الحلقة الثانية من فلسطينيي أوروبا واتحاداتهم ومبادراتهم – نضال حمد
الحلقة الثانية من فلسطينيي أوروبا واتحاداتهم ومبادراتهم – نضال حمد
عندما كتبت الحلقة الأولى من مقالتي وهي مقالة تتألف من حلقتين تحدثت فيها عن المبادرات والاتحادات الفلسطينية الموجودة في ساحة العمل الأوروبي الفلسطيني وكيفية الوصول الى قواسم مشتركة فيما يخص العمل. بعض العمل المشترك ولا أقول كله لأنه من المستحيل تحقيق وحدة فلسطينية وطنية جاليوية مثلما هو مستحيل الآن تحقيق وحدة وطنية فلسطينية فصائلية وشعبية.
أعلم علم اليقين أن أي عمل لا تستطيع السفارات السلطوية وجماعاتها وكذلك الفصائل بشكل متفاوت، السيطرة عليه سيواجه مشاكل كثيرة. لكنهم ليسوا بوضع يسمح لهم بتحقيق السيطرة لأنهم برأيي أضعف الفرقاء في الساحة وهم أكثر الناس انقساما على أنفسهم بسسب صراع المناصب والمكاسب. ولا أريد أن أكون صادماً جداً لكني سأقولها علانيةً وبصوتٍ عالٍ ” فلسطين أصبحت آخر همهم”.
هناك جزء مهم من شعبنا في أوروبا والشتات الغربي اختار طريق العمل الجاليوي، الغالي الثمن، وفاءا للشهداء، وانتماءا لفلسطين الكاملة، وصيانة للقضية الوطنية، التي أصبحت في خطر شديد ورهن التصفية اليومية.
هؤلاء النشطاء والنشيطات اختاروا-اخترن طريقهم-ن هذا المليء بالمواجهات والتحديات بارادتهم-ن ونتيجة حرصهم-ن على فلسطينهم-ن وقضيتهم-ن. فمنذ زمن طويل إلتقوا وألتقين وعملوا وعملن في هيئات وجاليات وجمعيات ومراكز ومؤسسات وتجمعات وتسميات عديدة. عملوا وعملن على تعزيز التجربة وصيانتها ومن أجل ديمومتها. بالطبع واجهتهم-ن شتى أنواع وأشكال المشاكل والعوائق والصعاب والتحديات. منهم-ن من استمروا ومنهم-ن من تراجعوا-تراجعن ومنهم-ن من التزموا-إلتزمن منازلهم-ن وابتعدوا وأبتعدن عن العمل. ومنهم-ن من لازالوا ولازلن ممسكين وممسكات بجمر العمل غير آبهين وآبهات بكل ما ذكرناه من عوائق. ومنهم-ن من اختاروا وأخترن الخروج من العمل المشترك في اتحاد كان تأسيسه من أجل ضم الجميع في بوتقة عمل وطني جاليوي واحد شعاره الفلسطينيون في أوروبا والرقيّ بهم وتنشيطهم وتفعليهم، من خلال التمسك بحق العودة وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطيينية على أسس ثوابتها الوطنية وميثاقها الوطني الذي شُطبت أهم بنوده الأساسية إرضاءا للصهاينة وللإدراة الأمريكية وللدول المانحة. مما أفقد المنظمة شرط وجودها وتمثيلها لشعب فلسطين.
في ذلك الوقت طرحت البالونات الاختبارية والتجارب المبادراتية للتخلي عن حق العودة وعن اللاجئين وعن قضايا كثيرة أخرى. فبعد توقيع اتفاقيات اوسلو وتنازل قيادة المنظمة عن أهم ثوابت شعب فلسطين، كان لزاماً علينا التحرك لإعلاء صوت الفلسطينيين، وللتأكيد أن فلسطين هي بالنسبة لنا كل فلسطين من إم الرشراش حتى الناقورة… وأن تفاهمات عباس – بيلين وعباس سريد ثم تفاهمات عبد ربه – بيلين. وتخليهم فيها عن حق العودة يجب أن تسقط. ويجب أن تواجه برفض شعبي فلسطيني وبعمل موحد يسقطها ويسقط رموزها من الفلسطينيين المتنازلين.
