الرسالة الأولى الى شباب وشابات فلسطين – رشاد أبوشاور
يا شباب وشابات فلسطين
أنتم شباب فلسطين الوطن والقضية والشعب.
أكتب إليكم وأنتم في الميادين،
ودمكم يخضب ثرى فلسطين،
وأنتم تشتبكون في القدس مع جيش العدو المُحتل،
وأنتم تندفعون من مخيمات ومدن وبلدات قطاع غزة إلى مواقع المواجهة مع جيش الاحتلال، رغم ما يفصلكم عنه من أسلاك شائكة وحقول ألغام…
أكتب إليكم وأنتم تخرجون إلى شوارع بعض مدن الوطن العربي التي يسمح لكم فيها بالتعبير عن عروبتكم وفلسطينيتكم،
أكتب إليكم وأنتم في فلسطين المحتلة منذ العام 1948تصونون بيوتنا وحقولنا وشوارعنا ومدننا وقرانا وتنغرسون في أرضنا بكبرياء وعناد.
أكتب إليكم وأنتم تهتفون ضد أمريكا راعية الكيان الصهيوني وحاميته، والتي انحازت له دائما، وشجعته على العدوان، واتخذته كلب حراسة في قلب وطننا العربي، منذ ما قبل احتلال فلسطين، وإعلان الكيان الصهيوني دولة..بل منذ وعد بلفور البريطاني.
إنني أكتب لكم، أنا الكاتب العربي الفلسطيني، الذي صار في شيخوخته، وفي آخر العمر…
قبل سنين تبدو بعيدة، كنت وأبناء جيلي، نحن جيل النكبة، في عمر كثيرين منكم، وبدأنا نتهيأ لمواجهة المشروع الصهيوني المحتل لأرضنا العربية الفلسطينية- كانت الضفة الفلسطينية والقطاع خارج الاحتلال- أي إننا كنا نتهيأ لتحرير ما يحتله العدو الصهيوني في العام 48 …
أنا من جيل فتح عيونه على النكبة، على الاقتلاع من مدن وقرى فلسطين، ورمينا للعيش تحت الخيام، في البرد والحر والجوع والعري..ولكن أهلنا صمدوا، وربونا على أن فلسطين وطننا، والكيان الصهيوني عدونا، وأننا لا بد أن نحرر أرضنا، ونعود إلى قرانا ومدننا.
في المدارس، ونحن تحت الخيام عراة حفاة عراة جوعى، نرتجف بردا في الشتاء، ونختنق من الغبار صيفا، لقننا أستاذتنا حب فلسطين، وتحمل مسئولية تحريرها، وهكذا كبرنا مع أهلنا وأساتذتنا الأوائل ونحن نحمل هم فلسطين، وننشد لها ما أبدعه شعراء فلسطين: موطني..وسأحمل روحي على راحتي، وسنرجع يوما إلى حينا..أنا إن سقطت فخذ مكاني…
وكبرنا، وانتمينا لفصائل بدأت تعدنا للتحرير،
ووجدت منظمة التحرير الفلسطينية، التي أسسها وقادها الأستاذ أحمد الشقيري المناضل الكبير، والمثقف الكبير، ورجل القانون المحامي الذي دافع عن ثوار فلسطين في محاكم الانتداب البريطاني الذي احتل فلسطين بناءً على تخويل من عصبة التحرر بقرار الانتداب…
مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر هي التي ساندت الأستاذ الشقيري، ثم انضمت الجزائر بقيادة الرئيس أحمد بن بلا، ورئيس العراق عبد السلام عارف..أمّا بقية الدول العربية، وفي المقدمة السعودية، فقد عملت على إفشال بناء المنظمة…
وضع الأستاذ الشقيري الميثاق، وأشرف على تأسيس المجلس الوطني الفلسطيني، وجيش التحرير الفلسطيني، وشكّل اللجنة التنفيذية من شخصيات وطنية فلسطينية تتمتع بالكفاءة والسمعة، وشجّع على تأسيس الاتحادات الشعبية الفلسطينية:الكتاب، المرأة، العمال…
فاجأت هزيمة حزيران 67 شعبنا وأمتنا، فاحتل العدو كل فلسطين، والجولان، وسيناء…
فانطلقت المقاومة الفلسطينية – العمل الفدائي- وتصاعدت عبر أغوار الأردن، ثم امتدت إلى سورية في سفوح جبل الشيخ، وامتدت إلى جنوب لبنان…
بسبب ضغوط مورست على الأستاذ الشقيري رئيس المنظمة تقدّم باستقالته للشعب الفلسطيني عام 1968، فاختير في موقعه المحامي يحي حمودة وكانت فترته انتقالية، وبعد فترة اختير ياسر عرفات( أبوعمّار) قائد فتح رئيسا للمنظمة..وبدأت حقبة جديدة في مسيرة المنظمة..وهي مرحلة قيادة الفصائل للمنظمة، وبخاصة حركة فتح التي بدأت تضع يديها على مؤسسات المنظمة وتقودها بشكل شبه مطلق، وتقرر سياساتها، ومواقفها.
