الثورة الاسلامية الإيرانية والقضية الفلسطينية – أكرم عبيد
لا شك أن انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بزعامة سماحة الإمام القائد الخميني رحمه الله عام 1979 كان حدثاً مميزاً في المنطقة وشكل تحول عالمي و مفصل تاريخي ما بين عصر التبعية للاستكبار الصهيوني الأمريكي وعصر التحرر والاستقلال الوطني بعدما تحطمت أعظم إمبراطورية في الشرق التي شكلت أعظم ركائز تحالف الشر العالمي الصهيو أمريكي ونقل الشعب الإيراني العظيم من دائرة التبعية للعدو إلى الدائرة الوطنية التحررية والإسلامية المقاومة و الانتصار للقضايا الإسلامية والتحررية العالمية العادلة وفي مقدمتها قضية فلسطين التي حازت على مكانة مميزة وهامة في قلب وعقل الإمام القائد رحمه الله قبل وبعد انتصار الثورة الشعبية الإيرانية الذي أطلق العنان لمآثره الجهادية والأخلاقية منذ اللحظة الأولى لوصوله ارض الوطن بتاريخ السابع من آب عام 1979 من المنفى ليعلن انتصار الثورة وقال ( الحمد لله اليوم إيران وغداً فلسطين ) ورفع شعاره الشهير الله أكبر الموت لأمريكا…… الموت لإسرائيل )) وقد اعتبرت الجماهير الإيرانية الثائرة هذه المقولة رسالة لها لتتوجه لوكر الجاسوسية العالمي الممثل بسفارة الكيان الصهيوني وتسقط العلم الصهيوني وتحرقه وترفع العلم الفلسطيني وتعلن للعالم اجمع تحويل هذه السفارة إلى أول سفارة لدولة فلسطين في العالم بعدما وصف الكيان الصهيوني المحتل بأنه غدة سرطانية يجب إزالتها من الوجود بالقوة ليستعيد الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية والتاريخية المغتصبة في فلسطين كل فلسطين وعاصمتها القدس.
وأعلن الإمام الراحل فيما بعد أن يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك يوماُ عالمياُ للقدس الذي تميز بدلالاته ومعانيه السياسية والدينية وأسس جيش القدس الذي تجاوز عدده العشرين مليون نظرا لأهمية القضية الفلسطينية التي أصبحت اليوم من أولويات الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخامنئي دام ظله.
لقد تميزت الثورة الشعبية الإسلامية الإيرانية عن الثورات الأخرى بأنها ثورة شعبية عقيدية استطاعت بحكمة وحنكة الأمام الراحل قلب موازيين القوى العالمية لتشكل تحولاً استراتيجياً مهماً في التاريخ المعاصر على الصعيدين الاقليمي والعالمي بعدما شخص طبيعة الصراع في المنطقة بين الحق والباطل ووضع أصبعه على الجرح النازف في المنطقة ليعلن أن العدو الذي يهدد الأمن الإقليمي والعالمي هو الكيان الصهيوني المدعوم من الاستكبار العالمي من بريطانيا الى الولايات المتحدة الامريكية التي كانت من اهم الدول التي ساهمت في إغتصاب فلسطين بالقوة ليهدد العرب والمسلمين بشكل مباشر في المنطقة .
لذلك ومنذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية تطلع قائد الثورة وملهمها لعلاقات إستراتيجية مع العرب والمسلمين والدفاع عن قضاياهم العادلة وفي مقدمتها قضية فلسطين وخاصة عندما قال أن تحرير فلسطين واجب شرعي وتكليف الهي ملزم لكل المسلمين في العالم وفي الحقيقة لم نجد للإمام الراحل خطبة دينية أو مقالة إعلامية او بيان سياسي إلا وكان يحذر المسلمين من مخاطر الوجود الصهيوني ومؤامرات الانظمة الاستكبارية الغربية وفي مقدمتها الإدارة الامريكية المتصهينة .
