التفريق بين المقاومة والإرهاب في القانون الدولي
د. غازي حسين :
بمناسبة العقاد المِؤتمر العربي العام السادس في 20-11-2015
مقدمة
تعتبر الحروب العدوانية في القانون الدولي المعاصر من اكبر الجرائم ضد السلام ترتكبها الدولة المعتدية ضد سيادة و استقلال و حرمة الدولة أو الإقليم المعتدى عليه .
تحظر المواثيق و العهود الدولية و مبادئ القانون الدولي الحروب العدوانية و تنص على معاقبة مرتكبيها كمجرمي حرب و ملاحقتهم مهما طال الزمن , حيث أقرت الأمم المتحدة عدم سريان تقادم الزمن على جرائم الحرب و الجرائم ضد السلام و ضد الإنسانية.و أصبح منع الحروب الوقائية و الاستباقية و الغزو و تحريمها بعد الحرب العالمية الثانية و بعد تأسيس الأمم المتحدة من أهم سمات القرن العشرين .
يتضمن ميثاق الأمم المتحدة نصوصا صريحة لتحريم الحروب و منع الدول الأعضاء من استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية .ولكن الإدارة الأميركية واليهودية العالمية و”إسرائيل” تشن حرباً شعواء على الجهاد وعلى الإسلام , حيث عقد عضو الكنيست اريه الداد مؤتمرا صحفيا في منتصف أيلول الماضي شن فيه هجوما عنيفا على الرسول عليه الصلاة و السلام والدين الإسلامي والجهاد فيه .وربط هذا اليهودي المتطرف بين الإرهاب والإسلام وقال” نحن مجبرين على وقف الجهاد ,وإذا استسلمت القدس ستكون أوروبا التالية. ولقد حان الوقت لنتعرف على حقيقة الخطر الذي يشكله الإسلام”. وأعلن عن إقامة تحالف مع جهات عنصرية متطرفة في أوروبا” تجمع على أن انتشار الإسلام يشكل تهديدا خطيرا على الحضارة الغربية . وقال إن الصراع بين اليهود والعرب قائم على أساس ديني, وهو صراع حضارات وحرب بين الأديان .وزعم عدم وجود فهم للإسلام في الغرب و”إسرائيل” ,وان لا احد يعرف مدى الجهات التي تعمل على جعل المسلمين في العالم يقومون بالجهاد العالمي ضد الحضارة الغربية ,وضد “إسرائيل” وأوروبا . وتابع حديثه يقول :
“إن البرلمانيين الأوروبيين المشاركين في التحالف يعرفون انه إذا سقطت “إسرائيل” ,فان الحضارة الأوروبية ستسقط ,وكذلك كل الحضارة الغربية وتخضع للإسلام .”
وأعلن عن إقامة المنتدى البرلماني الأوروبي ,حيث سيضع القوانين التي ستحارب سيطرة الإسلام .وقال “وعلينا أن نعمل على زيادة الوعي في أوروبا و”إسرائيل” حول المخاطر التي يشكلها الإسلام والجهاد على البشرية .”
وانطلاقا من الحملة السياسية والإعلامية التي تقودها “إسرائيل” و اليهودية العالمية والإدارة الأميركية ضد الجهاد في الإسلام ,لإضعاف مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والأميركي يجب العمل ليل نهار على التفريق بين المقاومة والإرهاب ,ودعم المقاومة ونبذ الإرهاب .
الأمم المتحدة ومعاقبة مجرمي الحرب
تنص ديباجة ميثاق الأمم المتحدة على عدم استخدام القوة في غير المصلحة المشتركة , و تطالب المادة الثانية منه بفض النزاعات الدولية بالوسائل السلمية و منع الدول الأعضاء التهديد بالقوة في العلاقات الدولية . وهكذا يحرم الميثاق الحروب العدوانية و لا يعترف بشرعية الاحتلال .
و تفرض العهود و المواثيق الدولية و مبادئ القانون الدولي و التعامل الدولي على الدولة المعتدية الانسحاب الفوري ودفع التعويضات عن الخسائر التي ألحقتها بالدولة أو الإقليم المعتدى عليه.و خطت الدول الأربع الكبرى في اتفاقية بوتسدام عام 1945 خطوة جديدة متقدمة و قررت سلخ أجزاء من إقليم الدولة المعتدية كي لا تشكل بؤرة لاندلاع حروب جديدة ,ووقعت أيضا في نفس العام اتفاقية لندن لإنشاء محكمة نورنبيرغ لمحاكمة مجرمي
الحرب النازيين و محكمة طوكيو العسكرية لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين , و أقرت الأمم المتحدة بالقرار 95 عام 1946 نظام وقرارات محكمة نورنبيرغ كجزء من القانون الدولي .
