الدكتور عبد الستار قاسم وتصويب مسيرة الكفاح الفلسطيني – د. فارس حلمي
تابعت باهتمام محاولة الزميل الدكتور عبد الستار قاسم تصويب ما يمكن تصويبه من أخطاء جمة في العمل النضالي الوطني الفلسطيني. ورصدت فقط ما اقترحه الدكتور في مقالاته الأخيرة والمنشورة على صفحات رأي اليوم الغراء منذ أن أعلن الرئيس الأميركي ترمب قراره بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة. وأتفق معه فيما تناوله من آراء . ولكنني أرى أن هناك جوانب نضالية أخرى لم يتناولها الدكتور عبد الستار رغم أنها تستحق توجيه الضوء إليها لأهميتها البالغة في مسيرة نضال شعبنا البطل.
ففي المقال الأول تناول الدكتور عبد الستار “دعوة بعضهم” إلى الاضراب في نابلس وغيرها من المدن الفلسطينية احتجاجا على قرار الرئيس ترمب. ورغم أن الاحتجاج أمر مطلوب ومشروع ومفيد، إلا أن الدكتور عبد الستار يرى وهو محق فيما يرى، أن الاضراب في المدن الفلسطينية لا يؤذي الخصم بأي طريقة من الطرق. وعلى العكس من ذلك، فهو يؤذي اقتصاد نابلس، والعمل في نابلس وقد يصل الأذى إلى المدن الفلسطينية الأخرى وكثير من المواطنين الفلسطينيين أو بعض أصدقاء وحلفاء فلسطين.
وهنا أشكرالدكتور عبد الستار لأنه وضع معيارا ماديا يمكن رؤيته وقياسه، الأمر الذي يمكننا من تقدير حجم خسائر الخصم أو العدو وحسابها بالدولار عند قيامنا بعمل نضالي معين. ونستنتج من ذلك أن كل ما يؤذي العدو أو الخصم يمكن أن يكون فعلا كفاحيا مقبولا ولا غبار عليه ؟
وأشكره أيضا على هذا التفكير العلمي الرصين. وبالتالي يسعدني أن أضم صوتي إلى صوته في تقدير أن الاضراب عن العمل في نابلس وغيرها من المدن الفلسطينية قد لا يكون أفضل أسلوب للكفاح ضد العدو المحتل. وعلى المناضلين المعنيين أن يختاروا أسلوبا آخر أكثر تاثيرا على العدو.
ولم يكتفي الدكتور عبد الستار بهذا التطوير المهم، فأضاف إضافة أخرى شديدة الأهمية. ففي مقالته المهمة عن الشهيد أحمد جرار، أبرز الدكور عبد الستار كيف أن فدائيا واحدا فقط، أرهق العدو أو الخصم طيلة شهر كامل، حيث كانت كتائبهم تبحث عنه ليلا ونهارا الأمر الذي أرهقهم ماليا واقتصاديا وزرع الرعب والخوف والقلق في قلوبهم. فأخذوا يتخيلون أن هناك أحمد جرار خلف كل حجر أو جدار أو شجرة أو في كل بيت من بيوت فلسطين الحبيبة، أو في كل مغارة من مغاور الجبال الفلسطينية الجميلة، إلى أن تمكن منه نظام التنسيق الأمني وأرشدوا العدو إليه .
أحمد الجرار كلفهم الملايين من الدولارات وكثيرا من الخوف والتوتر والقلق والأرق. وهذا كله جعل الدكتور عبد الستار يجرؤ على استنتاج مهم جدا – أحسده عليه – وهو أن عشرون (20) بطلا من فئة أحمد جرار كفيلة بدفع إسرائيل إلى الهرب بعد فترة زمنية قصيرة من النضال الحقيقي المؤذي لإقتصاد دولة الاحتلال. وهناك شرط واحد يتيم وهو أن يستهدف هؤلاء المقاومون ما كان يستهدفه جنود جيوش جياب، وبن بيلا، ومانديلا، علما بأن مانديلا ذهب ودرس التجربة الجزائرية عن كثب وتعلم من أشقائنا وشاركهم حياتهم في الجبال. وهذا هو المنهج العلمي الصحيح، أن نتعلم من العلماء والخبراء والممارسين والناجحين. ولا أظن للحظة أن إخواننا في الجزائر – وهم أسود العرب – سيبخلوا على إخوانهم في فلسطين بما لديهم من علم وخبرة في مجال النضال ضد الاستعمار والاحتلال.
