الجاليات الفلسطينية في أوروبا – مقدمات وتقديرات – صبري حجير
كانت التقديرات تشير الى وصول عدد الجاليات الفلسطينية في أوروبا ، قبل الأزمة السورية ، الى ما يقارب الثلاثمئة وخمسين ألف فلسطيني ، جاؤوا الى القارة الأوروبية ، في أزمان متباعدة ، وأحجام متفاوتة ، واقطار مختلفة ، وكل حالة مأساوية حملت في طياتها موجة بشرية من الفلسطينيين الى أوروبا ، والتاريخ يشهد ؛ أن الفلسطيني لم يقتنع يوماً ، بالهجرة الى خارج فلسطين ، أو خارج نطاق دول الطوق العربية ، المحيطة بفلسطين ، لأن الوعي الوطني والقومي ، كان يفترض على المجتمع الفلسطيني اللاجئ ، التمسك بهوية العودة الى فلسطين ، والحفاظ على المخيمات الفلسطينية ، وإبقاء نبضها الوطني مستمراً .
رغم انسحاب المقاومة الفلسطينية من الأردن ، أعقاب مجازر أيلول 1970 ، لم يشد الفلسطينيون الراحل الى أوروبا ، الا النفر القليل ، رغم أن ابواب أوروبا كانت مشرّعةً لهم دون غيرهم ، والهدف من وراء ذلك معروف للجميع ! بل أن الفلسطينيين فضلوا الهجرة الى الحيز العربي ، في سورية ولبنان ، في اطار فصائل العمل الوطني الفلسطيني ، ومنظمة التحرير الفلسطينية .
في أعقاب الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 شهدت أوروبا هجرة محدودة من الفلسطينيين واللبنانيين ، على حدٍّ سواء .
ومنذ عام 1983 الى عام 1985 أي بعد انسحاب منظمة التحريرالفلسطينية من لبنان ، وتأثير حرب المخيمات فيما بعد ، شهدت أوروبا أيضاً هجرة واسعة من فلسطينيي لبنان الى أوروبا ، والدول الاسكندنافية وألمانيا .
وعلى أثر اتفاقية اوسلو ، تسربت موجة من كوادر منظمة التحرير الفلسطينية ، مع أهاليهم الى الدول الاسكندنافية ، بنسب قليلة .
وعلى الرغم من تلك الهجرات والتسريبات الفلسطينية ، التي وصلت أوروبا ، كان اللاجئون الفلسطينيون يتمسكون بمخيماتهم ويدافعون عنها ، كما تمسكوا بحقوقهم في المساعدات الأممية ، التي تقدمها وكالة الغوث الدولية ، باعتبار أنّ ذلك يحافظ على حق عودتهم الى فلسطين .
كان الصهاينة يدركون خطورة المخيمات الفلسطينية ، وأهميتها في ابقاء القضية الفلسطينية حاضرة ومتوهجة في مشاعر الفلسطينيين ، وفي العلاقات الدولية ، وتأثيرها أيضاً على ابقاء شعار حقّ العودة الى فلسطين ، والحفاظ عليه ونقله من جيل الى جيل ، باعتباره حق وطني وشرعي ، لا ينتهي بالتقادم
طبعاً .
ازدادت أعداد الفلسطينيين في أوروبا على أثر استمرار الأزمة في سورية ، منذ أكثر من سبع سنين ، لأنّ القوى الإرهابية ، والعصابات المرتبطة بالصهيونية ، استهدفت الفلسطينيين المقيمين في سورية ، عبر استهداف مخيماتهم ، وخاصة مخيم اليرموك ، أكبر المخيمات الفلسطينية في دول اللجوء والشتات .
ومن الأهمية أن نذكر ؛ انّ تدمير المخيمات الفلسطينية في سورية ، واحتلالها من قبل المجموعات الارهابية المرتبطة بالمخطط الصهيوني ، جعل الفلسطينيين في وضع مضطرب وبائس ، وباتوا في حالة مزرية وصعبة ، تفوق في صعوبتها مرحلة اللجوء عام 1948 .
بعدما أن تقطعت فيهم السبل ، اضطرالفلسطينيون أن يهاجرون الى أوروبا ، عبر الصحاري والبحار والحدود الدولية الشائكة !
