الحملة على قطر… إلى الخلف در! – عريب الرنتاوي
قطر دولة ضالعة “تاريخياً” في دعم الإرهاب، و”على أرفع مستوى”، هكذا تحدث دونالد ترامب …. على قطر التوقف عن تمويل الإرهاب، وعليها أن تفعل ذلك فوراً تحت طائلة اتخاذ ما يلزم من إجراءات … هكذا هدد زعيم الدولة الأعظم واحدة من الدول الأصغر في العالم.
لم يمض وقت طويل، هي أيام فقط، حتى كانت واشنطن تبيع “الدولة الراعية للإرهاب” طائرات إف 15 بقيمة 12 مليار دولار، تزامناً مع قيام قطعتين حربتين بحريتين أمريكيتين بزيارة للإمارة للمشاركة في تدريبات مشتركة بين البلدين … هكذا تجري معاقبة دولة راعية للإرهاب … أي دجل هذا، وأي نفاق هذا، بل وأي ابتزاز و”بلطجة” تمارس علناً ومن دون الحاجة حتى لقليل من الرماد لذره في العيون؟!
من يتتبع مواقف واشنطن من قطر، يشعر أنه ضاع في دهاليز المتاهة … من قائل بأن الإمارة حليف موثوق، إلى مشيد بمواقفها وسياساتها المناهضة للإرهاب، إلى مطالب بالمزيد …. من قائل بأن الإمارة تورطت تاريخياً وعلى أعلى المستويات، إلى زاعم بأنها تصدرت الحرب الكونية على الإرهاب … نكتشف فجأة أننا أمام حفلة ابتزاز … من يدفع أكثر ينال شهادات أرفع مستوى في الحرب على الإرهاب، ويستحق “التخرج بامتياز مع مرتبة شرف” من أكاديمية ترامب للحرب على التطرف والإرهاب … قطر دفعت “الرسوم” المقررة”، أو على الأقل، دفعة على حسابها، فبات “الأصعب” في الأزمة الخليجية وراء ظهورنا، هكذا تقول الخارجية مؤيدة من البيت الأبيض.
الأداء البائس والفضائحي لهذه الإدارة لا يوصف … قبل بضعة أشهر كان وزير الخارجية ريكس تيلرسون يحمل على الإخوان المسلمين، وينعت الجماعة بالإرهاب، ويندد بالدول الداعمة لها … أمس، كان الرجل يقول كلاماً آخر، وأمام لجنة الموازنة في الكونغرس، إذ شدد على أن من غير الواقعي إدراج الجماعة برمتها في القوائم السوداء للمنظمات الإرهاب … هناك إخوان إرهابيون، وهناك إخوان وزراء في حكومات تحارب الإرهاب…. إن لم تكن الجماعة إرهاباً، فما الذي تبقى من أركان الدعوى المرفوعة ضد الدولة الراعية لها؟
بهذا المعنى، بدا تيلرسون أكثر واقعية في مقاربة المسألة من نظرائه في الرباعي العربي، إذ كيف يمكن اقتراح إدراج الجماعة في قوائم الإرهاب، كما يقول يطالب الإعلام والساسة المناهضون لقطر، فيما دولتان من دوله على الأقل تتحالف مع الجماعة في الحروب المفتوحة في المنطقة: إخوان البحرين يشاركون في البرلمان والحكومة، وهم حلفاء لحكومة متحمسة للحرب على قطر … إخوان اليمن، التجمع اليمني للإصلاح، يقاتلون إلى جانب التحالف العربي “عاصفة الحزم” على جبهات يمنية عديدة … أما أخبار المصالحة بين تيار دحلان، المحسوب على الرباعي العربي وحماس، وبرعاية مصرية، فإنها من النوع الذي يزكم الأنوف.
ما الذي يجري حقيقة، وكيف ستنتهي حفلة الجنون التي تعيشها المنطقة، وما الذي تبقى من حرب داحس والغبراء ضد قطر، بعد أن قبضت واشنطن الدفعة الأولى من ثمن التحول من طرف إلى وسيط، وبعد أن تنفست الحملة العربية الشرسة ضد حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين، ورعاتهما الإقليميين (قطر وتركيا).
يومان فقط، قضاهما دونالد ترامب في المنطقة، كانا كافيين لإشعال حروب القبائل العربية، وإثارة ما يكفي من شقاق وخلاف، وبما سيمكن المصانع الحربية الأمريكية من توفير فرص عمل لعشرات ألوف الأمريكيين ولسنوات طويلة قادمة، ولتأخذ البترودولارات المتراكمة، طريقها السريع للعودة إلى مصادرها في المصارف الأمريكية، وليتحول الفضاء العربي، وما فيه من فضائيات، إلى مسرح لأكبر حفلات الردح المتبادل التي عرفها تاريخ العلاقات “الأخوية” العربية.
لقد نجحت قطر في تنفيس الحملة، و”الأصعب” كما تقول الخارجية الأمريكية بات وراء ظهر الدوحة … الآن، ستدخل الأزمة في لعبة تدوير الزوايا، وعبر فيض من الوسطاء والوساطات، ولن تجد الدوحة نفسها مضطرة لرفع الراية البيضاء، والمؤكد أنها لن تقفز إلى حضن “المقاومة والممانعة” … قلنا من اليوم الأول للأزمة، أن قطر تبحث عن خيار ثالث غير هذين الخيارين … يبدو أنها نجحت في العثور على طريقها، وبأسرع مما كنا نظن.
الدستور ١٦ حزيران/يونيو ٢٠١٧