قلت قولى هذا لصديق قديم عاش في الجزائر البطلة وعمل أستاذا في إحدى جامعاتها فترة ليست بقصيرة، فتناول أطلسا وبدأ يتمعن في خارطة فلسطين، وقلب الصفحة وبدأ يبحث عن خريطة الجزائر البطله. وعندما وجدها بدأ يتمعن فيها ثم قلب الصفحة وعاد إلى خارطة فلسطين. وبعد فترة صمت، قال صديقي الدكتور، أخونا الدكتور عبد الستار قاسم يبالغ. عشرون مناضلا رقم كبير بالنسبة لمساحة فلسطين . الرقم المناسب هو عشرة أبطال مدربين تدريبا مناسبا يستطيعون القيام بالمهمات النضالية التي سترهق كتائبهم ليلا ونهارا وتؤدي إلى إنهيار إقتصادهم وبالتالي دولتهم وفق نظرية المؤرخ بول كينيدي مؤلف كتاب “صعود وسقوط القوى العظمى”. وكلما يرتقي منهم أحد الأبطال يأخذ مكانه بطل آخر. وهناك شرط واحد لنجاح هذا العمل النضالي وهو أن يستهدف كل بطل منهم، ما كان يستهدفه أبطال فيتنام والجزائر وجنوب أفريقيا.
أمر آخريتناوله الدكتور عبد الستار بدقة وهو مصيب في توصيفه وتشخيصه. فهو يعزو فشل القيادات الفلسطينية في تحقيق غايات النضال إلى ما يسميه الأسلوب الفهلوي في القيادة . وعليه فهو يطالب بأن تكون القيادة من النمط الديمقراطي الذي يعتمد على مشورة العلماء كل في مجاله. ونستحضر هنا ما قاله شاعرنا الكبير المناضل توفق زياد … ما يقول العقل صحيح….إفك الجاهل قبض الريح … مع الاعتذار للشاعر على بعض التصرف في مفردات بيت الشعر.
وفي هذا السياق أيضا، كتب المرحوم المفكر الفلسطيني هشام شرابي مباشرة بعد حرب عام 1973 مقالا في جريدة النهار البيروتية عنوانه منهج كيسنجر، شرح فيها منهج كيسنجر وخططه وماذا يجب أن يتوقع منه الفلسطينيون. كما كتب المرحوم المفكر والناقد العالمي إدوار سعيد، بعد أن قرأ اتفاقيات أوسلو مباشرة كتابا عنوانه “موت عملية السلام”. وماتت فعلا عملية السلام كما استنتج المفكر الكبير إدوارد سعيد. ولكنها ما زالت حية في أذهان بعض القيادات الفلسطينية.
ونتساءل، لماذا يتم استبعاد وتهميش أصحاب الرأي والفكر والثقافة والعلم في الحياة العامة الفلسطينية. وكيف ومتى نستطيع التخلص من الفهلوة المدمرة ونستبدلها بالعلم والديمقراطية أي المشورة ؟ متى ؟ وهذا ما يطالب به زميلنا البروفسور عبد الستار ، وأرى انه محق، وبدون هذه الخطوة الضرورية، فإن النتائج ستكون دائما وخيمة وسلبية. وسيستمر هذا الحال المايل على ما هو عليه، إلى أن يحدث التغيير المنشود.