وهذا ما ثبت بالدليل القاطع أن سماحة الإمام أدرك بشكل مبكر أن طبيعة الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع وجود وليس نزاع على حدود كما يتوهم البعض من غربان أمريكا وفي هذا السياق لابد أن نتذكر البيان السياسي الذي أصدره سماحة الإمام عام 1964 بمناسبة عقد القمة العربية ومناقشة تحويل نهر الأردن من قبل العدو الصهيوني فخاطب القادة المؤتمرين قائلاُ أيها السادة لماذا تشغلون أنفسكم بتحويل “إسرائيل ” لنهر الأردن وأنتم تعلمون أن كل فلسطين مغتصبة المطلوب أن تعملوا على طرد اليهود منها لأنهم خطر على الإسلام والمسلمين بشكل عام .
ومنذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية كان الإمام يتطلع لإقامة أفضل العلاقات الإستراتيجية مع العرب والمسلمين ولم يفكر أبداً بتصدير الثورة كما كان يزعم البعض من أبواق الدعاية الصهيو أمريكية وأذنابهم في المنطقة لأن ما يجمع الثورة الإسلامية بأفكارها الخلاقة مع العرب والمسلمين أكثر بكثير مما يفرقها .
وكانت سورية بقيادة الزعيم الخالد حافظ الاسد رحمه الله البلد العربي الوحيد الذي ادرك اهمية الثورة الاسلامية الايرانية وسارع الى مد جسور الثقة مع قيادة الثورة بزعامة الامام القائد رحمه الله التي تطورت لتصبح علاقات استراتيجية بين البلدين الشقيقين ومازالت هذه العلاقة تتطور من خلال العلاقات الاخوية الداعمة لقوى المقاومة من فلسطين الى لبنان والعراق في مواجهة اعداء الامة وفي مقدمتهم العدو الصهيوامريكي الذي تعمد استثمار ما يسمى الربيع العربي لاعلان الحرب الكونية على سورية التي صمدت بدعم ومساندة الجمهورية الاسلامية الايرانية التي أدركت ان العدوان على سورية يستهدف تفكيك محور المقاومة والصمود بدءاً من سورية الى ايران والعراق الى المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن لكن مخططات العدو الصهيوامريكي انهزمت تحت ضربات محور المقاومة والصمود وتوجت هذه الانتصارات بصمود وصلابة سورية شعبا وجيشاً وقيادة بقيادة الرئيس بشار الاسد بدعم ومساندة اشقائها في محور المقاومة وفي مقدمتها الجمهورية الاسلامية الايرانية وحزب الله والفصائل الفلسطينية المقاومة واصدقاء سورية من احرار العالم وفي مقدمتهم روسيا والصين واصبحت اليوم في الربع ساعة الاخيرة من اعلان انتصارهاالكبير على اعداء الامة وعملائه الصغار من النظام التركي الى النظام السعودي الى النظام القطري وعصاباتهم الوهابية التكفيرية الارهابية لبكون انتصاراً لشرفاء الامة وكل احرار العالم .
