الدماء الفرنسية والتعاطف الطبقي والحرب على الأرهاب – م. محمد يوسف حسنة.
كنت ومازلت من الحالمين بزيارة فرنسا وزيارة أبرز معلم فيها برج إيفل وجسر العشاق، أحترم الشعب الفرنسي والتزامه مبادئ الحرية، وحزين لفقد هذا العدد الكبير من الأنفس البشرية البريئة، كحزني على ما نفقده يومياً من أنفس بشرية في سوريا والعراق وفلسطين.
حزين أن ضرب الموت عاصمة الثورة الفرنسية تلك المدينة التي تظاهرت لأجل فلسطين عقب عدوان 2014 وتتظاهر دعماً للانتفاضة وحقوق الشعب الفلسطيني حين صمتت وتصمت عواصم وشعوب عربية وإسلاميه.
كانت ليلة باريسية دامية في عاصمة العطور والنور ولكن الدول العربية تعيش ليالي داميه بل أعنف بشكل مستمر، وسط صمت مطبق بل ومشاركة دولية تحت مسميات عدة، فمن صمت على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي إلى تغذية وإذكاء الصراع في عدد من الدول وضرب عواصم وبلدان بذريعة محاربة الإرهاب.
من المعروف أن العنف لا يولد إلا العنف ولا يمكن القضاء على العنف إلا بنشر العدل والسلام العالمي، ومن المعروف أن الكراهية لا تولد إلا الكراهية ولا تُنزع إلا بزراعة واشاعة الحب.
هذا العالم مجنون يعشق لغة الدم فذاك يسميه جهاد وذاك يسميه الدفاع عن قيم الحرية والعدالة وذاك يسميه الضربة الاستباقية وذاك يسميه حفظ وبناء وطن، والمحصلة أن نفوس بريئة تدفع الثمن ومزيد من الدماء تُراق، علّ أبرزها الدم العربي والإسلامي الذي يُسفك دون حتى أن يرقى التضامن في الكلمات والشعارات لمستوى التضامن مع الدم الفرنسي أو الأمريكي المسال مع أن اللون الأحمر القاني هو نفسه بغض النظر عن الجنسية.
هولاند ومن قبله أوباما خرجا بتصريحات تتوعد الأرهابيين وملاحقتهم، واعتبر أوباما أن اعتداء باريس هو اعتداء على أمريكا بل اعتداء على البشرية ومبادئ الحرية، ولكن لما لا يعي قادة الغرب الدرس بعد؟ أليس الذي أنجب لنا الوضع الذي نحن فيه احتلال العراق وأفغانستان؟ حين أعلن بوش الابن بأنه سُيلاحق الأرهابيين فقام بحرق بلدين وقتل آلالاف المدنيين ألم يزرع الكره والحقد في كل قلب حر وقسم العالم إما مع أمريكا وإما ضدها؟
أوروبا وأمريكا تستقدم آلاف العرب لبرامج تدريبيه ذات مضامين لها علاقة بالإدارة والتطوير والحداثة والاعلام إلا أنها تقف عاجزة عن تقييم ما يسمى بمحاربة الإرهاب، كم من مليارات صُرفت كم من أنفس أُزهقت من كل الأطراف في الحرب على الإرهاب الذي بالمناسبة لا تعريف واضح له، فهنالك حتى من يُسمي مقاومة المحتل إرهابا، وهنالك من يُسمي الثورة على طاغية إرهاباً.
ثم أين أوروبا وأمريكا من إرهاب البوذيين ضد مسلمي الروهنجا في بورما؟ أين مجلس الأمن من الانتهاكات اليومية التي يقوم بها جيش الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينين.
ماحدث في فرنسا مدان ولا تقبله الأديان ولكن ما يحدث في بورما وفلسطين وليبيا وسوريا وغيرها من البلدان الاسلامية مسألة تحتاج إلى نظر؟ إن النفس البشرية نفس بشرية بغض النظر عن اللون والعرق واللغة والمنطقة.
يجب أن يكف العالم عن التمييز بين الضحايا، ويجب أن تكون قيمة الانسان أينما كان قيمة انسان فلا يُعقل أن يقوم مثلا الفيس بوك بعمل تطبيق للتضامن مع ضحايا التفجيرات الأرهابية في باريس فيما يُقتل كل يوم نفس العدد أو أكثر بفعل الطائرات الروسية والأمريكية في سوريا، ويتوالي سقوط ضحايا المجازر في بورما دون أن يكون هنالك كلمة أو موقف للتضامن معهم.
لا يُعقل أن يصطف العالم أجمع لإدانة ما حدث من قتل ثمانية رسامي كاريكاتير في شارلي أبيدو بينما يُصاب بالخرس مع توالي سقوط الضحايا الفلسطينيين نتيجة الارهاب الإسرائيلي.
إن ضحايا باريس الأبرياء هم مثل ضحايا الضاحية الجنوبية مثل ضحايا سوريا مثل ضحايا فلسطين مثل ضحايا بورما مثل ضحايا العراق مثل ضحايا كل تفجير آثم وصاروخ قاتل يُزهق أنفس جماعية.
إن التعاطف مع ضحايا باريس ذكرني بتجربة اجتماعية أجراها ناشطون بكيفية تعامل المارين مع سقوط رجل يلبس بدلة رسميه أنيق مكسور القدم حيث سارع الجميع لتقديم المساعدة، بينما لم يلتفت أحد لنفس الشخص حين وقع وهو يرتدي ملابس مشردين بقدم مكسوره، وكأن التعاطف من الترف بمكان لانتقاء الضحية التي من المفترض التعاطف معها، وأخشى ما أخشاه أننا وصلنا لمرحلة النفاق التعاطفي بحيث أصبح التضامن والتعاطف حكراً مع لون وعرق وقوة ونفوذ، أو أصبح شلال الدماء في مناطق أمر معتاد لا نكترث فيه فيما يُصيبنا الهوس العاطفي والتضامني في مناطق أخرى.
لو أن المجتمع الدولي وفي مقدمته أمريكا تُنفق ما أنفقته على حروبها الخارجية على تحقيق السلام والتنمية في الدول الفقيرة، ما شهد العالم نزف لدماء الأبرياء.
لدينا مراكز لحوار الأديان ومراكز لحوار الحضارات آن وقت تفعيلهم ونشر ثقافة المحبة والتسامح والسلام، النار والحروب لا تزيد إلا أعداد الضحايا الأبرياء، ولا يدفع الثمن إلا المواطن البسيط