الجزائر قلعتنا العربية الأخيرة
نضال حمد
لأنني أحب الجزائر حبي لفلسطين أسمح لنفسي أن أكتب هذه الكلمات:
(بالنسبة لي أكثر شيء مزعج فعلا في اجتماع مجلس وزراء الخارجية في الجامعة العربية الأخير كان موقف الجزائر، التي امتنعت عن التصويت. أقول هذا لأن الجزائر هي ما تبقى من دول قومية ووطنية عربية، فيها ريحة الرفض والثورة والكفاح. يمكن للجزائر أن تعوض غياب مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن في هذا الزمن الصعب، يعني عليها أن تقود شرفاء الأمة العربية الآن).
أنا وأسمح لنفسي أقول ومثلي كل الفلسطينيين نحب الجزائر كحب الجزائر لفلسطين. لأنها بلد الثورة والتضحيات والشهداء والمواقف الأصيلة والسند القوي للمقاومة العربية وبالذت للقضية الفلسطينية. بلد العنفوان والنضال والاحتضان لكل الثوريين والفدائيين والمقاومين للصهيونية وأعداء أمتنا العربية.
الثورة الجزائرية التي كانت موجودة في قلب وبيت وعقل كل عربي وعربية، عندما انتصرت وحققت الاستقلال والحرية، قاهرة الاستعمار الفرنسي المتوحش، وصانعة النصر المبين. لم تنسى الوقفات الشعبية العربية معها. فحافظت على الثورة ونهج الكفاح وتبنت القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطيينية ورفعت شعارها المعروف الذي أطلقه الرئيس الراحل هواري بومدين (مع فلسطين ظالمة أو مظلومة).
في اثناء حرب اكتوبر – تشرين 1973 طلبت مصر كميات أسلحة من السوفييت ولكن يبدو انهم تلكأوا في الموافقة بسبب عدم قدرة مصر على تسديد أثمانها. في ذلك الوقت علمت الجزائر بذلك فتوجه الرئيس بومدين للاتحاد السوفيتي قائلا: “هذا شيك مفتوح بسعر السلاح الذي تريده مصر”.
كانت الجزائر ملاذاً آمناً للثورة الفلسطينية ولمنظمة التحرير الفلسطينية ولكل الفصائل الفلسطينية كلما ضاق الخناق عليها وتصاعدت خلافاتها مع بعض الدول العربية. وتكرر عقد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر أكثر من مرة برعاية تامة من الجزائريين وبدون تدخل في الشؤون الفلسطينية إلا في قضايا حل الخلافات بين الفلسطينيين. وفي الجزائر توفي القائد الوطني النبيل والصادق، الفدائي طلعت يعقوب أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية في السابع عشر من تشرين الثاني 1988. وفي الجزائر احتضن الجزائريون قبل ذلك سنة 1982 المقاتلون الفلسطينيون الذين غادروا بيروت المحاصرة.
سنة 1982 عندما غادر مقاتلو الثورة الفلسطينية بيروت المحاصرة الى الدول العربية ومنها الجزائر، كنت لو غادرت يومها أود التوجه الى الجزائر لأنها عنت ولازالت تعني لي ولجيلي الكثير. لكنني رفضت المغادرة وبقيت في مخيمي صبرا وشاتيلا مع أهلي وشعبي، حيث يوم 17-9-19982 فقدت جزءا من جسدي في مواجهة الدبابات الصهيونية، وهو بالمناسبة ثاني أيام المجزرة التي ستحل ذكراها بعد أيام. واستشهد بعض أصدقائي ورفاقي وهم يدافعون رغم قلة عددهم عن المخيمين وعن الفاكاهني وبيروت.
في هذه الأيام العصيبة التي تمر بها القضية الفلسطينية والأمة العربية ومع تدمير وتخريبب وتحييد الدول العربية القومية كلها (مصر، ليبيا، العراق، سوريا واليمن…) باستثناء الجزائر التي نتمنى لها دوام العزة والسيادة والحصانة والمناعة. لم يعد هناك في الساحة العربية دول يمكنها احتضان المقاومة العربية سوى الجزائر، كدولة يمكنها قيادة شرفاء وأحرار ومقاومي الأمة العربية متحالفة مع ايران وسوريا والمقاومات العربية في لبنان وفلسطين واليمن ومع من تبقى من العرب الشرفاء.
نتمى أن تكون الجزائر قادرة على الاطلاع بهذا الدور في هذه المرحلة الخطيرة، حيث محميات الخليج ومشيخات شبه الجزيرة العربية بدأت تنسق علناً مع نتنياهو. وانتقلت من مرحلة اللعب تحت الطاولة الى مرحلة توقيع الاتفاقيات والتحالفات العلنية مع العدو الصهيوني والتآمر العلني والوقح على القضية الفلسطينيية.
لكن ما يحيرني منذ أيام قليلة هو الموقف الجزائري الغريب حتى عن الجزائر نفسها، الموقف الذي التزم الصمت وامتنع عن التصويت في اجتماع وزراء الخارجية العرب مؤخراً ضد اتفاقية الامارات مع الكيان الصهيوني. آمل أن لا تكون وأن لا تصبح هذه السياسة نهجاً للتعامل الجزائري مع أقدس القضايا العربية. لأننا بذلك نكون خسرنا الجزائر وتكون الجزائر خسرت سيمتها المميزة بين كل العرب.
نضال حمد 14-9-2020