التطبيع من البحرين إلى العالمين – نضال حمد
على طريق التسليم بما قاله وزير خارجية كيان الاحتلال الصهيوني وترجمة لتلك الأقوال، أعلن وزير خارجية البحرين من نيويورك ان بلاده قررت رفع الحظر عن البضائع (الإسرائيلية)، معيدا ذلك الى شروط العمل باتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وكأن مملكة البحرين الحديثة لا تستطيع العيش بدون توقيع اتفاقية تعاون وتبادل تجاري مع بلاد العم سام. على كل فإن إعلان الوزير البحريني لم يأتِ بجديد ويمكننا إضافته لسلسلة الاندحارات الرسمية العربية التي أعقبت وستعقب اندحار الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة؟
كما لا يوجد في كلام الشيخ البحريني أي شيء جديد فالعلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني قائمة بشكل سري كما قال وزير خارجية الاحتلال شالوم على هامش جلسات الهيئة الأممية في نيويورك قبل عدة أيام،حيث تصادف ميعاد عقدها مع حلول ذكرى مجازر صبرا وشاتيلا التي قادها مجرم الحرب ارييل شارون سنة 1982. وقد احتفل العالم بشارون كقائد وبطل للسلام بسبب انسحابه من غزة، متجاهلا إجرامه على مر سنوات حياته منذ شبابه وحتى يومنا هذا. فالعالم يريدنا أن نصدق كذبة شارون رجل السلام، لمجرد أنه سحب قواته المحتلة وقطعان الاستيطان من قطاع غزة. مع أن القطاع بقي محاصرا بالرعب والدمار والحدود والمعابر المقفلة والأسوار والجدار والأسلاك الشائكة، وفرق الاغتيالات والموت الصهيونية وطائرات الفانتوم ومروحيات الاباتشي الهجومية، التي قد تكون هي سبب مجزرة يوم أمس في مخيم جباليا.
اذا ما نظرنا جيدا في القرار البحريني فسوف نرى انه امتداد لعلاقات كانت موجودة بين الطرفين وتم إخفاءها عن الشعب البحريني والأمة العربية، وذلك حفاظا عليها وبغية إنجاحها وتعزيزها وجعلها أمراً واقعا. مع الأيام سيعتاده ويقبل به المواطن البحريني والعربي. لم يتردد قادة كيان الاحتلال الصهيوني في القول والتذكير دائما بأن هناك دولا عربية كثيرة أقامت علاقات معه وبأن معظم دول العرب تقيم علاقات غير معلنة مع الصهاينة.
أما البحرين فهي ليست أحدث الدول التي ركبت علناً قطار التطبيع مع الصهاينة.. إذ هناك من سبقها بسنوات مثل قطر وتونس والمغرب ومصر والاردن وعمان وموريتانيا. ويقال أن الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد، بلد الثورة ضد الاستعمار والاحتلال، تسير في طريق التطبيع السريع مع الصهاينة، وقد كان رئيسها قد التقى بقيادات صهيونية ودافع عن ذلك علنا. أما ليبيا فيحكى الكثير عن توجهاتها الجديدة والتقاء بعض قادتها مع أركان الصهيونية العالمية، وقيل مؤخرا أن العقيد القذافي رسول الصحراء والثورة العالمية الخضراء وأمين القومية من بعد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ينوي زيارة كيان الاحتلال، لكنه بدوره نفى تلك الأنباء التي تحدثت عن رغبته في زيارة إسطبل داوود الصهيوني،حيث يتم تعميد القادة العرب.
هناك دولا عربية عدة مثل موريتانيا وتونس وسلطنة عمان والأردن وقطر ومصر تقيم علاقات رسمية او قنصلية او تجارية مع كيان الاحتلال. كما هناك مؤسسات سلطوية فلسطينية ولدت من رحم اوسلو وأخواتها تمارس التطبيع بشكل علني وتنادي به تحت شعارات السلام والتعايش والتقارب. كما وتشجع العرب والأجانب على التطبيع ورفض المقاطعة. كما أن قيادة السلطة الفلسطينية لا تطالب بفرض المقاطعة على الاحتلال ولا تنادي بوقف التطبيع علنا وبشكل جاد وواضح.
