الدور الأمريكي في حرب حزيران العدوانية وتداعياته على قضية فلسطين – د. غازي حسين
إتفقت أمريكا مع العدو (الإسرائيلي) على حرب حزيران العدوانية عام 1967. وزودته بأحدث أنواع الأسلحة وبالمساعدات الاقتصادية الضخمة للمحافظة على تفوقه العسكري لتحقيق المشروع الصهيوني في الوطن العربي وتصفية قضية فلسطين وتهويد القدس مدينة الإسراء والمعراج. وتستخدم الفيتوحتى اليوم دعماً للاحتلال (الإسرائيلي) لتهويد القدس وفلسطين والجولان وحمل السعودية و دول الخليج على التطبيع والتعايش والتحالف مع العدو (الإسرائيلي). وادت هزيمة الدول العربية الى ضياع فلسطين والقضاء على النظام العربي وهيمنة امريكا و(إسرائيل) على جامعة تشرشل وإقامة علاقات إستراتيجية مع الممالك والامارات التي اقامتها بريطانيا وتحميها امريكا وترضى عنها (اسرائيل) واليهودية العالمية.
تعتبر الإدارات الأمريكية أن أمن “إسرائيل” من أمن أمريكا ورفعه الرئيس اوباما إلى مستوى القداسة الدينية. ووصل الانحطاط العربي بعد الهزيمةحداّ إشتركت فيه دول الخليج بتدمير سورية والعراق وليبيا واليمن والموافقة على تهويد وضم القدس والجولان وصفقة القرن والتطبيع والتحالف مع العدو (الإسرائيلي).ونجحت الحرب بالقضاء على دور العرب في القرن الحادي والعشرين وتوظيف السعودية للاسلام لقتل المسلمين وتحقيق الاستراتيجية الامريكية والتطبيع مع العدو الصهيوني.
تثبت الوثائق المنشورة أن الأمير فهد الذي ترأس الجانب السعودي في اللجنة الأمريكية – السعودية المشتركةالتي كانت تدير الحرب في اليمن قد طلب في اجتماع اللجنة في شهر كانون الأول 1966 أن توعز واشنطن لحليفتها “إسرائيل” القيام بهجوم كبير على قطاع غزة أو على سورية فإما أن يتصدى الرئيس عبد الناصر للهجوم وتوجه له “إسرائيل” ضربة قوية وإما أن يلتزم الصمت وبالتالي يخسر الكثير من شعبيته في خال تحقيق أحد الاحتمالين.ففي الوقت الذي كان العدو (الإسرائيلي) يحارب الجيش المصري كانت السعودية تحاربه في اليمن.لذلك طلبت السعودية من الرئيس جونسون أن يوعز (لاسرائيل) بمهاجمة غزة او سورية لتخفيف الضغط العسكري المصري عنها في اليمن.
وبالفعل اتفق اشكول رئيس وزراء العدو (الإسرائيلي) آنذاك مع الرئيس اريك جونسون في أيار 1967 على تحقيق المطلب السعودي خدمة لمصالح (إسرائيل) وأمريكا والاستراتيجية السعودية في اليمن .
وانطلاقاً من الوثائق التي نشرها حسنين هيكل أطلق جونسون واشكول على حرب حزيران العدوانية اسم عملية اصطياد “الديك الرومي”.
ساهم النظام السعودي التابع تبعية كاملة لأمريكا في إشعال (اسرائيل) حرب حزيران 1967بإنزال أكبر هزيمة حلت بالعرب في التاريخ واحتلال القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء و الجولان وجنوب لبنان وتدمير النظام العربي في العصر )الحديث ، لمصلحة الاستراتيجية الأمريكية –(الإسرائيلية) في الوطن العربي والتطبيع والتعايش مع (اسرائيل.
ساهمت السعودية وجامعة الدول العربية ومحور المعتدلين العرب وعلى رأسهم الطاغية المخلوع مبارك بمبادرة الأمير فهد في مؤتمر القمة العربية في فاس عام 1982 وفي المبادرة السعودية التي طرحها الصحفي الأمريكي اليهودي توماس فريدمان وأعطاها للأمير عبد الله وأدخل عليها بعض التعديلات وطرحها الأمير السعودي في مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002 بعد تفجيرات 11 أيلول في أمريكا. وذلك لكسب ود اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة واسرائيل والتوقف عن مهاجمة السعودية. وأصبحت تعرف بالمبادرة العربية لبيع فلسطين والقدس عاصمة فلسطين الابدية لليهود أعداء الله والأنبياء والوطن والمواطن والعروبة والإسلام والإنسانية جمعاءولقانون الدولي والقرارات الدولية.
احتلت “إسرائيل” بالإضافة إلى قطاع غزة وسيناء والجولان وأجزاء أخرى من جنوب لبنان ووادي عربة مدينة القدس الشرقية . وضمتها في نهاية حزيران مباشرة إلى القدس المحتلة عام 1948.
