التطبيع العربي وبالذات الخليجي مع الصهاينة – نضال حمد
لم يتوقف التطبيع الخليجي مع الصهاينة وهو بالأصل كان موجودا وإن بشكل سريّ لأن الظروف سابقا لم تكن تسمح بذلك. خاصة مع وجود دول عربية قومية قوية مثل سوريا والعراق وليبيا والجزائر واليمن … بالاضافة لقوة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها ومقاومة وانتفاضة الشعب العربي الفلسطيني. حيث وقفت عائقا بوجه هؤلاء. لكن انحدار القيادة الفلسطينية وتوجهها نحو أوسلو أدى الى ضعف معسكر المقاومة وبروز معسكر السلام او الاستسلام العربي…
تلك الحواجز تساقطت مع سقوط العراق تحت الاحتلال الأمريكي وقبل ذلك خروج مصر السادات فمبارك من الصراع والتطبيع الكامل مع الصهاينة. ثم ضعف وتراجع منظمة التحرير الفلسطينية وانجرارها خلف أوهام السلام الذي اصبح استسلاما مشينا. ثم سقوط ليبيا وحصار سوريا والعدوان العالمي عليها، وكذلك الحرب المصطنعة الدائرة بقرار سعودي صهيوني من أجل دوام تبعية اليمن للسعوديين واسيادهم.
مع تشجيعات سلطة اوسلوستان بعد توقيعها اتفاقية أوسلو أصبح التطبيع واقعا وهو بالأصل مطلب سلطوي فلسطيني لتبرير السقوط في وحل السلام الأمريكي الصهيوني، ولتبرير التطبيع الذي لطالما رفضه الشعب الفلسطيني وحاربه. لكن قيادة المنظمة نفسها بعد خيانة السادات بكمب ديفيد أصبحت ثاني الخائنين للميثاقين القومي العربي والفلسطيني.
ويعرف أهل أوسلوستان المستسلمين بأن الدول الخليجية لم تكن بحاجة لتلك الدعوة من طرفهم للتطبيع، فهي دولاً مطبعة ومطيعة لأمريكا ولبريطانيا الركيزتان الأساسيتان لدوام الاحتلال الصهيوني ودوام حكم العائلات الحاكمة في الخليج. ولا ننسى دور الدعم الألماني المالي والسياسي والاقتصادي والعسكري للكيان الصهيوني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا. كما يجب أن نتذكر أن دول الخليج تعتبر جزءا هاما وأساسيا من المنظومة الأمنية والعسكرية والاقتصادية الأمريكية، الأطلسية والصهيونية.
التطبيع ازداد وتعمق وتوثق وصار اليوم تحالفا حقيقيا يضم (إسرائيل وغالبية الدول الخليجية ) وهناك أيضا دولا عربية تشترى وتباع وفق الأموال الخليجية موجودة في الحلف، مصر السيسي وجزوها المباعة للسعوية مثالا حياً …). فأساس وجود هذا الحلف مصالح مشتركة لتلك الدول والكيان الصهيوني للوقوف ضد ايران وحلفها العربي والاسلامي المقاوم. أي ضد كل من يقول أنا مع المقاومة.
السعودية تكلفت لغاية ( 16-02-2017)، أي العام المنصرم ما قيمته ١٥٠٠ مليار دولار في عدوانها على اليمن. فيما القضية المركزية فلسطين سجلت تراجعا كبيرا بعدما أصبحت كل دول الخليج تقريباً على علاقة مباشرة بالكيان الصهيوني وتعتبره حليفها وليس عدوا، فالعدو الحالي لتلك الدول سوريا والعراق واليمن وايران وحركات المقاومة العربية…
وتواصلت الاتصالات العلنية بين اطراف سعودية مسنودة من العائلة الحاكمة والصهاينة سواء في لقاءات علانية أو سرية. ومنها لقاءات تمت في دول غربية وأخرى في السعودية وفي فلسطين المحتلة. مثل لقاءات عديدة لتركي الحمد مع قادة صهاينة كبار مثل تسيبي ليفني، كما وشارك في مؤتمر هرتسليا للأمن القومي الصهيوني) وأنور عشقي ( زار القدس والتقى بالصهاينة…). وغيرهما. كل ذلك كان تحضيرا لاعلان النهج السياسي الجديد للسعودية مع محمد بن سلمان الذي أطاح بإبن عمه محمد بن نايف من ولاية العهد. وأعتقل العشرات من الأمراء الرافضين لسياسته أو مبايعته. كل ذلك حصل بمباركة صهيونية وغربية وبالذات أمريكية كان ثمنها 450 مليار دولار سعودية لترامب وإدارته.