ويقترح الدكتور عبد الستار قاسم عددا كبيرا من البدائل لسلوك الاضراب في المدن الفلسطينية، فهو يعتبرها أكثر جدوى على المدى البعيد. وأرى أن الدكتور عبد الستار مصيب فيما ذهب إليه من تفسير وتشخيص واقتراحات إصلاحية عملية. ومن هذه البدائل على سبيل المثال لا الحصر، بناء وحدة وطنية فلسطينية متجاوزين الاعتبارات الفصائلية والفئوية، وتبني سياسة الاعتماد على الذات، وإعادة الاعتبار للميثاق الوطني الفلسطيني، وإلغاء اتفاق أسلو، وسحب الاعتراف بالكيان الغاصب نهائيا. وهكذا نرى أن جميع ما اقترحه الدكتور عبد الستار ضروري ولا بد منه ولا غنى عنه، ولكنه ليس نهاية المطاف أيضا. بل لا بد من المزيد من الاصلاح. ومن الاصلاحات الضرورية، ما تفضل بإبرازه على صفحات رأي اليوم الغراء المفكر العربي الكبير عبد الحسين شعبان حين قال في أحد مقالاته، أن الغايات النبيلة لا يمكن تحقيقها إلا بوسائل نبيلة وأخلاقية. أي لا بد أن تكون وسائل الكفاح والنضال من أجل تحقيق الغايات مشروعة ومنسجمة مع الاتفاقيات الدولية المرعية في هذا الصدد.
مرة ثالثة، الغايات النبيلة لا يمكن تحقيقها إلا بوسائل نبيلة وأخلاقية ومشروعة . والغايات النبيلة والأخلاقيه لابد أن تتم صياغتها على هيئة برنامج سياسيي لحزب سياسي معروف العنوان.
وكل ما ذكرناه أعلاه وغيره من معايير أخلاقية ونبيلة للعمل، جسدته الثورات العظيمة الناجحة في القرن العشرين في فيتنام جياب، وجزائر بن بيلا، وجنوب أفريقيا مانديلا، ولبنان نصر الله ومغنية وميشيل عون وإميل لحود.
فلماذا لا يتعلم الفلسطينيون من هذه المدارس العظيمة، كيف يستطيع شعب صغير وضعيف وفقير ومقسم الانتصار على قوى عظمى ؟ وبعبارة أخرى، لماذا لا يتعلمون كيف تستطيع قوة صغيرة جدا جدا، أن تنتصر على قوة عظمى كبيرة جدا جدا؟ ولماذا لايتعلمون والعلم قريب جدا جدا منهم. فهو موجود في لبنان والجزائر وجنوب أفريقيا أو في كتاب مانديلا ، المسيرة الطويلة من أجل الحرية ؟
وثيقة تاريخية قد تكون مفيدة للقيادات الفلسطينية الحالية والمستقبلية.
يشتمل أرشيف متحف تاريخ الثورة الجزائرية العظيمة، صورة رسالة بعثها عام 1954 مفجروا الثورة الجزائرية إلى إدارة إذاعة صوت العرب في القاهرة . وعلى غلافها عبارة تطلب من إدارة الاذاعة فتح الرسالة يوم الرابع من نوفمبر. وقامت الإدارة فعلا بفتح الرسالة في التاريخ المحدد من قبل مرسليها. وإذا بالرسالة تتضمن الأخبار التي تناقلتها وكالات الأنباء يوم الثاني من نوفمبر عام 1954وهي الاعلان الفعلي عن قيام جبهة التحرير الوطني الجزائري في الثاني من نوفمبر عام 1954، وانطلاق الثورة المسلحة لتحرير الجزائر من نير الاستعمار الفرنسي الغاشم. وتضمنت الرسالة أخبار تنفيذ المجاهدين تسعون عملية حربية، وكان نصفها موجها ضد خطوط مواصلات المستعمر المحتل وبصفة خاصة خطوط السكك الحديدة في مختلف أرجاء الجزائر، وأما النصف الثاني فكان موجها لتدمير خطوط نقل التيار الكهربائي أيضا في جميع أرجاء الجزائر.
نصر فلسطين قادم ولاشك في ذلك