وأعلنت القدس العربية بشطريها المحتلين عاصمة “إسرائيل” الأبدية . واعترف الكونغرس الأمريكي بضم القدس واعتبارها عاصمة الكيان الصهيوني. وجاء قرار ترامب الاعتراف بكل القدس عاصمة للعدو ليجسد أخطر وأحقر الانتهاكات الامريكية لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والقانون الدولي ومؤتمرات القمة العربية ومؤتمرات منظمة الدول الإسلامية حول القدس، وتحدياً عدوانياً وحقيراً لمشاعر العرب (مسلمين ومسيحيين) والمسلمين في جميع أنحاء العالم. وسيقود الى إشعال الحروب الدينية لعشرات السنين في الشرق الاوسط.
ووصلت وقاحة دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي حداً طالب فيه الرئيس (الإسرائيلي) أبو مفاعل ديمونا الذري وسفاح قانا بجعل القدس العربية بشطريها المحتلين عاصمة للعالم.
رأى مجرمو الحرب بيغن وشارون ونتنياهو أن حرب حزيران العدوانية قد حققت لليهود الاستعمار الاستيطاني الذي رسخه كتبة التوراة والتلمود في فلسطين العربية عن “أرض الآباء والأجداد” أرض الميعاد المزعومة. واعتبروا أن سيناء جزء من هذه الأرض التي عادت إليهم ، وأن يهودا والسامرة أراضي محررة وليست محتلة ، وذلك خلافاً للحقائق والوقائع التاريخية والقانونية وخلافاً لقرارات مجلس الأمن الدولي ومبادئ القانون الدولي واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من القانون الدولي.
ولكن في حقيقة الأمر جلب الاحتلال (الإسرائيلي) لفلسطين والجولان وبقية الأراضي العربية المحتلة وتهويدوضم القدس والضفة الغربية والجولان معضلة عظمى (لإسرائيل) والصهيونية العالمية لأنها أقنعت العرب والمسلمين إستحالة التطبيع والتعايش مع الكيان الصهيوني وأن مصيره ككيان استعمار استيطاني وعنصري وإرهابي إغتصب القدس والجولان إلى الزوال ومصير بني سعود وثاني ونهيان الى مزبلة التاريخ والى الف جحيم وجحيم..
حملت حرب حزيران العدوانية في طياتها بذور زوال “إسرائيل” في المستقبل القريب أو البعيد، إن عاجلاً أو آجلاً واستحالة التعايش معهاوالقبول بوجودها في فلسطين قلب الوطن العربي.
وأخذ العدو الصهيوني يتمسك باحتلاله للأراضي العربية لكسر الإرادات العربية والفلسطينية الرسمية وتحقيق الأكاذيب والأطماع التي رسخها كتبة التوراة والتلمود والمؤسسون الاستعماريون الصهاينة ويقول إن الحرب أحدثت تغيرات جوهرية لقضايا بقيت مفتوحة بعد حرب عام 1948 التي أشعلتها أيضاً العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة وهي : الصلح والاعتراف والأمن والحدود والقدس والتشطيب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم والاعتراف بيهودية الدولة . واعتقد العدو أنه أضاف أيضاً أملاكاً يستطيع أن يستبدل بها اتفاقات (إذعان) على غرار اتفاقيتي كمب ديفيد و هذا ما حصل بالفعل بتوقيع اتفاق الإذعان في أوسلو بتاريخ 19/9/ 1993 واتفاق الاذعان في وادي عربة.
يقول المستعمرون (الإسرائيليون) إن حرب 1948 منحت “إسرائيل” شرعية دولية وأزالت حدود التقسيم أي قضت على إقامة الدولة الفلسطينية بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 181 المعروف بقرار التقسيم.
واقتسمت “إسرائيل” عملياً أراضي الدولة الفلسطينية مناصفة مع الملك عبد الله الذي اعترف بقرار التقسيم وأجبر الجيوش العربية على الالتزام به ، بصفته القائد الأعلى للقوات التي دخلت فلسطين لحماية الفلسطينيين من المذابح اليهودية. وضم 22% من فلسطين أي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.واصبحت العاصمة الثانية للمملكة الاردنية.
تقول “إسرائيل” إن العالم اعترف باحتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1948 ويرفض الاعتراف باحتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967. وتريد تكرار تجربتها في حرب 1948 أي ابتلاع الأراضي المحتلة عام 1967 عن طريق الاستعمار الاستيطاني المستمر حتى اليوم ودعم امريكا لهاغير المسبوق في العلاقات الدولية والقانون الدولي .