اجتمعنا على ما أذكر نهاية سنة 2004 أو 2005 وتفاهمنا على برنامج عمل ولجنة تنسيق وخرجنا ببيان مشترك كنت شخصياً واحداً من الذين أعدوه وكتبوه. لكن في بداية العمل وخلاله وبعد سنوات واجهتنا صعاب كثيرة حتى داخل الاتحاد – اتحادنا – الذي عملنا على تأسيسه بجدية وبتضحيات ونكران ذات.
للأمانة شارك في اللقاء المذكور تقريبا غالبية العاملين والفاعلين وممثلي المؤسسات في الساحة الأوروبية من الفلسطينيين، فصائليين وغير فصائليين. كل ألوان الطيف الفلسطيني الفصائلي كانت مشاركة سواء “وطنية أو اسلامية” حسب هذا التوصيف العجيب والتصنيف الغريب. استمر العمل لعدة سنوات ثم عقدت مؤتمرات كثيرة للاتحاد أسفرت فيما بعد عن انشقاقات وانسحابات كلها كانت لأسباب سياسية وفصائلية أو لأسباب تتعلق بطريقة العمل والتنظيم داخل أطر الاتحاد، الذي عاني من تصرفات فردية ولا وضوح في الموقف السياسي والعلاقات السياسية والمؤسساتية. بهذه المناسبة أقر بأن الجميع يتحمل المسؤولية وأنا منهم كواحد من قادة الاتحاد. لكن عند التقييم والمراجعة يجب أن يرى المُقَيِّم والمُراجِع كل الكأس لا نصفها، حتى يكون عادلا في تقييمه ومراجعته.
في نهاية المطاف وصلنا الى مؤتمر برلين الذي انبثقت عنه الأمانة العامة الحالية لاتحاد الجاليات والمؤسسات الفلسطينية في أوروبا وكنت شخصيا عريف المؤتمر وعضوا سابقا في الأمانة العامة، تخليت عن مقعدي بمحض إرادتي ورفضت الترشح. لقد إرتأيت أنني بحاجة لراحة وأن العمل بحاجة لوجود وجوه شابة ترفده بدماء جديدة وتعمل سوية مع من سيبقى من العهد القديم في الأمانة العامة. لست نادما على ذلك، فخروجي من القيادة لم يعنِ أبدا خروجي من صفوف الاتحاد، فقد بقيت ولازلت ملتزما كأي عضو آخر في صفوفه، أفعل ما يرفد الاتحاد ويعزز مكانته ويطوره. أقول هذا بالرغم من مروري في مراحل معينة بحالة سأم من الوضع العام ومن ضمنه وضع الاتحاد. فكل انسان يمر بمثل تلك الظروف فإما تقضي عليه أو تزيده إصرارا على مواصلة العمل. وأنا اخترت المواصلة. لذا يعنيني أي شيء يخص الاتحاد ويؤلمني أي استهداف له من الذين “لا يعجبهم العجب ولا الصيام برجب” كما يقول مثلنا الشعبي. فيما أقدر عاليا كل نقد بناء للاتحاد وأمانته العامة. فتقبل النقد هو سلاح الأقوياء والواثقين من أنفسهم والقانعين بعملهم والقابلين بتحمل المسؤولية ومواجهة النقد والعمل بشعار النقد والنقد الذاتي.
