الحاجة زهيا طالب حمد 1905 – 1987 – نضال حمد
أم أيوب الفلسطينية هي الحاجة زهيا طالب حمد وهي العمة الأمية، التي لم تدخل مدرسة ولم تعرف فك الحرف ولا القراءة والكتابة، التي كانت بلا معيل، والتي عاشت حياتها متنقلة بين مخيمات الفلسطينيين في لبنان من عين الحلوة الى شاتيلا وبرج البراجنة. قضت معظم فترات عمرها في مخيم شاتيلا. كانت تعيش في بيت متواضع مع إبن زوجها وعائلته وأولادهم، فقد أحبوها كوالدة وكذلك كجدة. كما كانت تقضي الوقت في مخيم شاتيلا متنقلة بين منزلي أبناء وبنات أعمامها المرحومان أبو حسين حمد وأبو اسماعيل حمد والمرحومتان علياء العبد حمد وندى محمد حمد. كانت محبوبة من جميع هؤلاء وذريتهم.
امتازت الحاجة رحمها الله بأناقتها حيث كانت تعتني كثيرا بنظافة وجمال ملابسها. كذلك بحسن مظهرها ومنديلها الناصع البياض. ووجهها المشع والمنير وبسمتها الدائمة كما حديثها العذب. بقيت محافظة على عاداتها ومظهرها ولباسها واناقتها حتى آخر سنوات حياتها حين توفيت بسبب كبر سنها وفاة طبيعية سنة 1987. تعذر إقامة جنازة مناسبة لها بحضور ومشاركة آل حمد من مخيمات لبنان وسوريا، وذلك بسبب حرب وحصار المخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا في ذلك الوقت.
الحاجة زهيا طالب حمد من مواليد 1905 في الصفصاف في فلسطين المحتلة. كما كانت الابنة البكر لوالديها المرحومين طالب حمد وبدرة حمد. شقيقاها العمان الراحلان الأستاذ أبو طالب حمد الذي كان مختاراً للصفصاف لبعض الوقت في سنوات ما قبل النكبة، كما كان أيضاً معلماً في مدرسة الصفصاف. وشقيقه المرحوم أبو عفيف حمد الذي كان يعيش مع عائلته في مخيم برج البراجنة قبل انتقاله بسبب حرب المخيمات الى صيدا للعيش هناك في منطقة سيروب حتى وفاته. وجدير بالذكر أن العم أبو عفيف فقد إبنين من أبنائه في الدفاع عن مخيم برج البراجنة بوجه أعداء الوجود الفلسطيني في لبنان. الشهيدان هما محمد استشهد سنة 1973. وعبد اللطيف استشهد سنة 1985.
لم تنجب الحاجة زهيا أطفالاً لذا كانت تعتبر أبن زوجها هو إبنها وأولاده هم أحفادها فكما سبق لي وقلت أحبوها وأحبتهم. وبسبب عدم الانجاب أو ربما نسبة لاسم زوجها أبو أيوب تمت تسميتها أم أيوب. وهي بالفعل كانت امرأة صبورة وصمدت بوجه كل الصعاب والمحن والنكبات منذ النكبة وحتى وفاتها.
كانت امرأة لطيفة وكلامها فلسطيني بلدي، جليلي وممتع. كأنها تسجع حين تتكلم. فقد كانت الحاجة حماسية جداً في حديثها. في هذا الصدد تقول بنت العم نهاد حمد التي عرفت الحاجة وعاشت بالقرب منها في مخيم شاتيلا أن الحاجة زهيا :” كانت تحكي لنا القصص عن فلسطين وعن أهل الصفصاف وعن أقاربها وعن كيفية الدفاع عن بلدة الصفصاف من قبل أقاربها وأبناء عموميتها”.