تعتقد “إسرائيل” أيضاً أن الدول العربية غيرت مواقفها وخاصة السعودية والامارات وبقية حكام الخليج النعاج من قضية فلسطين والصراع معها. وجاء هذا التغيير في مواقفها إلى توقيع اتفاقيات الإذعان في كامب ديفيد واسلو ووادي عربة.
وبالفعل قايض أنور السادات ونظام كمب ديفيد في القاهرة عودة سيناء المنقوصة السيادة على حساب القدس وفلسطين والجولان وجنوب لبنان. ويعتقد قادة الكيان الصهيوني أن نتائج حرب حزيران العدوانية غيرت المواجهة العسكرية والسياسية ، فلم تعد المواجهة بين “إسرائيل” والدول العربية بل بينها وبين الفلسطينيين. وتخلت قيادة منظمة التحرير عن المقاومة المسلحة واستبدلتها بالنضال السياسي والمقاومة السلمية من أجل جزء من فلسطين. وبالتالي نشأ حسب قولهم احتمال إنشاء دولة فلسطينية (كمصلحة إسرائيلية وأمريكية) في إطار القرار 242ورؤية الدولتين التي أخذها مجرم الحرب بوش من مشروع السفاح شارون للتسوية وضمّنها في خارطة الطريق وموافقة السلطة على تهويد وضم القدس والمستعمرات والضفة الغربية والاغوار والبحرالميت مقابل الاعتراف بإسرائيل والتعايش والتطبيع معها .
واستبدل المجتمع اليهودي في “إسرائيل” ممثلاً بحزب العمل وتكتل الليكود وحزب كاديما “إسرائيل الكبرى” الجغرافية “بإسرائيل العظمى” الاقتصادية عن طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحه بيرس وتبنته إدارتي بوش وترامب اليهوديتين وصولاُ الى نيوم أرض مدين والبتراء الاردنية حتى خيبرالفارغة التي تنتظرهم وبموافقة محمد بن سلمان ودعم محمد بن زايد آل نهيان عليهما لعنة الله والشعب والامة.
وترى “إسرائيل” من جراء ذلك ليس فقط الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط وإنما أيضاً حمل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وجامعة الدول العربية بقيادة محور المعتدلين العرب الاعتراف بيهودية الدولة أي بدولة يهودية عنصرية نقية ، لترحيل عرب الأراضي المحتلة عام 1948 إلى دولتهم الفلسطينية والتشطيب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم.وتسير السعودية والامارات في هذا الاتجاه.
ويزعم الصهاينة أيضاً أن حرب حزيران العدوانية حققت التصور الذي وضعه الزعيم الصهيوني جابوتنسكي في مقالته “سور الحديد” أو السور الفولاذي عام 1923 حيث طالب بإقامة جدار حديدي لإدخال اليأس في نفوس الجماعات المتطرفة العربية وينتقل التأثير والفعل إلى المجموعات المعتدلة. ويأتي هؤلاء المعتدلون بحسب رأي الإرهابي جابوتنسكي ومعهم اقتراحات لتنازلات متبادلة، تماماً كما فعل المفاوضان الفلسطيني والعربي اليوم في المفاوضات العبثية مع العدو الاسرائيلي. وبرأيه بعد أن يتنازل الفلسطينيون عن أكثرية فلسطين التاريخية يستطيع الشعبان أن يتعايشا جنباً إلى جنب بسلام.
وتعتقد اليوم أوساط واسعة في الكيان الصهيوني بعد مرورأكثرمن 72عاماً على تأسيس الكيان الصهيوني ومرور 51 عاماً على حرب حزيران العدوانية بأن تأجيل حكومة نتنياهو اتخاذ القرار الحاسم المطلوب بإعادة المناطق المحتلة عام 1967 مقابل اتفاق دائم يعرّض للخطر الانجازات السياسية المهمة التي حققتها “إسرائيل” في اتفاقياتها مع مصر والأردن والحلف الاستراتيجي مع ترامب.
أدى اشتراك أمريكا مع العدو(الإسرائيلي) في حرب حزيران العدوانية عام 1967 ودفاعها عن الاحتلال (الإسرائيلي) للقدس وبقية الأراضي العربية المحتلة داخل الأمم المتحدة وخارجها، وتزويدها للعدو بأحدث الطائرات والصواريخ والمعدات العسكرية الأمريكية إلى كسر معظم الإرادات الرسمية العربية والفلسطينية وتوطيد التحالف الامبريالي والصهيوني والرجعي مع السعودية لتصفية قضية فلسطين واضعاف حركات المقاومة والتحرر الوطني العربية وإنجاح المشروع الصهيوني.
أثبت التاريخ البشري أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن العدو الصهيوني لايعرف إلا لغة القوة وان المقاومة المسلحة وتسليح الضفةالخيارالوحيدو الصحيح لتحرير القدس وفلسطين والجولان وعودة اللاجئين وزوال (اسرائيل) من فلسطين العربية.