تأسس الاتحاد وضم في صفوفه مستقلين فلسطينيين ونشطاء غير تابعين لأي فصيل فلسطيني. كما ضم نشطاء تابعين لفصائل فلسطينية. وأنا هنا أريد التأكيد أن الانتماء لأي فصيل فلسطيني ليس تهمة. فهذه الفصائل هي التي فجرت ثورة اللاجئين الفلسطينيين وشعب فلسطين وهي التي قدمت تضحيات جمة لأجل القضية. فالفصائل لها ما لها وعليها ما عليها إيجاباً وسلباً. كثيرون منا كانوا ينتمون لفصائل فلسطينية وبعضنا لازال منتميا وهذا ليس عيباً. فالفصائل الفلسطينية موجودة بين الفلسطينيين ولها أنصارها ونشطاءها وأعضاءها المنتشرين في كل أوروبا ولا أحد يمكنه نكران ذلك. لذا من الأفضل للجميع أن يكون هؤلاء جزءا من أي عمل فلسطيني جامع وموحد. خاصة اذا ما اقتنعنا أن هناك الكثير من الكوادر المجربة والعالمة والعارفة بأوروبا وأنظمتها وقوانينها وطرق وسبل العمل فيها. ومن المفيد اذا كانت النيّة صافية والعمل جماعي ووطني ومحترم أن نعمل على أن يكونوا بيننا ومعنا. شرط أن لا يُملوا علينا ما تُمليه عليهم فصائلهم. نعمل ضمن إطار اتحاد الجاليات والمؤسسات الفلسطينية في أوروبا وبما يخدم القضية الوطنية والجالية الفلسطينية.
أينما وليتم-ن وجوهكم-ن ستجدون وتجدن الكثيرون والكثيرات من أصحاب الطاقات والمكانة المحترمة في أوروبا والشتات. وهم وهن لا ينتمون ولا ينتمين لفصائل ويريدون ويردن العمل. هؤلاء أيضا واجبنا استقطابهم-ن والعمل معهم-ن.
هكذا أفهم أنا شخصيا طريقة العمل، أن نجد تفاهما وطنيا لا يمس بثوابت شعبنا وقضيتنا. وأن نجد المكان المناسب للشخص المناسب، كل في مجال ابداعه وعمله. فبالاحترام المتبادل والتفاهم والالتقاء على القواسم المشتركة، لربما نستطيع أن نتطور وننهض ونستمر وننتج شيئا ذو قيمة.
أما بخصوص بعض من يدعون أن الاتحاد ومؤسساته لم تفعل شيئا وهذا مضحك ومحزن بالنسبة لي شخصيا فأنا أعمل في هذا المجال منذ أكثر من عشرين عاماً. وإن قمت الآن بتعداد ما فعلناه أنا ومن كنت أمثلهم من مؤسسات أو جالية أو الخ ربما لا تتسع هذه الصفحات لسرد كل ذلك من نشاطات ومحاضرات وندوات وتظاهرات وجمع تبرعات وتبني أسر شهداء وأسرى وجرحى وفقراء، ومساعدات ومعارض وعروض ثقافية وفنية ومسرحية واستضافة شخصيات سياسية وثقافية وفنية وأدبية واجتماعية ودينية وشبابية واصدار نشرات وكتابة مقالات واجراء مقابلات بعدة لغات، وإصدار ونشر كتب والخ. وتنسيق عمل مشترك ودور هام في اطار لجان التضامن النرويجية والأوروبية مع الشعب الفلسطيني. ولقاءات رسمية منتظمة مع وزارء ووزارات وبرلمانيين وحتى رؤساء وزراء في النرويج، ووجود في الأحزاب والنقابات… صدقوني التعداد لن ينفع لكنني رأيت أن من واجبي تذكير الذين يذمون بنا فربما هم مستجدون وحديثي العهد بالعمل الجاليوي. لأن من يريد انتقاد الآخرين عليه تقديم كشف حساب بما فعل هو نفسه.
أنا مثلا أعرف ماذا يفعل بعض قادة الاتحاد ومؤسساتهم العريقة في دولهم، وماذا قدموا لشعبهم ولمؤسساته وأقدر ذلك وأحترمه كثيراً. على كل حال أترك الحديث عن ذلك لمن يرغب الحديث عن هذا الأمر من المعنيين.
من ناحيتي كل ما أقوم به من نشاطات أينما كان حتى في لبنان وسوريا أثناء توقيع كتبي ومؤلفاتي ومشاركاتي في الفضائيات والتلفزيونات والخ أشرك به اتحادنا. أفعل ذلك لأنني جزء من الاتحاد ولأنني أؤمن بأن نشاط الاتحاد يتمركز حول نشاطات المؤسسات والجاليات والجمعيات والفعاليات والشخصيات المنضوية في إطاره. وبالمناسبة هكذا كُنا نفعل منذ ولادة وتأسيس هذا الاتحاد بشكل رسمي قبل سنوات كثيرة.