على هامش الحديث عن التطبيع والمقاطعة فقد قال لي مؤخرا بعض قادة العمل التضامني النرويجي مع الشعب الفلسطيني بأنهم يريدون مني أن اخبر الوفد الفلسطيني الرسمي، وفد وزارة شئون الأسرى والمحررين في السلطة، الذي سيحضر إلى النرويج للمشاركة في حملة التضامن مع الأسرى التي تقيمها الجالية الفلسطينية في النرويج مطلع الأسبوع القادم. طلبوا مني أن اخبرهم بأن عليهم ان يقولوا بوضوح في اللقاءات التي ستتم مع الأحزاب النرويجية والمسئولين النرويجيين بأن السلطة تريد فرض عقوبات ومقاطعة على (إسرائيل). برر الأصدقاء النرويجيين مطالبهم تلك بقولهم أن الأحزاب النرويجية المنقسمة على نفسها في هذا الأمر والأخرى التي تؤيد الحقوق الفلسطينية تحاول عندما تكون محشورة أو موضوعة في الزاوية اللعب بموضوع مقاطعة “إسرائيل” عبر رفض تبنيه رسميا في النرويج، فتدعي ان السلطة الفلسطينية نفسها لا تطالب بذلك. وان وفود السلطة التي يلتقون بها لم تطلب منهم تبني الأمر ولم تطرحه عليهم في اللقاءات الثنائية.،وهنا نخص حزب العمال النرويجي الذي يرفض المقاطعة بحجة ان السلطة نفسها لا تطالبه بذلك عند الاتقاء بهم. أما أنا بنقلي هذه الرسالة الى الجانب الفلسطيني عبر هذا المقال وبطرق أخرى أضم صوتي لأصوات الأصدقاء الذين ينشطون منذ سنوات لفرض المقاطعة النرويجية والدولية على كيان الابارتهايد الصهيوني الاستعماري، وأطالب السلطة الفلسطينية بالعمل على تعزيز المقاطعة ومحاصرة كيان الاحتلال وجعله يخضع عبر المقاطعة للقوانين الدولية كما كان الحال مع نظام الفصل العنصري الابارتهايد في جنوب إفريقيا. سأظل دائما أذكر بما واجهتنا به بعض القيادات الحزبية النرويجية عندما طالبناهم بتبني قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، إذ أنهم أجابونا بأنهم لا يستطيعون فعل ذلك، لأنه يوجد بند في اتفاقية اوسلو ينص على حل تلك القضية ثنائيا، أي بين الجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي”. والى أن يطبق الجانب الصهيوني البند المذكور سوف تصبح كل فلسطين أسيرة ومعتقلة في سجن الاحتلال البغيض.
ان الخطوة البحرينية السيئة المعنى والنتائج والذكر لن تكون سوى وصمة عار على جبين العروبة، ولن تجعل من البحرين سوى محطة جديدة من محطات التوغل الصهيوني في بلداننا العربية التي تحكم بأنظمة حكم بائدة أكل عليها الظهر وشرب. هذه الخطوة تعتبر أيضا ترجمة أكيدة وصحيحة لما قالته الأوساط الصهيونية والأمريكية عن نية معظم دول الخليج العربية وبعض الدول العربية الأخرى إقامة علاقات مع كيان الاحتلال الصهيوني، تحت مسميات عديدة منها العلاقات التجارية والقنصلية والإعلامية والثقافية والإنسانية والجغرافية والسياسية والدبلوماسية والدينية. إنها المذبحة السياسية والوجودية للأمة العربية، فهنيئا للذين نسوا سنوات الشموخ، كل تلك الشروخ في بيت العرب الكبير. ولكننا نذكرهم بأن الكلمة الفصل في نهاية المطاف تعود للشعوب لأنها هي التي تحدد من يكون ومن لا يكون.
نضال حمد – أوسلو في 23 أيلول (سبتمبر) 2005