأن «لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وينبغي ألاَّ تشعر بأنها مقيدة» وبالتالي وفرَّ الرئيس بوش الغطاء السياسي للعدوان على سورية، مما يوحيّ بأنه قد أعطى الضوء الأخضر للسفاح شارون للقيام بالغارة الجوية التي شنتها “إسرائيل” على سورية، وأبدى تأييده لها عندما صرح بأن “إسرائيل” كانت في حالة الدفاع عن النفس. وانتقد سورية المعتدى عليها لأنها لم تلاحق رجال المقاومة.
وكان الرئيس ريغان قد أعطى “لإسرائيل” الضوء الأخضر لغزو لبنان عام 1982 لإخراج منظمة التحرير الفلسطينية ورجال المقاومة الفلسطينية من بيروت ولتحويل منظمة التحرير من حركة تحرر وطني ومقاومة إلى منظمة سياسية.
وحذا الرئيس أوباما حذو ريغان وبوش وأعلن بعد الغارة “الإسرائيلية” على جمرايا بالقرب من دمشق أن “إسرائيل” في حالة الدفاع عن النفس.
ينطلق رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية في موقفهم المخالف للقانون الدولي والمناهض للمسؤوليات التي تتحملها أمريكا لحفظ الأمن والسلام الدوليين انطلاقاً من واجباتها كعضو دائم العضوية في مجلس الأمن الدولي من أهداف التحالف القائم بين المسيحية الصهيونية واليمين السياسي الأمريكي واللوبيات اليهودية والتحالف الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب ومن معاداتهم للعروبة والإسلام وحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية.
ويجسّد موقف رؤساء الولايات المتحدة إعطاء الدور الأخضر “لإسرائيل” للاستمرار بإشعال الحروب العدوانية وارتكاب المجازر الجماعية وشن الغارات الجوية على البلدان العربية. وجاءت الحروب “الإسرائيلية” في أعوام 1993 و1996 و2006 على لبنان وفي أعوام 2008 و2012 و2014 على قطاع غزة والغارات الجوية على القنيطرة لمساعدة المجموعات الإرهابية التكفيرية المسلحة في هذا السياق.
وتبيِّن الحروب والغارات الجوية “الإسرائيلية” ممارسة “إسرائيل” لإرهاب الدولة كسياسة رسمية وارتكاب قادتها جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية ووجوب الإسراع في تقديمهم لمحكمة الجزاء الدولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب انطلاقاً من المادة السادسة من نظام محكمة نورنبيرغ والمادة الخامسة من نظام محكمة الجزاء الدولية. ويعكس تأييد الإدارات الأمريكية ل”إسرائيل” مهما ارتكبت من حروب وجرائم حرب مدى التماثل والتطابق والتحالف بين أمريكا والعدو “الإسرائيلي” في الصراع العربي الصهيوني لكسر الإرادات العربية الرسمية وترويضها لتصفية قضية فلسطين وتطبيق الحل الصهيوني للقضية.
ويجمع الحزبان الكبيران في الولايات المتحدة الجمهوري والديمقراطي على الانحياز للعدو “الإسرائيلي” ومعاداة العرب والإسلام، ويؤمن قادتهما بالخرافات والأكاذيب والأطماع الواردة في التوراة (العهد القديم) وفي المخططات الصهيونية.
ويزيد تصاعد تيار الأصولية المسيحية في المجتمع الأمريكي وازدياد قوة اللوبيات اليهودية من الاستمرار في دحض الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني ووضع “إسرائيل” فوق القانون الدولي والقرارات الدولية ومبادئ القانون الدولي الإنساني.
وتعتبر الأصولية المسيحية الأمريكية والمحافظون الجدد واليمين السياسي الأمريكي من أكثر الاتجاهات الفكرية والسياسية والثقافية تأييداً لتهويد القدس وكل فلسطين، ويتبنى الانجيليون تدمير المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضهما بذريعة أنها مشيئة الله الواردة في التوراة والإنجيل، وعبّر رئيس التحالف المسيحي بات روبرتسون عام 2002 بوحشية وهمجية منقطعة النظير وقال: «(إسرائيل) أرض وعد بها الله اليهود وليست ملكاً للمجموعة التي تسمى نفسها فلسطينيين».
