الحراك الأجتماعي الإيراني بين المشروعية والآفاق – د.عامر صالح
اندلعت الاحتجاجات الشعبية الايرانية في اكثر من عشرة مدن وقد خلفت ورائها لحد الآن اكثر من عشرين قتيل ومئات الجرحى و450 معتقلا سيحالون للمحاكم لأصدار الاحكام بحقهم. مما لاشك فيه ان الاحتقانات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بلغت مدايات واسعة بفعل الازمة الاقتصادية العامة الناتجة من الحصار الخارجي الى جانب السياسات الاقتصادية الداخلية التي يشكل اقتصاد البازار سمة طافحة لها, والذي انعكس بشكل جلي على تدني اشباع المطالب الاساسية اليومية, الى جانب التضييق على الحريات الشخصية والسياسية التي يعاني منها المجتمع الإيراني والناتجة من طبيعة النظام الاثيوقراطي المتشبث بخطاب ديني يضفي على السياسة بعدا دينيا تقهقريا متخلف عنن ظروف الحياة المعاصرة ومتطلباتها المادية والروحية, ورغم ان القياس نسبي هنا, فالكثير من بلدان الاقليم العربي والاسلامي أشد وطأ في ظلمها ورجعيتها واستبدادها واضطهادها من النظام الإيراني, بل هامش الحرية في الشارع الإيراني أوسع بكثير من الكثير من الدول الخليجية, والتي يقف البعض منها محرضا الشارع الإيراني ويدعوه الى الخلاص من نظام الملالي, وهم يفترض ان يوجهوا حرابهم الى صدور انظمتهم قبل توجيها الى النظام الإيراني.
ان الحراك الاجتماعي الشعبي الإيراني يستمد شرعيته من عوامل داخلية موضوعية بحتة تعكس أزمة النظام في مختلف ابعادها, ومطالب الحراك واضحة في تحسين ظروف العيش والنأي عن الصراعات الاقليمية وعدم التدخل في شؤون البلدان الداخلية المجاورة وغيرها, ولكن ليست من المستغرب في خضم الصراع الاقليمي الذي شكلت ايران احد اقطابه, ان تقوم الاطراف الاخرى والسعودية منها بشكل خاص الى جانب بعض من البلدان الخليجية بمحاولات لحرف مسار الاحداث وتوجيهها بما يفضي الى الانتقام ليست من النظام الإيراني بحكم العداء المستديم له, ولكن من الشعب الايراني وعلى شاكلة ما جرى لبلدان ” الخريف العربي ” حيث عم الخراب في ليبيا وسوريا واليمن وجزئيا في مصر والعراق, وجرى الانتقام من الشعوب وليست الحكام.
ومن هنا تجري محاولة حرف اهداف ومسار الحركة الاحتجاجية السلمية والمشروعة تمهيدا الى خلق مقدمات لنهج تخريبي يستهدف مؤسسات الدولة وتدمير البنية التحتية الايرانية وخلق الفوضى وبالتالي حرف مسارات الاحداث لخلق بيئة مؤاتية ينتعش فيها الارهاب المدمر كبديل عن الحراك الاجتماعي السلمي.
أن الأمن الاقليمي والهش بطبيعة اقطابه والناتج من الصراعات الطائفية السياسية والاثنية يدخل الآن في مراحله الأشد خطورة من خلال تدخل دول المنطقة في الشأن الإيراني, وان الاجندة الخارجية ذات الصبغة الطائفية السياسية ستصب النار على الزيت لبلوغ الصراع ذروته المدمرة والغير متوقعة. كما ان الموقف الامريكي الداعم شكليا لمطالب الحركة الاحتجاجية الإيرانية يعكس محورية التحالف مع السعودية, وكان من الافضل والاجدر ان تنفذ امريكا ترامب قانون ” جاستا ” الخاص بالارهاب والذي وضع السعودية وقطر والامارات تحت المسائلة والعقاب الصارم ولتوفير ظروف موضوعية افضل للتغير الشامل في المنطقة, إلا ان صفقة ال 500 مليار دولار التي جنتها امريكا من السعودية والخليج بساعات أعمت بصيرة ترامب ودفعته الى تبني مواقف تغذي الصراع الاقليمي بل وتغذي الارهاب في المنطقة.
ويبقى الحراك الاجتماعي الإيراني مشروعا ومشروطا باهدافه المعلنة لحد الآن وبقواه الداخلية المحركة له وقدراتها الذاتية على خلق حالة من التوازن المطلوب لأحداث التغير الجذري في طبيعة النظام الايراني بما يستجيب للمطالب الشعبية العادلة وبعيدا عن الاجندة الخارجية التي تتربص للحراك الاجتاعي لحرف اهدافه الحقيقية لتنفيذ اهداف الشعب الايراني في الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي.
وفي الختام نقول ان في علم الثورة هناك عاملين اساسسين لأحداث التغير السياسي, اولهما موضوعي ازمة اقتصادية وسياسية خانقة لا يستطيع النظام القديم التكيف معها او الاستمرار على طبيعته في الحكم, وهناك عامل ذاتي تجسده القوى الجديدة الناهضة التي تقود التغير ومدى تنظيمها ووعيها وانضباطها وقدراتها الذاتية لقيادة نضالها والاستمرار فيه, والعلاقة المترابطة بين ما هو ذاتي وموضوعي هي التي ستحسم الاحداث والى اي وجهة تسير, ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن !!!.
والتاريخ القريب يحدثنا عن فواجع, فقد جاء النظام الاسلامي الإيراني على خلفية ثورة شعبية ضد نظام الشاه ولم تكن القوى المحركة للثورة اسلامية, بل كان اليسار الاجتماعي قدره غير قليل فيها, وكذلك في العراق وبعد سقوط نظام صدام وبفعل تأخر نضوج العوامل الذاتية وتخلفها عن قيادة التغير فقد اخلت المقاعد الامامية للاسلام السياسي ليتصدر المشهد بديمقراطية عرجاء, وكذلك بلاد ” الخريف العربي ” حيث اختفى تأثير القوى ذات المصلحة الحقيقة في التغير عن المشهد السياسي ليحل الخراب والدمار والموت والفتاوى, ويصح هنا مأثور القول لجيفارا ” الثورة يخطط لها الأذكياء وينفذها الشجعان ويقطف ثمارها الجبناء ” ولكن حكمة التاريخ تقول ان الحكام زائلون مهما بلغوا والشعوب باقية !!!.