الثورة والانقلاب في تداخلهما – عادل سمارة
أثبتت تجارب التاريخ أن الانقلاب مشروع حين يكون بهدف تحقيق الثورة ومن هنا مشروعية تداخل وتبادل الأدوار بين الحدثين. وفي هذه الحالة يكون الانقلاب ضرورة لأن أداة التنفيذ متوفرة بينما القاعدة الشعبية مؤيدة له ضمنا لا حراكا، إما خوف القمع أو لأن الطبقات الشعبية لم تعد لذاتها بعد بل لا تزال في ذاتها.
كانت تجربة مصر الناصرية هكذا، أي كان الانقلاب كمدخل لتحويل الحالة السياسية الاجتماعية الاقتصادية إلى حالة ثورية، وهذا ما حصل.
صحيح أن ليس كل انقلاب يحمل فاعلوه بذور الثورة بالمعنيين الوطني والطبقي. وصحيح أن انقلابات الدفاع عن مشروع كبير ليس شرطا أن تنجح لأن المشروع نفسه قد تهتك على يد حامليه كما كان في الاتحاد السوفيتي أو لأن حامليه تأخروا في التقاط الحدث وفهم خبث الثورة المضادة، ولذا فشل انقلاب الجنرالات السوفييت ضد يلتسين الذي كان نموذج التفريط بالوطن.
أليست هذه مفارقة هائلة:
· عجز الجماهير عن إدراك ما يقودها إليه النظام؛
· وبالتالي فشل انقلاب هدفه الحفاظ على الوطن.
لم يكن أداء الأنظمة في شرق أوروبا أداءً ثورياً، ولذا كان طبيعي أن تقوم ضد هذه الأنظمة انفعالات وانفجارات جماهيرية زُعم أنها ثورات وكانت نتيجتها غوصها في بطن راس المال وحلف الأطلسي. هنا، كان النظام متعفناً ولكن المجتمعات لم تكن قد خلقت بديلها الثوري. قطبان سلبيان يتنافران حقا.
لا يجادل حتى معسكر الثورة المضادة من التونسيين والخارج بأن تونس وصلت وجوب التغيير، أي حالة وصلت حدها، وهذا يعني أن التغيير مفتوح على عدة اتجاهات و أدوات.
لقد امتصت قوى الثورة المضادة جهد الجماهير على مدار عشر سنوت حيث هدفت إلى خصي محرك الحراك الشعبي لا سيما وأن أداة ثورية حقيقية لم تقم. بل كان هذا هو الهدف اي ان يتم الاجتثاث التدريجي لأنفاس التغيير وأدواته.
بل إن القوى التي زعمت انها البديل قد أثبتت هشاشتها واحتواءها على تناقض أدى إلى تفككها، كما حصل ل “الجبهة الشعبية”. وها هو محرك تفكيكها يقف ضد قرارات الرئيس التونسي، وكأن هذا الحزب مُصرٌ على أن يخدم الثورة المضادة باسم الثورة ودائماً.
لعلها مفارقة مدهشة أن يلتقي حزب الدين السياسي /النهضة وحزب العمال /اليسار على الصراخ للاحتكام للقانون والمحاكم والقضاء والدستور.
وبالطبع، إذا اردت تضييع أهم القضايا خذها إلى اجتهادات ومعايير ومقايسات القانون، وهناك تبقى النخبة/القشرة وتُدفن مصالح الجماهير.
كان الوضع الاقتصادي في تونس مثابة فشل معروض يوميا، ولكن فقط للفرجة وليس لأخذ العبرة والتغيير، ولذا كان كل رئيس للوزراء متحالف مع حزب الدين السياسي والطبقة المستفيدة من ذلك اي الكمبرادور والمرتبطة بتبعية تامة للسوق العالمية ولأنظمة قياداتها امريكا وفرنسا، اي ذاهبين بالبلد إلى الإفلاس التام وإلى تحويل تونس إلى منصة انطلاق قوى الدين السياسي مجددا في الوطن العربي لتتقاطع مع إرهاب الاستشراق الإرهابي في مشرق الوطن العربي.
ويبدو أن الرئيس التونسي التقط اللحظة مستفيدا من تجربة لبنان حيث يتمترس اللصوص في قمة السلطة ويتناكفون بالقانون بشكل مهين للشعب، ولعلها لعبة ممتعة ومأمونة.
ينتقد كثيرون قرار الرئيس ويرتكزون اكثر على تردد الأحزاب. ولكن، اليست الحزبية الرئيسية هي التي جرى اقتلاعها اي حزب النهضة؟ فهل هناك ثقلا حقيقيا لكثير من الأحزاب.
لقد وضع الرئيس الجميع امام تحديين اثنين:
· إما الجرأة على النصر
· أو التلوي في ردهات القوانين.
ويبدو من حراك الشارع أن الجماهير هي الأكثر وليس جمهور او اعضاء هذا الحزب أو ذاك.
لا نود اخذ الحدث فلسطينيا، ولكن قوى الدين السياسي المتحالفة مع قطر التي هي قاعدة امريكية بالتمام والكمال، وتتلقن من عزمي بشارة ولذا تصر على تمرير التطبيع، هذه عوامل تؤكد بأن هذا النظام يحتاج انقلابا أو ثورة لا فرق.
ما برنامج الرئيس والجماهير، هذا أمر مفتوح، بمعنى أننا مع التغيير، لأن الآتي لن يكون اسوا من الحالي.
لا ارضية لمزاعم ان ما حدث بتأثير خارجين ولكن أو ولذا يبقى السؤال: هل سيتم تدخل خارجي؟
حين يكون التغيير ضرورة ندعم قوى التغيير حتى دون التثبُّت من الكثير لديها.