و أقرت الأمم المتحدة عام 1948 معاهدة تحريم إبادة الجنس البشري و المعاقبة عليها.
و تعتبر هذه المعاهدة الدولية الهامة بمثابة تقنين دولي يحد من جريمة الإبادة الجماعية ويحرمها و يعاقب مرتكبيها كمجرمي حرب أسوة بمجرمي الحرب النازيين .
وخطت الأمم المتحدة خطوة متقدمة أخرى و أقرت عام 1949 اتفاقيات جنيف الأربعة حيث تتناول الاتفاقية الرابعة حماية السكان المدنيين , مما أعطاها مكانة هامة في القانون الدولي الإنساني.وتنص المادة 49 من الاتفاقية المذكورة على انه” لا تجوز لدولة الاحتلال أن ترّحل او تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”.
وأكدت الأمم المتحدة عام 1968 عدم سريان تقادم الزمن على جرائم الحرب.وبالتالي تكون قد أكدت مجددا على احد المبادئ الأساسية للقانون الدولي .
الأمم المتحدة و التفريق بين المقاومة و الإرهاب
يحظر القانون الدولي نوعين من الإرهاب :
أولا: إرهاب الأفراد لدى ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد السلام وضد الإنسانية وضد الأبرياء من المدنيين .
ثانيا: إرهاب الدولة عندما تمارس الحروب و الإرهاب والعنصرية كسياسة رسمية .
ويميز القانون الدولي بين المقاومة والإرهاب,وينص على تجريم الإرهاب ويعترف بشرعية المقاومة المسلحة ضد الاحتلال . وميزت الأمم المتحدة بين الأعمال الإرهابية والنضال العادل للشعوب الذي
تخوضه حركات المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والعنصرية. وذلك في القرار الذي اتخذته في كانون الأول عام 1972 .
واتخذت المنظمة الدولية في كانون الأول العام 1974 القرار رقم 3214حول تعريف العدوان, وأجاز التعريف حق الشعوب في النضال بجميع الأشكال بما فيها الكفاح المسلح من اجل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير ,وبالتالي تكون الأمم المتحدة قد ميزّت بين المقاومة والإرهاب. وأجازت مقاومة الشعوب للاحتلال أي أجازت المقاومة العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي البغيض .
واستطاعت اللجنة الخاصة بموضوع الإرهاب الدولي التي شكلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1972ان تنجح في تشخيص الأسباب الرئيسية لظاهرة الإرهاب في العام 1989.وأوردت الأسباب السياسية والعوامل الاقتصادية والاجتماعية للإرهاب,وجاء في الأسباب السياسية للإرهاب ما يلي :
-
الاستعمار والتشبث بالسيطرة الاستعمارية .
-
إنكار حق الشعوب في تقرير المصير.
-
العنصرية والتمييز العنصري والفصل العنصري .
-
حروب الإبادة الجماعية والحروب العدوانية .
-
استخدام القوة وانتهاك السيادة و الاستقلال والوحدة الإقليمية للدول .
-
احتلال أراضي الغير والهيمنة على الشعوب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول .
-
استخدام الإرهاب للسيطرة على الشعوب وإجبار السكان على النزوح .
-
الفاشية وسياسة التوسع والمنازعات بين الدول .
-
الاضطهاد الديني وإشعال الفتن الطائفية والحروب الأهلية .
-
الاستبداد والظلم والقهر وكبت الحريات وانتهاك الحقوق .
إن القانون الدولي المعاصر بعد المآسي والويلات التي ذاقتها شعوب العالم جراء الحربين العالميتين الأولى والثانية ,ينظر إلى الإرهاب بمنظار يأخذ بعين الاعتبار فظاعته ووحشيته للمحافظة على حياة وكرامة الإنسان ومصلحة البشرية جمعاء ويميز بين المقاومة والإرهاب .وتابعت الأمم المتحدة تعزيز هذا الاتجاه في العلاقات
الدولية حتى انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي وبروز النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والذي أعلن عنه الرئيس بوش الأب في العام 1991 . وكانت الأمم المتحدة قد وافقت في التاسع من كانون الأول عام 1981 على الإعلان الخاص بعدم جواز غزو أراضي الغير والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ,ويؤكد الإعلان على التزام الدول بالامتناع عن ممارسة الإرهاب كسياسة رسمية للدولة ضد الدول الأخرى , أو ضد شعوب ترزح تحت نير السيطرة الاستعمارية أو الاحتلال الأجنبي أو تحت نير أنظمة عنصرية .