ختاماً:
كلكم-ن أو غالبيتكم-ن تعلمون وتعلمن بذلك لأنكم-ن جزء من هذا العمل الوطني الكبير والشامل. برأيي أن المشاركة والمساهمة في العمل الوطني الصادق لا تحتاج لدعوة ولا لرسالة من أحد، لا مني ولا من غيري من الناس. من يريد العمل لأجل فلسطين فالساحة تتسع للجميع والاتحاد يفتح أبوابه أمام الجميع. أما من لا يتفق مع الاتحاد وقيادته ولا يعجبه الاتحاد ولا توجهاته ولا إسلوب عمله، عليه تحديد موقفه من الاتحاد داخل أطر الاتحاد وليس خارجها. وفي أسوأ الأحوال إذا ارتأى أنه لم يعد مقتنعا بالاتحاد فليتركه. فالعمل يجب أن يكون لأجل فلسطين ورسالتنا كانت ولازالت لأجل فلسطين. فمن يعجبه ذلك أهلا وسهلا ومن لا يعجبه هو حر. فهناك اتحادات كثيرة ومؤسسات وجاليات وتجمعات ومبادرات بالجملة، يمكنه اللحاق بها.
وجهة نظري شخصية وتمثلني وحدي فقط لا غير ومقالتي بمثابة قرع جرس انذار ودق لجدران الخزان. متمنياً أن تلقى صدى لدى الحريصين على قضيتهم ورسالتهم الوطنية الصادقة وعلى استمرار عمل اتحادهم من أجل تطويره وتعزيز دوره وتوسيعه على طريق وحدة الفلسطينيين في أوروبا.
نضال حمد – كاتب وإعلامي فلسطيني وعضو الاتحاد
14-11-2020
الحلقة الأولى في الصفحة التالية أدناه
الفلسطينيون في أوروبا – نضال حمد
عددهم كبير ودورهم هام لكنهم مشتتون، متناقضون، مختلفون ومنقسمون على أنفسهم لم تتمكن كل المبادرات السابقة من توحيدهم بل زادتهم فرقة وشرذمة وأنقساما. لأنه حتى الحد الأدنى من العمل المشترك والجامع لا يجمعهم ولم يتمكن من جمعهم على الأقل خلال السنوات العشرين الماضية، التي نشطت فيها شخصيا في العمل الجاليوي الفلسطيني خاصة في اسكندنافيا وفي أوروبا بشكل عام. ولهذا الخراب الفلسطيني الشامل في اوروبا عدة أو كثير من الأسباب سنأتي على ذكرها في أمكنة أخرى من مقالتنا هذه.
الفلسطينيون في أووربا لم يأتوا من كوكب آخر فهم جزء هام وأساسي من الشعب العربي الفلسطيني. سواء الذين وصلوا الى أوروبا في الستينيات أو في السبعينيات أم في الثمانييات والتسعينيات من القرن الفائت، أو الذين وصلوا في الألفية الجديدة وفي القرن الحالي. هؤلاء ينقسمون بين عمال وطلبة ولاجئين سياسيين ومثقفين و فدائيون ومناضلون سابقين لهم تجارب هامة .. والخ.
وجودهم تعاظم مع موجات الهجرة الكبيرة التي شهدتها المخيمات الفلسطينية في لبنان ومن ثم فلسطينيي العراق ففلسطيني الضفة والقطاع بعد الانتفاضة الثانية وكذلك عقب حصار قطاع غزة. وأخيرا الهجرة الأكبر والأحدث والأكثر عدداً وهي لفلسطينيي سوريا الذين تشردوا نتيجة الذي حصل ويحصل في سوريا. أهم ما يميزهم الخلافات السياسية المتجذرة بينهم. خلافات تعكس واقع حال الفصائل الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني بشكل عام في داخل وخارج فلسطين المحتلة.
