الحاجة أم محمد اليوسف – إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
الحاجة أم محمد اليوسف – زهيا أسعد حمد –
في الثالث عشر من شهر كانون الثاني سنة 2015 انتقلت إلى رحمة الله المغفور لها الحاجة أم محمد اليوسف (زهيا حمد) عن عمر ربما تجاوز التسعين عاماً، قضتها كلها ما بين الصفصاف (قبل النكبة) ومخيم عين الحلوة بعد النكبة.
حتى وقت وفاتها كان قريبتنا وجارتنا وحبيبتنا أم محمد من أكبر معمرات ومعمري بلدة الصفصاف الفلسطينية المحتلة. فهي من الجيل الذي خرج شاباً من البلدة وقت النكبة. أي من الجيل الذي لجأ الى لبنان وهو يحمل أطفاله الصغار كي يحميهم من الوحوش الصهيونية، التي كانت تحرق الأخضر واليابس في بلداتهم، والتي كانت تقتل وتدمر وترتكب المجازر بحق الرجال والنساء والشيوخ والأطفال. يعني هي من الجيل الذي حول المستحيل الى ممكن.
عقب النكبة والمجزرة في بلدتها الصفصاف وصلت الحاجة أم محمد كما كل عائلتها وأهل بلدتها الى بنت جبيل وقراها. وصلت الى التيه والتشرد وهي تحمل أطفالها، الذي كبروا فيما بعد، في المخيمات وأصبحوا معلمين ومهندسين وأطباء بعضهم من الناشطين السياسيين لأجل فلسطين كل فلسطين.
في المخيم عاشت حتى ماتت… ولكنها بقيت طوال حياتها تحلم بالعودة الى بيت العائلة في الصفصاف تحت سفح جبل الجرمق، فروحها بقيت هناك ودمعاتها السخية لم تتوقف منذ النكبة حتى الوفاة. كانت تدمع للصفصاف وتندبها وتبكيها.
كانت الحاجة زهيا أسعد حمد – أم محمد اليوسف- تعتبر حتى وفاتها ذاكرة للصفصاف وللنكبة الفلسطينية، ذاكرة لعائلة حمد ولبلدة الصفصاف ولعائلة زوجها العم المرحوم يوسف اليوسف الذي كان يلقب بيوسف السمرة. كما هي والدة الأستاذ الراحل محمد يوسف اليوسف – أبو حسان – حبيب الطلبة في مدرسة حطين بالمخيم. كان نجلها البكر محمد بالفعل حبيباً لكل من عرفه. جمع طيبة والدته وحنانها مع بساطة وفكاهة والده ومزجهما مع وعيه وثقافته وعلمه وشجاعته ومحبته للناس. أما ابنها الآخر فهو المهندس صلاح اليوسف “أبو فريد” ولها ابن أصغر كان اسمه “أحمد اليوسف” توفي قبل سنوات في مخيم عين الحلوة. كما لها الدكتور جمال اليوسف المقيم في مدينة فارنا في بلغاريا… ولها ايضاً عدد من البنات.
هي شقيقة العم أبو أحمد حمد أي “أبو علي عليوة” الأشهر من نار على علم في حارتنا وبلدتنا. كما هي عمة الشهيد الضابط عدنان حمد الذي استشهد سنة 1966. في الختام هي ابنة عم والدي المرحوم أبو جمال حمد. كما يمكن القول أنها كانت أماً لكل الحارة، أحبها واحترمها الجميع، على الأقل هذا ما حفظته ذاكرتي عنها بعد كل هذه السنين في الشتات والمنافي العالمية.
كانت العمة زهيا أسعد حمد، نعم القرابة والجارة ونعم الأم والمرأة الفلسطينية الصابرة الصامدة، التي ربت أبناءها على حب فلسطين. ربتهم على حب الناس والكرم والنخوة والعطاء والفداء. لا أذكر في يوم من الأيام أنها تمشكلت مع أي من الجيران، فقد قضت عمرها مسالمة وتغض النظر عن مساوئ ومشاكل وأذى الآخرين. فعلت ذلك لأنها كانت امرأة طيبة وتحب الجيران والجوار الحسن، وكانت تحترم صلة القرابة والوصل وأهل بلدتها وكل جيرانها من كل البلدات.
أتذكرها دائما ومنذ طفولتي إمراة طيبة وناصحة وكانت تهدي علينا نحن الأطفال. أذكرها حنونة وسريعة البكاء، تذرف الدمع وتهكل هم الآخرين وتحزن لحزنهم وتفرح لفرحهم. كانت سيدة ممشوقة القامة، مبتسمة الوجه وطيبة القلب.
أذكرها جيداً منذ طفولتي حتى مطلع شبابي، فقد كانت تربطني صداقة طفولية بالإضافة لصلة القرابة التي جمعتني مع ابنها الدكتور جمال اليوسف، وهو من أبناء جيلي في الحارة وفي المدرسة. فنحن أيضاً جيران وكنا نلهو معاً وندرس معاً ونقضي الكثير من أوقاتنا كطفلين معاً.
علمت أنها في ذلك اليوم الكانوني 13-1-2015 رحلت عن عالمنا الى جنان الله إن شاء الله. على فكرة بعض الأوروبيين يتشاءمون من تاريخ 13 من كل شهر. أما نحن العرب الفلسطينيين فلدينا تواريخ كثيرة وعديدة ترمز للشؤم ومنها تاريخ 13 أيضا، الذي يصادف ذكرى توقيع اتفاقية أوسلو المشؤومة في 13 أيلول 1993. وقبله كان لدينا تاريخ 13 نيسان 1975 يوم مجزرة بوسطة عين الرمانة وبداية الحرب الفاشية الكتائبية على الفلسطينيين في لبنان.
أم محمد اليوسف، العمة “زهيا حمد” غادرت عالمنا بعد عناء مع المرض. فنعيتها في ذلك اليوم بإسمي وبإسم موقع الصفصاف، وتقدمت بأحر التعازي من أبناءها وبناتها وأحفادها وحفيداتها، كذلك من عموم آل حمد وآل اليوسف وأهالي بلدة الصفصاف. أسأل الله تعالى أن يتغمدها بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته.
وداعا أم محمد أيتها الصالحة الفاضلة فقد قضيت العمر صابرة وصامدة ومحتسبة.
نضال حمد
– كتبت في أوسلو -01- 2015 وتم التعديل في التاسع من كانون الثاني 2022