كما ويجب علينا أن لا ننسى أن قطر وعُمان وهما خارج تحالف السعودية ضد اليمن بسبب خلافات مع السعودية والامارات، كانتا أول دولتان خليجيتان أقامتا علاقات مع الكيان الصهيوني بعد توقيع اتفاقية أوسلو. وافتتحتا مكاتب تمثيل في الكيان الصهيوني وبالمقابل فتح الصهاينة مكتبين لهما في الدوحة ومسقط. أما الكويت فهي الأقل تطبيعا بين دول الخليج. وجدير بالذكر انها شهدت مؤتمرا لمناهضة التطبيع الخليجي مع الصهاينة. وكذلك حصل في البحرين من جانب المعارضة البحرينية التي تمثل حقيقة غالبية الشعب البحريني.
يبدو أن خبرة الصهيوني برويس كشدان مسؤول ملف التطبيع مع الخليجيين أحدثت الفارق وصنعت التطبيع بالفعل. إذ أصبحت رؤية ومشاهدة وفود الصهاينة في دبي وأبو ظبي والمنامة والدوحة وجدة والرياض ومسقط وحتى في الكويت أمرا عاديا وطبيعيا.. الآن لم يعد هناك فرق بين دولة خليجية وأخرى فالتطبيع يسري ويغرق الدول الخليجية.
بداية النصف الثاني من شهر نوفمبر – تشرين الثاني 2017 تفاخر رئيس الوزراء (الإسرائيلي)، بنيامين نتنياهو أمام رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي» حين سرد على مسامعها حقيقة التطبيع مع الدول العربية وبالذات الخليجية. كان مزهوا بانجازاته التطبيعية وقال إن «دولًا عربية كثيرة أصبحت تعتبر (إسرائيل) حليفًا حيويًّا وليست عدوًا»، وبحسب موقع ساسه الالكتروني الاخباري فإن نتنياهو تحدث أيضًا عن «الخبر السار بأن الآخرين (الدول العربية) يتجمعون حول (إسرائيل) بشكل لم يحدث في السابق، إنه أمر لم أتوقعه أبدًا في حياتي».
لكن هذه الزيارة الأحدث للوفد العُماني لم تفاجئ النتنياهو لأنها تجيء ضمن رحلات التطبيع التي صارت سكتها معروفة ومدروسة. سيسعد الصهاينة بالتأكيد بكل زيارة عربية واسلامية ومسيحية مشرقية وبالذات عربية لفلسطين المحتلة. لذا هم سعداء بأحدث حجاج التطبيع العربي وبالذات الخليجي مع الصهاينة. بالوفد العُماني برئاسة وزير الشئون الخارجية العُماني يوسف بن علوي، الذي وصل القدس المحتلة وبرفقته وفد من السلطنة ضم كلاً من السفراء: خميس بن محمد الفارسي، عبد الله بن حمد البادي، محمد بن ناصر الوهيبي ومحمد بن عمر عيديد، والوزيرين: حسين بن على مقيبل وعدنان بن عامر الشنفري والمستشار سالم بن حبيب العميري وحامد بن حمد القاسمي وسعيد بن ناصر النهدي… تصوروا حجم الوفد ونوعيته … وبحسب ما جاء في موقع بوابة الهدف كان في استقبالهم من الجانب الفلسطيني عدد من السياسيين ورجال الأعمال”. وهذا يعني أن التطبيع مطلب سلطوي فلسطيني وليس فقط صهيوني. فهو يبدو وكأنه منسق بين الطرفين كما هو حال التنسيق الأمني. لكن في مقابل التطبيع الخليجي والمشاركة السلطوية في ترويجه وتشجيعه نرى أن حملات رفض التطبيع في العالم وخاصة في أوروبا تحقق نجاحات وانتصارات مهمة على كافة الأصعدة وأهمها الشعبي والفني والثقافي والأكاديمي وبشكل أقل التجاري.
نضال حمد
18-02-2018