ضمن الفلسطينيين في أوروبا هناك عدد هائل من الكوادر التنظيمية والحزبية والسياسية والنقابية والثقافية والأسرى المحررين والجرحى والمقاتلين السابقين والفدائيين والقادة والكوادر من الجنسين ذكوراً وأناثي. كما هناك أجيال فلسطينية عديدة ولدت في أوروبا وهي أجيال أيضا مخلوطة بين والدين من أصل فلسطيني وأوروبي. منهم من ضاع ولا يعرف هويته ومنهم من هو فلسطيني أكثر من الكبار وقدامى الفلسطينيين. هؤلاء كلهم تجمعهم فلسطين الكاملة من أم الرشراش حتى الناقوة ومن مخيم رفح الى مخيم نهر البارد الى مخيم اليرموك ومخيم الوحدات ومخيم بلاطة، حتى كافة التجمعات الفلسطينية الكبيرة في اوروبا التي صارت تشبه المخيمات وهي تنتشر في بعض المدن الأوروبية والاسكندنافية.
هذا الكم الهائل من الامكانيات البشرية بدوره بدلاً من أن يعزز العمل نرى غالبيته مبتعدة عن الأطر والمؤسسات الموجودة أو انها تعمل لوحدها وبشكل فردي أو كمجموعات صغيرة لأنها غير مقتنعة بالآخرين. ومهمة الآخر أن يتقرب منها ويبحث عنها ويتقارب معها لتكون جزءا ورافدا من العمل الجماعي.
بالنسبة للسياسيين والفصائليين نفهم عدم انسجامهم وعدم وجود إمكانية لوحدة مواقفهم فبسببهم زاد الانقسام انقساماً والشرذمة شرذمةً والفرقة فرقةً. لكننا لا نفهم عدم قدرة الذين لا ينتمون لتنظيمات وإطارات فصائلية وحزبية وتنظيمية من تطوير حالتهم لتصبح حالة ضغط على الآخرين وعامل مساعد لتحقيق ولو حد أدنى من الانسجام والعمل المشترك في قضايا عامة. كما لا يمكن فهم حالة العزلة واليأس التي أصيب بها الكثيرين منهم، هؤلاء الذين قضوا أو يقضون الوقت والسنوات متفرجين كأنهم يشاهدون مسرحية في مسرح آيل الى الهبوط أو يشاهدون مبارة كرة قدم بين فرق الدوري الجاليوي والمؤسساتي الفلسطيني في أوروبا. بالرغم من أن هذا الدوري لم يرتقي الى مصافي فرق الدوري الممتاز فليس لديه “شامبيونزليغ” على صعيد البطولة القارية. يمكن من خلالها ايجاد فرق صفوة تتصارع على تقديم الأفضل لأنصارها ولبلدها. فبالرغم من تأسيس مئات الجاليات والجمعيات والمراكز والمؤسسات والتجمعات والاتحادات والنوادي والخ .. إلا أن حال الفلسطينيين كان ولازال من سيء الى أسوأ. لم يتمكن أي اتحاد أو مؤتمر فلسطيني من تجميعهم أو اقناعهم بمشروعه، مع العلم أنه مستحيل تجميع الجميع في بوتقة واحدة، لكننا نتحدث عن تجميع ما يمكن تجميعه منهم. ربما السبب في ذلك يعود لأمرين الأمر الأول الصراع بين الاتحادات والمؤتمرات وهو صراع سياسي بالمقام الأول وصراع الهيمنة والسيطرة والزعامة بالمقام الثاني. فيما السبب الثاني هو عدم انخراط الكثير من الفلسطينيين في الاتحادات والمؤتمرات والاكتفاء بالمراقبة أو مشاهدة ما يجري في أحيان كثيرة من بعيد وفي بعض الأحيان الطعن في أي جهد يقوم به الآخرين. الطعن لمجرد الطعن فقط وبدون ابداء وجهات نظر منطقية أو مفيدة. هذه الصفات يبدو أنها موروثة من تجربة العمل الفصائلي الفلسطيني وتجربة منظمة التحرير الفلسطينية. فهناك كثير من الناس اعتادوا على التزلم والمحسوبية والتسحيج والاستزلام. كما هناك من اعتادوا على الاعتماد على الآخرين في العمل واكتفوا ويكتفون بالتفرج والتصفيق أو بالتهجم والنقد والتجريح، يبدو إنها هواية يتسلى أصحابها بمن يعملون وينشطون. لأنه من الطبيعي أن نجد الأخطاء عند من يعمل فمن لا يعمل لا يمكن له أن يرتكب الخطأ فهو جالس في بيته بينما الآخر يقوم بواجبه ويعمل في الميدان. بغض النظر أصاب أو أخطأ من يعمل خلال عمله، فهو بالنسبة لي أفضل من القابع في منزله والجالس في صالون أو مطبخ بيته، لأن الأول يحاول القيام بشيء ما. فإما ينجح وإما يفشل. وفي الحالتين له ثواب وأجر وشكر. فيما الثاني عمليا هو مثل “شاهد ما شافشي حاجة”.