إسرائيل كيان إرهابي
يسيطر مفهوم الإبادة الجماعية للعرب على التفكير الديني والسياسي و العسكري للحكومة والأحزاب والحاخامات والمجتمع في “إسرائيل”.
وتعود جذور الإرهاب والإبادة إلى الفكر والممارسة في التاريخ اليهودي تجاه الكنعانيين . استخدمت “إسرائيل” الحروب العدوانية والمجازر الجماعية وعمليات التدمير والقتل والاغتيالات لإبادة اكبر عدد ممكن من العرب .واتبعت سياسة الأرض المحروقة وتوجيه الرصاص إلى الرأس والعين والقلب, واستخدام القنابل العنقودية والفسفورية ,وفرق القتل السرية وقصف المنازل والأحياء السكنية بأحدث الصواريخ والقنابل والطائرات الأميركية. وسخرت الأسلحة الكيمائية والبيولوجية واليورانيوم المنضب وحقن أطفال الانتفاضة الأولى بفيروس الايدز , وإجراء التجارب الطبية المحرمة دولياً على رجال المقاومة للتخلص من الإنسان العربي ومنع تكاثره . فالجيش والشعب الإسرائيلي يتعاملان مع الإنسان الفلسطيني من منطلق عدم الاعتراف بوجوده وبحقوقه في أرضه ووطنه ,وإنكار حقه في الملكية ,ومصادرة أرضه وإقامة المستعمرات اليهودية عليها .
وعلى الرغم من توقيع قيادة منظمة التحرير لاتفاق أوسلو المشؤوم لا تزال الإبادة والترحيل والاستعمار الاستيطاني المسيطر على مواقف وممارسات الحكومة والجيش و المجتمع الإسرائيلي في التعامل مع الشعب الفلسطيني الرافض للاحتلال والتهويد والترحيل . وتتخذ “إسرائيل” من الإرهاب و العنصرية والإبادة الجماعية سياسة رسمية وعلنية وكذلك استخدام معزوفة اللاسامية والهولوكوست النازي لتبرير الهولوكوست الإسرائيلي المستمر على شعبنا الفلسطيني .
مما جعل شعبنا ضحية مزدوجة للهولوكوست النازي والإسرائيلي . وتعتقد “إسرائيل” منذ نشأتها وحتى اليوم إن الإرهاب والإبادة والعنصرية واستخدام القوة ,والتفوق والنقاء العنصري جاء بأمر الهي أولاً ومصلحة دنيوية ثانياً, لذلك أعطوا ذلك كله صفة القداسة الدينية .وأصبح الإرهاب الإسرائيلي من أهم المرتكزات لتحقيق المشروع الصهيوني .
إن إرهاب الدولة التي تشرعنه الحكومة وينفذه الجيش والموساد والشرطة والمستوطنون بصورة لم يشهدها التاريخ لوحشيتها وهمجيتها الحق أفدح الأضرار بالشعب الفلسطيني والأمة العربية .وتهدف “إسرائيل” منه ترحيل وإبادة اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين لتحقيق التطهير العرقي وصولاً إلى تجسيد يهودية الدولة أي تجسيد النقاء العنصري لإسرائيل .
وتوجه “إسرائيل” الإرهاب إلى الشعوب والدول في الوطن العربي لإجبارهم على إلغاء وتعديل قراراتهم ومواقفهم وكسر إراداتهم بما يتفق مع المصالح والمخططات الإسرائيلية للمنطقة . و يجسد الإرهاب الإسرائيلي احد المخاطر الأساسية التي تهدد الأمن القومي العربي وامن الدول الإسلامية .
إن “إسرائيل” هي الدولة الوحيدة في العالم التي قامت على الإرهاب والعنصرية ,فالإرهاب ملازم لطبيعة اليهودية والصهيونية والكيان الصهيوني , وملازم لتاريخ “إسرائيل” ,وتمارسه كسياسة رسمية , فإسرائيل هي دولة الإرهاب فكرا وممارسة ودولة الاستعمار الاستيطاني والعنصرية الوحيدة المتبقية في العالم .