جدير بالذكر أن عائلة حمد الصفصافية كما عائلات الصفصاف كلها قدمت مجموعة من الشهداء في الدفاع عن بلدة الصفصاف وفي المجزرة بعد سقوطها سنة 1948، حيث حصلت المجزرة يوم 28-10-1948. كما كانت العائلة في ثورة 1936 شاركت بمجاهدين من العائلة، وبقي منهم آخرين يناضلون، ففي 15 آب 1938 استشهد اثنان منهم هما الشهيدان أحمد علي حمد -أبو صوله وعلي محمد حمد. استشهدا عندما استهدفهما الطيران الحربي البريطاني في وادي الفطير قرب قرية دير حنا معهم استشهد اخوة اخرين وكذلك خالد عبدالله حسين يونس من الصفصاف ومن بلدات جليلية أخرى. تخليداً للشهداء الذين سقطوا في الغارة البريطانية أقام لهم أهالي دير حنا نصباً تذكارياً في نفس مكان استشهادهم ودفنهم.
تقول بنت العم نهاد جميل حمد: ” كانت العمة زهيا تتفاخر وتقول لم نترك بلدتنا الصفصاف و دافعنا عنها وقدمنا الشهداء للحفاظ على الأرض”. كما كانت تقول:” لم نترك البلد إلا بعد أن ضاقت بنا السبل… ولانعدام مقومات العيش وخصوصا بعد أن وضع الصهاينة جثث الشهداء الذي أعدموهم في بئر الماء، الذي كان يشرب منه أهل البلدة”. وأضافت: ” إن آخر دفعة من الأهالي خرجت من البلدة بعد أسبوعين من حصول المجزرة، أي بعد ما أصابهم الجوع و العطش.”. كذلك روت الحاجة زهيا لأطفال العائلة تفاصيل حصول المجزرة”. كلام الحاجة زهيا يتطابق مع معظم الشهادات التي سمعتها من الشهود العيان من أهل البلدة والعائلة الذين بقيوا على قيد الحياة بعد سقوط الصفصاف.
تلك العمة الراحلة امتلكت وعياً وطنياً كبيراً وقومياً عالياً فكانت تواقة للعودة الى بلدتها الصفصاف في الجليل الفلسطيني المحتل، أثلج قلبها انطلاق العمل الفدائي الفلسطيني لأجل التحرير الكامل والعودة. فسارعت مع انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالتبرع بليرة ذهب للجبهة كمساهمة منها في رفد ودعم العمل الفدائي المقاوم. فعلت ذلك وهي المرأة التي لا معيل لها، فعلت ذلك ايماناً منها بأن حرب الشعب الطويلة الأمد والعمل المقاوم والكفاح المسلح هم الطريق الوحيد في سبيل العودة الى الوطن المحتل وتحرير كامل تراب فلسطين.
يا عمتي زهيا!
الحمدلله أنك توفيت قبل أن ترين المشهد الفلسطيني هذه الأيام، فهو مشهد لا يسر صديق ولا حبيب، مشهد مخزي ومكلل بالعار الذي ركبنا منذ استولى لصوص الوطن والمنفى على منظمة التحرير الفلسطينية، ثم اغتصبوا القرار الفلسطيني المستقل، الذي دفعت مخيماتنا في لبنان أثماناً باهضة لأجل حمايته وصيانته، وكنت أنت نفسك عشت آخر أيام حياتك اثناء حرب المخيمات في لبنان. إن قرطي الحلق اللذان يساويان ليرة ذهب وكنت تبرعتِ بهما للفدائيين لم يذهبا هدراً. لكن لصوص الوطن والمنفى والمخيم والثورة ذهبوا بنا وبالقضية الى الحضيض، باعوا القضية والقرار واللاجئين والمخيمات. وسلموا بكل ما أراده أعداء فلسطين، أعداء الحياة.
رحمك الله والمجد لروحك ولأرواح كل الشهداء والعهد هو العهد يا حجة زهيا، فلا بديل عن تحرير كامل تراب فلسطين.
نضال حمد في 04-4-2021