الفلسطينيون في أوروبا يعملون بعكس المنطق الذي يقول إن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، لكن الواقع على الأرض وفي الميادين يقول إن ما يفرقهم تغلب على ما يجمعهم. هذا بالطبع شيء مؤسف لكنه ليس قدراً كتب على الفلسطينيين. لأن الحل بأيديهم وحدهم. برأيي الحل المؤقت أو المرحلي يتطلب أن يجلس الجميع على طاولة الحوار وأن يبدئوا بنقاش وضعهم بعيدا عن الأمور السياسية والتنظيمية الفصائلية، يعني أن يناقشوا كيفية إحياء أيام ومناسبات التضامن مع فلسطين، مثل يوم التضامن العالمي أو يوم الأرض أو يوم النكبة. فهذه الأمور لا يجب أن تكون موضع خلاف بين أي فلسطيني وفلسطيني. فالغاية من إحياء هذه المناسبات هو الوصول الى الجمهور الأوروبي وتقديمها له بشكل أنيق ومفيد وسلس ومقنع. يساعدهم في ذلك الجيش الكبير من المتضامنين والمناصرين للقضية الفلسطينية في اوروبا، فهؤلاء سئموا من استمرار الحالة البائسة لفلسطينيي أوروبا، فهي ساهمت في تراجع وحدة عملهم ونشاطهم وفي بعض الحالات وفي بعض الدول في انقسامهم هم أنفسهم أيضا.
إن قدر للفلسطينيين في أوروبا أن يتفقوا على برنامج عمل جاليوي اعلامي تضامني يجمعهم ويحدد لهم طرق عملهم لخدمة قضيتهم سيكون هذا مدعاة للتفائل. بنفس الوقت وحتى تحين ساعة الوحدة فليبقى كل اتحاد يعمل وينشط كما يريد ويحترم الآخر وليبتعد عن الخلافات. فلتكن المنافسة شريفة ونزيهة بما يخدم الفلسطينيين في أوروبا والقضية الفلسطينية. فالفلسطيني أخ الفلسطيني وليس عدوه. ومعركته مع الصهاينة وأعوانهم ومع الفاسدين والمفسدين ومع من يتخلى عن أرض وحقوق وثوابت شعب فلسطين. أما الساحات في أوروبا فهي مفتوحة وتتسع للكل وهي بحاجة للجميع كما فلسطين بحاجة ماسة لطاقات الجميع. طبعا أعي أن الوحدة صعبة وتقف في طريقها عقبات كثيرة فصائلية ومحلية وسياسية وعقائدية. فأنا شخصيا لا أطالب بها الآن لأنها مستحيلة. لكن ما أطالب به برنامج عمل مشترك كحد أدنى يتفق عليه الجميع أو تتفق عليه الأغلبية. أعرف أن هناك محاولات بين الأربع اتحادات فلسطينية وجاليوية الموجودة في أوروبا للاتفاق على شيء من هذا القبيل، لكن للأسف لغاية الآن كل المحاولات فشلت بسبب تعنت البعض وتفكيره السقيم والبائد وقناعته بأنه يمكنه فرض ما يريد على الآخرين. أو بسبب عدم رغبة البعض الآخر في ايجاد هكذا صيغة جامعة لأنها لا تناسب خططه. أو بسبب طروحات سياسية وتقاسمية غير عقلانية ولا منطقية ومرفوضة يتقدم بها البعض ويريد فرضها على الآخرين. أو لأنه يفكر بعقلية فصيل أو تنظيم سياسي وليس بعقلية فلسطينيي أوروبا بشكل عام. فالاتحادات الأربع التي نتحدث عنها مع فوارق فيما بينها تعتبر انعكاسا للفصائل الفلسطينية كلها.