وتتابع “إسرائيل” ممارسة الإرهاب والعنصرية والاحتلال والاستعمار الاستيطاني وفرض العقوبات الجماعية وممارسة الهولوكوست على الشعب الفلسطيني كسياسة رسمية معلنة وبتأييد ودعم كاملين من الولايات المتحدة الأميركية .
ولا تزال “إسرائيل” تحتل الأراضي العربية وتغير معالمها الجغرافية والديموغرافية وتعمل على تهويدها وتدمير الحضارة العربية الإسلامية وترحيل العرب وإحلال مستوطنين يهود محلهم,مما يجعل اللجوء إلى مقاومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي من أقدس الواجبات الوطنية والقومية والدينية و الإنسانية .
نعتت “إسرائيل” المقاومة الفلسطينية ومقاومة حزب الله بالإرهاب في محاولة لتخليد الاحتلال واغتصاب الأرض والحقوق والمقدسات العربية وتهويدها وتبرير الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وكسر إرادة الشعبين الفلسطيني واللبناني .
وتبنت الولايات المتحدة الموقف الإسرائيلي ونعتت مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالإرهاب ,وحملت دول الاتحاد الأوروبي على تبني موقفها . فعدت حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله حركات إرهابية ويجب القضاء عليها ,خلافا لقواعد القانون الدولي ومبادئ وأهداف الأمم المتحدة والعهود و المواثيق الدولية .
المقاومة خيار الشعب الفلسطيني
انطلاقا من العهود و المواثيق الدولية و قرارات الأمم المتحدة.و نظرا لنكبة فلسطين و اغتصابها و ترحيل شعبها التي و وقعت من أكثر من ستين عاما .ونظرا للحروب العدوانية التي أشعلتها إسرائيل على فلسطين و سورية ولبنان و الأردن و مصر .ونظرا لرفضها الانسحاب من القدس بشطريها المحتلين مدينة الإسراء و المعراج ومن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة و الجولان السوري المحتل و مزارع شبعا , واستمرارها في بناء المستعمرات اليهودية في فلسطين و الجولان و تهويد الأرض و المقدسات في الخليل و القدس و بيت لحم و طبريا.
ونظرا لاستمرارها في ارتكاب الهولوكوست على قطاع غزة و سياسة الأرض المحروقة و تدمير المنجزات الصناعية و الزراعية و العمرانية و الثقافية .
ونظرا لتخاذل الأمم المتحدة في إنهاء الاحتلال ووقف الهولوكوست على الشعب الفلسطيني .
ونظرا لازدواجية المعايير لدى الولايات المتحدة و ألمانيا و بريطانيا و فرنسا و انحيازهم للعدو الإسرائيلي و معاداتهم للعرب و الإسلام.
ونظرا لاستمرار دولة الاحتلال بناء المستعمرات و جلب قطعان المستعمرين اليهود وترحيل الفلسطينيين.انتفض الشعب الفلسطيني للدفاع عن وطنه و أرضه و أملاكه و منجزاته و مقدساته و حياته بالمقاومة المسلحة و العمليات الاستشهادية و يؤكد أن المقاومة هي خياره الاستراتيجي لقلع الاحتلال الإسرائيلي البغيض , وتفكيك المستعمرات اليهودية و عودة اللاجئين إلى ديارهم و استعادة أرضهم وممتلكاتهم .
مشـــروعية المـقاومة
إن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي عمل مشروع يتماشى مع مبادئ القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة و بقية العهود و المواثيق الدولية ,ومع تجارب الشعوب الأوروبية في مقاومة الاحتلال النازي.
أثبتت حركات المقاومة الأوروبية أن مقاومة قوات الاحتلال النازية وإلحاق الهزيمة بها حتمية. وهذا ما حصل ولا تزال الشعوب الأوروبية تفتخر و تعتز بحركات المقاومة .
اتفقت أراء معظم فقهاء القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية و تأسيس الأمم المتحدة على شرعية مقاومة الاحتلال.وأكدوا أن المقاومة المسلحة للشعوب الأوروبية هي نتيجة منطقية وطنية و إنسانية للاحتلال البغيض, وان عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال النازي هي دفاع عن النفس و الوطن.ويؤيد معظم فقهاء القانون الدولي في العالم شرعية حركات المقاومة الفلسطينية و اللبنانية و العراقية في مواجهة الاحتلالين الإسرائيلي و الأميركي.