في تشرين أوّل عام 1973 خاضت جيوش مصر وسورية _ دعمها الجيش العراقي، ووحدات من الجيش المغربي، ولواء من الجيش الأردني تموضع في جنوب سورية، وقوات الثورة الفلسطينية – حربا لتحرير ما احتُل في حزيران 67…
غدر السادات بالعرب جميعا، وتصرف على أن تلك الحرب هي حرب تحريك لا حرب تحرير، واتخذ خطوات للصلح مع الكيان الصهيوني، وأعلن أن 99% من أوراق الحل في يد أمريكا، وأن حرب تشرين هي آخر الحروب!
وسار في نهجه حتى وصل على كامب ديفد، وهناك بالرعاية الأمريكية وقّع اتفاقيات كامب ديفد، وأخرج مصر من الصراع مع العدو الصهيوني!
القيادة الفلسطينية التي هيمنت على منظمة التحرير بدأت في انتهاج طروحات سياسية الهدف منها التوصل إلى دولة فلسطينية مع الجاهزية للاعتراف بدولة الكيان الصهيوني، أي أُدير الظهر لتحرير فلسطين، وبات الصراع فلسطينيا ( إسرائيليا)..وما عاد عربيا صهيونيا( إسرائيليا).
شهدت الساحة الفلسطينية صراعات حادة بلغت أحيانا حد المواجهات المسلحة عندما كانت القيادات في الفاكهاني، وقوات الثورة الفلسطينية تنتشر على الأرض اللبنانية سيما في الجنوب اللبناني.
في العام 81 عقدت قمة في مدينة فاس المغربية، وقدّم الأمير السعودي ولي العهد فهد – صار ملكا فيما بعد- مبادرة تأخذ الفلسطينيين لتسوية مع الكيان الصهيوني، وتصفي القضية، وآل سعود دائما عملوا على تصفية القضية حتى لا تكون سلاحا في أيدي الجماهير العربية، والقوى الثورية العربية، وتنهي مرحلة الحرج بالنسبة لها، هي التابعة أمريكيا، والمروّجة لثقافة التخلف، ولخطاب التشدد الوهابي، والمتاجرة بالدين.
رفض الفلسطينيون القبول بتلك المبادرة..فجاءت الحرب العدوانية ( الإسرائيلية) على قوات الثورة الفلسطينية في لبنان، في حزيران عام 1982…
قاتل الفلسطينيون ومعهم مقاتلو الحركة الوطنية اللبنانية، وتقدمت جحافل جيش العدو وضربت حصارا حول بيروت الغربية- كانت بيروت الشرقية تحت هيمنة الكتائب والقوات اللبنانية الانعزالية الرجعية – فقاتلت قوات الثورة الفلسطينية واللبنانية أكثر من 80 يوما..ثم اضطرت للمغاردة على السفن إلى عدّة بلدان عربية: اليمن _ الشمالي والجنوبي، فقد كان اليمن دولتين- تونس، الجزائر، السودان، سورية…
ثم بدأت مرحلة جديدة في المسيرة الفلسطينية.
وإلى الرسالة الثانية.
* وأنا أـتابع اقتحام شباب وشابات فلسطين للميادين، بعد اعتراف أمريكا ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، اخترت أن أوجه لهم هذه الرسائل علّها تذكرهم، وتنبههم…