لقد وصل الى أوروبا ، حوالي مائة وخمسون ألف فلسطيني من سورية ، التجأوا الى السويد وألمانيا والدول الأوروبية الأخرى ، مثل هولندا والنمسا والدنيمارك والنرويج ، وهذا الرقم مؤهل للزيادة مرّة أو مرتين ، في المستقبل القريب ، بفعل قانون لمّ الشمل .
وقد ترافقت هذه الموجة من المهاجرين القادمين من سورية ، بهجرة آلاف من الفلسطينيين القادمين من مخيمات لبنان .
وباعتبار أن عدد الجاليات في أوروبا كان حوالي 350 ألف فلسطيني ، يتمركز أغلبهم في ألمانيا والسويد والدول الأوروبية الأخرى ، ومع اضافة 300 ألف فلسطيني جديد ، بات من المقدر أن يصبح عدد الجالية الفلسطينية في أوروبا ما يقارب 600 الى 700 ألف فلسطيني ، أي أكثر من فلسطينيي سورية ، وأكثر من فلسطينيي لبنان ! وأمام هذه المتغيرات الديمغرافية ، تقف منظمة التحرير الفلسطينية ، بدوائرها اللمعطلة ، عاجزة عن إيجاد الصيغة القانونية والتنظيمية الملائمة لهؤلاء الفلسطينيين ، ما أتاح للفصائل والحركات الفلسطينية ، بإنشاء الاتحادات الجماهيرية العشوائية ، التي بقيت في إطار القيد الفصائلي !
والجدير ذكره أن الجالية الفلسطينية عندما تمتلك جنسيات أوروبية ، فإنها تمتلك الفاعلية والتأثير في اتجاهات الرأي العام الأوروبي ، لأنها تبقى جالية صاحبة قضية ، وتمتلك الوعي السياسي ، وتذخر بالفتية والشباب المتعلم والخبرات ، وسوف تكون مؤهلة للانخراط في نسيج المجتمع الأوروبي ، لذا فان تأثيرها السياسي والاعلامي والثقافي سوف يكون أفضل ، وأكثر فاعلية ، في تغيير اتجاهات الرأي العام ، في أوروبا ، لصالح القضية الفلسطينية ، إضافة الى أنها ، أي الجالية الفلسطينية ، تمتلك من الفعاليات واالكادرات والقيادات الجماهيرية ، ما يخولها أن تؤثر في الوضع الفلسطيني الداخلي ، بل داخل منظمة التحرير الفلسطينية . حين تأخذ مكانتها كحالة جماهيرية وطنية مؤثرة ، تمثل في الساحة الفلسطينية القوة الثالثة ، فوجودها في أوروبا ، يفترض استقلاليتها عن التبعيات الفصائلية ، ما يؤهلها
لامتلاك قوة التأثير في الاطار الأوروبي ، وامتلاك القوة الأخلاقية في مجابة الوضع الفلسطيني الداخلي
تبقى المسألة التنظيمية في المجتمع الجاليوي الجديد ، حيث تستطيع الجالية الفلسطينية ، بحكم المتاح الأوروبي ، وبحكم تراكم الخبرة للجاليات الفلسطينية ، عبر عشرات السنين ، أن تحقق ذاتها ، وتكفل لنشاطها النجاح ، وتبني سياجها التنظيمي الجاليوي، في السياق الوطني ، لتبقى تشكل خزاناً جماهيرياً ، يحمي ويصون القضية الوطنية الفلسطينية . لقد كان أحد أهم أهداف الجالية الفلسطينية في أوروبا ” النضال المتواصل من أجل تغيير اتجاهات الرأي الأوربي لصالح القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى ” أما الآن ، أي منذ وصول الموجات الجديدة من المهاجرين الفلسطينيين الى أوروبا ، أصبح الهدف الذي ينبغي أن تسعى اليه الجالية الفلسطينية القديمة والجديدة ؛ هو الحفاظ على الفلسطينين ، وإبقائهم في السياق الوطني ، كي لا تعصف فيهم التيارات المضللة والخبيثة .
صبري حجير . السويد .