فالقاسم المشترك بين حركات المقاومة الأوروبية و حركات المقاومة العربية هو الاحتلال, و الاحتلال هو ذروة الإرهاب. و تستند شرعية المقاومة الفلسطينية إلى عدم شرعية الكيان الصهيوني المغتصب للأرض و الحقوق و المياه و إلى عدم شرعية الحروب العدوانية و التغييرات الجغرافية و الديمغرافية التي نفذها في فلسطين و الجولان خلافاً لقرارات الشرعية الدولية .
رفضت المقاومة الفلسطينية بعد حرب حزيران العدوانية مجرد التفكير بالاستسلام للعدو المنتصر وتصاعدت عملياتها داخل الكيان الصهيوني وهي استمرار للانتفاضات والمقاومة المسلحة وغير المسلحة التي بدأت منذ وعد بلفور.وجاء اتفاق أوسلو المشؤوم عام 1993 لينهي الانتفاضة الأولى .
وانفجرت الانتفاضة الثانية انتفاضة الأقصى على تخلي السلطة عن المقاومة ونعتها بالإرهاب وعن عدم قناعة الشعب الفلسطيني بجدوى المفاوضات والرعاية الأميركية .
لقد ثبت بجلاء من حصاد أوسلو المر والمرير انه لا يمكن الاعتماد على المفاوضات والاتفاقات مع العدو لدحر الاحتلال والحصول على الحقوق وتنفيذ حق العودة واستعادة الأرض و الممتلكات المغتصبة .
وظهر بجلاء أن الاستعمار الاستيطاني والاحتلال الإسرائيلي هو أبشع وأشرس أنواع الاستعمار والاحتلال التي ظهرت في التاريخ ,وان ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ,وان العدو الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة,لذلك يجب اعتماد المقاومة والكفاح المسلح لتحرير الأراضي العربية المحتلة واستعادة الأراضي والممتلكات والثروات والحقوق المغتصبة .
إن كل احتلال يؤدي إلى المقاومة , وكلما ازدادت وحشية الاحتلال كلما ازدادت المقاومة شدة و اتساعا. واستمرار الاحتلال و المستعمرات اليهودية والهولوكوست و العنصرية و الإرهاب يجعل المقاومة بكل أشكالها و في طليعتها
المقاومة المسلحة هي الرد الشرعي القانوني و الوطني و القومي و الديني و الإنساني على الاحتلال الإسرائيلي . و المقاومة هي الأسلوب العلمي و العملي المتبقي الوحيد الذي يقود إلى إنهاء الاحتلال و إلى الحرية و الاستقلال و عودة اللاجئين إلى ديارهم و استعادة أراضيهم وأملاكهم . ويقود أيضا إلى الهدوء و الاستقرار في المنطقة .
التفريق بين المقاومة والإرهاب في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب
طرحت سورية على لسان الرئيس الراحل حافظ الأسد التفريق بين المقاومة والإرهاب ودعم حركات المقاومة وإدانة الإرهاب وعقد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب ,والتفريق بينه وبين المقاومة والاتفاق على سبل مكافحة الإرهاب الحقيقي وذلك عام 1986 في أثينا وبحضور الرئيس اليوناني.
ولا تزال سورية حتى اليوم تطالب على لسان الرئيس بشار الأسد بعقد مثل هذا المؤتمر لمكافحة إرهاب الأفراد والجماعات والدول , ودعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق ضد الاحتلال الأميركي والاستعمار الاستيطاني اليهودي وضد الاحتلال الأجنبي .
وتتضمن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي اقرها مجلس وزراء الداخلية و العدل العرب, في نيسان 1998 في المادتين الأولى والثانية التفريق بين المقاومة والإرهاب ,ودعم المقاومة والتصدي للإرهاب .
تعرّف المادة الأولى في الفقرتين الأولى والثالثة الإرهاب والجريمة الإرهابية .
وتفرق المادة الثانية من الاتفاقية بين المقاومة والإرهاب ,وتستثني الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي من الإرهاب . وتنص على أنه “لا تعد جريمة, حالات الكفاح بمختلف الوسائل, بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان ومن اجل التحرير وتقرير المصير وفقا لمبادئ القانون الدولي .” ويتضمن الباب الثاني من الاتفاقية أسس التعاون العربي لمكافحة الإرهاب, والباب الثالث آليات تنفيذ الاتفاقية .