الاتفاق ممكن أن يتم في حال اتفق الجميع أو غالبيتهم على برنامج عمل مشترك يخصص فقط للقضايا الأساسية المُسلم بها مثل إحياء أيام فلسطينية معينة بشكل مشترك. يقيني أنهم إذا نجحوا في ترجمة هذه المسألة على الأرض ستكون طريق المضي قدماً في برنامج الوحدة أسهل وأسرع. وأنا شخصيا لا أريد وحدة شكلية أو تقاسمية بين فصائل وتنطيمات، فأنا لا يمثلني أي فصيل أو تنظيم، بل يمثلني كل شخص فلسطيني في أوروبا يعمل بصدق واخلاص لأجل فلسطين. لذا يمكن للوحدة أن تنتظر حتى تنضج وتصبح ممكنة.
المبادرات الفلسطينية ليست جديدة وهي تأتي الآن بسبب الفراغ القائم أو نتيجة للدخول في النفق المظلم والاصطدام بالجدار وفقدان النور. لكن تقديم المبادرات ليس كما تطبيقها وتحقيقها. فالعمل عليها يتطلب وقتا طويلا وجهدا استثنائيا واتصالات شاملة لا تستثني أحداً وهذا غير متوفر بشكل جدي في المبادرات التي سمعت عنها وقرأت بعضها. هناك حديث عابر عن ذلك لتبرير المبادرات ووقف الهجمات المتبادلة أو للحد منها وهي أصلا ليست ضرورية. لأن العمل في الميدان هو من يحدد مكانة المبادرات وجديتها. خاصة في ظل حالة الصراع بين الجميع والتي لازالت قائمة وإن إدعى البعض أنها مبادرات مفتوحة للجميع.
بحكم تجربتي الطويلة ومعرفتي الشبه دقيقة ببواطن الأمور وعوالم الاتحادات والجاليات والمؤسسات والشخصيات والفعاليات والمؤتمرات والتجمعات والجمعيات والمراكز الفلسطينية في أوروبا، وأيضا بواقع حال التنظيمات الفلسطينية العاملة في القارة. أعتقد أن درب الوحدة لازال طويلا لكنه ليس مستحيلا. كما أعتقد جازما أن ضمانة نجاح أي مبادرة فلسطينية هو الصدق والمصداقية والقبول بالآخر وعدم تحقير أو تصغير الآخرين. كذلك الأخذ بعين الاعتبار التجارب السابقة للآخرين والاستفادة منها. أيضاً معرفة مكامن الصواب والخطأ فيها والعمل على متابعة ما بدأته لا القفز فوق كل ما شيّدَ وبنيَّ وتم انجازه سابقاً بحهد وتعب وعطاء كثيرين من الفلسطينيين والفلسطينيات.
في الختام الساحة الفلسطينية في أوروبا ساحة عمل مفتوحة يمكن لأي شخص أن ينشط فيها ولأي مجموعة أو مؤسسة فالقانون الأوروبي يسمح بذلك. وهناك كما تعلمون آلاف الفلسطينيين الذين يعملون وينشطون بشكل شخصي، بعيدا عن الضوضاء والأضواء بانتظار بزوغ فجر عمل فلسطيني جاد، موحد وحقيقي وفعال لأجل فلسطين كل فلسطين.
الفلسطينيون في أوروبا 1-2- نضال حمد
الحلقة الثانية من فلسطينيي أوروبا واتحاداتهم ومبادراتهم 2-2 – نضال حمد