لذلك كانت القضية الفلسطينية في فكر ومنهج الإمام الراحل ومازالت في فكر ومنهج الإمام القائد علي الخمنائي هي قضية عقيدية أولاً وليس قضية سياسية أو إنسانية فقط أو مصالح قابلة للاتفاق كيف لا وعندما انطلقت الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة عام 1965 أصدر الفتوى الشهيرة التي تطالب المسلمين بالالتحاق في صفوفها للمشاركة في المقاومة لتحرير فلسطين لأن الإمام رحمه الله مناهضاً للفكر الصهيوني العنصري وكيانها المصطنع في فلسطين منذ تأسيس هذا الكيان بموجب مؤامرات بريطانيا وتحالف الشر الغربي التي حذر منها منذ عام 1947
وبالرغم من الظروف الذاتية والموضوعية التي اعترضت مسيرة الإمام إلا أن الثورة انتصرت وأصر على نقل الشعب الإيراني الثائر إلى عصر الدولة المؤسساتية التي تسابقت مع الزمن بشكل متسارع لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه شعوبا وأمما تمتلك من الإمكانيات مالا يمتلكه الشعب الإيراني وحققت جملة من المكاسب المتعاظمة للشعب الإيراني بشكل خاص وللأمة العربية والإسلامية بشكل عام وخاصة على الصعيد العلمي والتكنولوجي والاقتصادي والعسكري ولأمني والاجتماعي والديني حتى أصبحت اليوم إيران دولة إقليمية عظمى يحسب لها ألف حساب من قبل العدو قبل الصديق لذلك فان هذا التطور المتسارع أثار حفيظة العدو الصهيو أمريكي لكن ما أثارهم أكثر الانحياز للقضية الفلسطينية ومقاومتها الباسلة والمقاومة اللبنانية والعراقية واليمنية وتعزيز العلاقة الإستراتيجية مع القطر العربي السوري من منطلق عقيدي ديني أرعبهم بشكل جدي بعد الإنتصارات العظيمة على العدو بشكل واضح وصريح .
وفي الحقيقة لم يكتفي سماحة الإمام الخميني طيب الله ثراه بالإعداد والتخطيط لتفجير طاقات وإمكانيات الشعب الإيراني الشقيق وانتصار أول ثورة شعبية عالمية شارك في مفاعيلها وتفاعلاتها معظم أبناء الشعب الإيراني بل استمر في مسيرته الكفاحية بشكل متسارع لنقل الشعب الإيراني من عهد الثورة إلى عصر الدولة المؤسساتية الديمقراطية الحديثة بدستورها الإسلامي الذي أستند لتعاليم القرآن الكريم والسنة المحمدية الشريفة حتى وفاته رحمه الله لكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشعبها ومؤسساتها سرعان ما انتخبت رفيق دربه سماحة الإمام القائد على الخمنائي حفظه الله ليستكمل المسيرة على نفس الفكر والمنهج لتحقيق طموحات الشعب الإيراني الشقيق في التقدم والازدهار والمنعة كيف لا وأصبح تلاميذ المرحوم من أهم رجالات الجمهورية الإسلامية الإيرانية المتمسكين بنهج وفكر الامام القائد مفجر الثورة الاسلامية الايرانية .
لذلك ليس غريبا ولا مستغربا على حكومة مجرمي الحرب الصهاينة وشركائهم في الإدارة الأمريكية المتصهينة التوافق على المصالح الإستراتيجية في المنطقة والاختلاف حول الأولويات وخاصة بعد لقاءت المتكررة بين المجرم نتنياهو والرئيس الأمريكي أوباما في واشنطن بعدما تجاهل الحديث عن الدولة الفلسطينية وأكد على ضرورة مواجهة ما يسمى بالخطر الإيراني على الكيان الصهيوني المصطنع وأدواتهم من الأنظمة العربية المهرولة وضرورة الاهتمام بتشكيل حلف صهيوني عربي لقلب معادلة الصراع إلى صراع عربي إيراني لتفكيك قوى الصمود والممانعة والمقاومة كمقدمة لشطب وتصفية معادلة الصراع الوجودي العربي الصهيوني وحقوق الشعب الفلسطيني أولاُ وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس .
لذلك مهما تمادى مجرمي الحرب الصهاينة وشركائهم الأمريكان وأدواتهم من العملاء الصغار فإنهم مهزومين وخاصة بعدما تحطمت مشاريعهم ومخططاتهم الاستعمارية القديمة الجديدة على صخرة صمود المقاومة وفي مقدمتها ما يسمى النظام الشرق أوسطي الكبير و الجديد لا فرق تحت ضربات المقاومة الباسلة من سورية الى لبنان وفلسطين والعراق إلى اليمن .