وضعت الاتفاقية تعريفاً محدداً للإرهاب والجريمة الإرهابية وآليات مكافحته مع التفريق بين المقاومة والإرهاب وتأييد حركات مقاومة الشعوب للاحتلال الأجنبي , وبالتالي تلزم الدول العربية بتأييد حركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وبقية بلدان العالم ومكافحة الحركات الإرهابية
جاء مجرم الحرب بوش وعقد عدة مؤتمرات قمة عربية- إسرائيلية في شرم الشيخ والعقبة برعايته, أدانت حركات المقاومة في فلسطين خلافاً لموقف الشعوب والحكومات العربية والإسلامية , وانتهاكاً للاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب
ولم يكتف مجرم الحرب بوش بإدانة بعض الحكام العرب لحركة المقاومة الفلسطينية بل اعتبر أن عمليات الإرهاب والإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها “إسرائيل” على أنها أعمال دفاعية ,وان “إسرائيل” في حالة الدفاع عن النفس. وبالتالي فقدت الولايات المتحدة صدقيتها وأخلاقيتها ومسؤوليتها كعضو دائم في مجلس الأمن عندما تدافع عن مجرمي الحرب الإسرائيليين , وتعتبر في الوقت نفسه عمليات المقاومة البطولية ضد الاحتلال الإسرائيلي عمليات إرهابية .
وهكذا تتجلى بوضوح ازدواجية المعايير لدى الولايات المتحدة الأميركية , وفقدانها أي حس أو منطق بالعدل والإنصاف ومبادئ الشرعية الدولية عندما يتعلق الأمر بالعرب و المسلمين .
الخـاتــمة
إن ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ومبادئ وأهداف الشرعية الدولية تدمغ جميع الأعمال العدوانية كالغزو والاحتلال والتدخل في الشؤون الداخلية للدول والاستعمار الاستيطاني بالإرهاب , وتؤيد حق الشعوب والأمم في مقاومة الاحتلال وحق تقرير المصير ونيل الاستقلال الوطني ,وتدين الامبريالية والعنصرية والصهيونية كشكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري وتؤكد على عدم شرعية احتلال أراضي الغير بالقوة وترحيل سكانها .
وتحرم استخدام القوة والحروب العدوانية كأداة لفرض سياسات معينة أو الحصول على مكاسب إقليمية أو إجبار المغلوب على أمره توقيع اتفاقيات إذعان كما حصل عام 1919 في لاهاي وفي أوسلو عام 1993 . ويعود إخفاق الأمم المتحدة في إجبار “إسرائيل” على احترام وتنفيذ مبادئ وقرارات الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي المعاصر إلى انحياز الولايات المتحدة الأميركية للعدو الإسرائيلي وسيطرتها المطلقة على الأمم المتحدة واستخدامها الفيتو .
إن الواجبات الأساسية الملقاة على عاتق الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والدول دائمة العضوية فيه معاقبة “إسرائيل” على حروبها العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني والبلدان العربية وعلى ممارستها للإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية كساسة رسمية,وإجبارها على الانسحاب الفوري والشامل من جميع الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة ودفع التعويضات عن الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي ألحقتها بالمواطنين الفلسطينيين والعرب ,وتجريدها من الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية . ويعود إخفاق الأمم المتحدة في حمل “إسرائيل” على تطبيق قرارات ومبادئ وأهداف الشرعية الدولية إلى ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي .
إن اشتداد المقاومة ينتج عن إرهاب المحتل والمغتصب للأرض والحقوق والمقدسات فسياسة الاستعمار الاستيطاني والقتل والتدمير والإبادة الجماعية تدفع بالشعب المحتل إلى الرد على الإبادة الجماعية والاحتلال باللجوء إلى القوة لتحرير الأراضي العربية من نير الاحتلال الإسرائيلي البغيض . يضاف إلى ذلك الانحياز الأميركي الوحشي للاحتلال الإسرائيلي الذي ولد ويولد شعورا كبيرا من الإحباط الوطني والقومي والديني لدى العرب و المسلمين .
ويدفع الانحياز الأميركي والأوروبي لإسرائيل واستمرار الاحتلال, الشعب الفلسطيني إلى اللجوء إلى استعمال القوة المتاحة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي المدجج بأحدث الأسلحة الأميركية , وذلك انطلاقا من مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية , ولأنه ما بني على باطل فهو باطل مهما طال الزمن وغلا الثمن .