وتستخدم “إسرائيل” شريعة الغاب لكي تحقق الاستعمار الاستيطاني اليهودي بتوظيف هذه الهلوسات والأكاذيب وتقيم الإمبراطورية “الإسرائيلية” من النيل إلى الفرات وعاصمتها القدس العربية المحتلة، وتفرض هيمنتها على بقية البلدان العربية والإسلامية بإشعال الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية لتفتيتها وإعادة تركيبها لإقامة “إسرائيل” العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد وحكم العالم ألف عام من مدينة القدس حتى لو أدى ذلك إلى إشعال الحرب العالمية الثالثة واستخدام الأسلحة النووية.
وجاءت الحرب الكونية على سورية بإرسال المجموعات الإرهابية التكفيرية من أكثر من 80 بلداً وباشتراك العدو وبعض الأشقاء العرب لكسر إرادة الدولة الوطنية السورية وتغيير توجهاتها وجعل السعودية تقود المنطقة لتصفية قضية فلسطين وإنهاء الصراع العربي الصهيوني وإقامة الشراكة الأمنية “الإسرائيلية” السعودية لترسيخ التحالف العضوي بين الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية.
إن “إسرائيل” هي أكبر دولة استعمارية وعنصرية وإرهابية وجدت على كوكب الأرض، وأبشع دولة فاشية في العالم فلماذا تمنع الإدارات الأمريكية مجلس الأمن الدولي من إدانتها ومحاسبتها وطردها من عضوية الأمم المتحدة تطبيقاً لمبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق والقرارات الدولية؟
بدأ الاحتلال “الإسرائيلي” باستخدام حرب عام 1948 وبالنكبة المستمرة باحتلال حوالي 80% من مساحة فلسطين.
وتصاعد في حرب حزيران العدوانية عام 1967 وشمل كل فلسطين وصحراء سيناء والجولان وجنوب لبنان.
ولا يزال مستمراً خلافاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي وسيادة واستقلال البلدان العربية.
ولا تزال الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية تكيل بمكيالين وتطبّق ازدواجية المعايير وتنحاز للجلاد “الإسرائيلي” ضد الضحية وهو الشعب العربي الفلسطيني والسوري واللبناني.
لا يجوز أن تؤيد الإدارات الأمريكية النكبة المستمرة والهولوكوست “الإسرائيلي” المستمر على الشعب الفلسطيني.
ولا يجوز أن تستغل الدول الغربية الهولوكوست النازي لحل المسألة اليهودية في فلسطين وتبرير الهولوكوست “الإسرائيلي” على الشعب الفلسطيني، ولا يجوز أن تؤيد واشنطن ترحيل الشعب الفلسطيني من وطنه وإبادته واغتيال قياداته وكوادره وقتل أطفاله ومصادرة أراضيه وتهويدها وتدمير مدنه وقراه وإقامة المستعمرات اليهودية عليها.
وتعتبر واشنطن فوق ذلك كله أن “إسرائيل” المعتدية والمجرمة والمغتصبة للأرض والأملاك والمياه والحقوق الفلسطينية في حالة الدفاع عن النفس، وترفض في الوقت نفسه حق الشعب الفلسطيني المشروع في مقاومة الاحتلال “الإسرائيلي”.
إن الإرهاب التكفيري والإرهاب الصهيوني وجهان لعملة واحدة، وأصبحت محاربتهما قضية تهم جميع الشعوب والأمم في العالم، وتقتضي التمييز بين المقاومة والإرهاب، وعدم تعليق مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية التي تحرّم الإرهاب والإبادة الجماعية والعنصرية والحروب العدوانية إذا كانت جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ترتكبها “إسرائيل” أخطر وأحقر دولة على كوكب الأرض.
إن تبني رؤساء الولايات المتحدة الدفاع عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتنكر لحق عودة اللاجئين إلى ديارهم والذي يعتبر جوهر قضية فلسطين، ووضع “إسرائيل” فوق مصالح شعوب المنطقة والعهود والمواثيق والقرارات الدولية يلحق أفدح الأضرار بالأمن الإقليمي والسلام العالمي، وسوف يشعل نيران الحرب العالمية الثالثة إذا استمرت الدول الغربية وأتباعها من حكام الإمارات والممالك العربية التي أقامتها بريطانيا وتحميها أمريكا بالتنكر للحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني وتدعم المجموعات التكفيرية في سورية والعراق.
لقد ارتبطت إدارة ريغان وبوش بحزب الليكود. وتبنت الإدارتان الاتجاه الليكودي في الصراع العربي الصهيوني، وأخذ السفاح شارون الضوء الأخضر منهما لتدمير وحرق الأخضر واليابس وقتل البشر والشجر والحجر في الغزو “الإسرائيلي” للبنان عام 1982 وفي اجتياح الضفة الغربية عام 2002 بعد ساعة من موافقة قمة بيروت العربية على المبادرة السعودية المشؤومة التي وضع أسسها الصحفي اليهودي توماس فريدمان لإرضاء اللوبيات اليهودية وإدارة بوش. ووافقت عليها القمة وأصبحت تعرف بمبادرة السلام العربية والتي تتضمن شطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم. ووقف الرئيس الأمريكي بوش يدافع عن إبادة الشعب الفلسطيني وقتل الأطفال والنساء والاغتيالات التي ينفذها الجيش “الإسرائيلي” أوحش وأحقر جيش ظهر في تاريخ البشرية ووصف جرائم الحرب “الإسرائيلية” بأنها دفاع عن النفس، وأن السفاح شارون رجل سلام. واعتبر مجرم الحرب بوش أن مقاومة الاحتلال “الإسرائيلي” إرهاب يجب مكافحته والقضاء عليه. وأصبح شارون والليكوديون في الإدارة الأمريكية يوجهون السياسة الخارجية الأمريكية تجاه فلسطين وبقية البلدان العربية والإسلامية.
ولعبت “إسرائيل” واللوبيات اليهودية والمحافظون الجدد والأصولية المسيحية الدور الأساسي في حمل مجرم الحرب بوش على شن الحرب العدوانية على العراق بمسلسل من الأكاذيب سوّقه له الموساد وبدعم من اليهود الأمريكيين لاحتلال العراق والإطاحة بالنظام فيه والقضاء على جيشه ومنجزاته وثروته النفطية وإقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وتحدث المحللون السياسيون في تلك الفترة عن التطابق في الرؤى الأيديولوجية والمواقف السياسية بين الليكود وبين اليمين السياسي الأمريكي الذي حكم الولايات المتحدة، وأكدوا أن الأصولية المسيحية واليمين السياسي الأمريكي أكثر تطرفاً في مساندة حكومة إسرائيل الليكودية من جماعات الضغط اليهودية.
واستوحى بوش خارطة الطريق من مشروع السفاح شارون ووضعها بالتنسيق والتفاهم الكاملين بينهما، وتضمنت رؤية شارون للتسوية وألبسها بوش لباساً أمريكياً وطرحها على الضحية كتوجه دولي غير قابل للتفاوض على الرغم من أنها تتناقض مع قرارات الشرعية الدولية وتتضمن الحل الصهيوني لقضية فلسطين، إذ أن سايكس ـ بيكو 1 ووعد بلفور ونظام الانتداب البريطاني وقرار التقسيم الاستعماري أقاموا “إسرائيل”، بينما تستهدف سايكس ــــ بيكو 2 تخليد وجود “إسرائيل” مئة عام.
إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تضغط ولن تضغط على “إسرائيل” بل تتبنى مخططاتها وتعمل على تسويقها عن طريق رعايتها للمفاوضات الفلسطينية ـــ “الإسرائيلية” وبمساعدة أتباعها من الأمراء والملوك العرب ودول الاتحاد الأوروبي واتفاقات الإذعان التي جرى توقيعها في كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وبسبب تصاعد قوة الأصولية المسيحية وتحالفها مع اليمين السياسي واللوبيات اليهودية الأمريكية وقادة الكيان الصهيوني.