الروائي الأتم للطريق الى فلسطين – مراد السوداني
يواصل محمد عادل سيرته راوياً للحكاية الفلسطينية التي تبحث عن اكتمالها …مؤكداً أن مهمّة كل فلسطيني في الوطن والشتات هي تدوين رواية هذه الفلسطينية وحكاية المكان الذي منذ مائة عام مازال يستباح ويتعرض لطرائق المحو والتزييف بغير وسيلة واتجاه …
ومن يعرف المناضل والمبدع محمد عادل يدرك تفاصيل البلاد بحميميةٍ ودفء طالما جهر بها العم ابو عادل كما يطيب لي مناداته .. فهو يمتلك ذاكرةً مذخّرة بمرويات ومشاهدات وفعال تستحق الانتباه والتأريخ والتثبيت،كيف لا، وهو الذي حاس في المنافي وتجرع ناغرية الغربة ولمّا يزل. ولكنّه ظل على عهد فلسطين .. صنو صديقه الاقرب الشاعر الفارس خالد ابو خالد .. فكلُّ منهما يكمل سيرة الاخر .. وفي ذلك قول كثير وارف. ربتما هذه عتبة واجبة للدخول الى قصة ابي عادل ومروياته الوسيعة .
هذه الأوراق بما تحشده من قصة هذه الفلسطين ، وجعها وحزنها .. صمودها وعنادها.. بطولاتها وصبرها الأيّوبيّ … طريق انتصارها ووحدة شعبها لقطف ثمار الفجر والحريّة .. كل ذلك وغيره نجده في نصوص العم ابو عادل .. فهو الراوي الأتم لطريق فلسطين الطويل وهو ما نراه بوضوحٍ لافتٍ ، دون أي عناء… نجد قصّة مخيم نهر البارد، الذي صار أثراً بعد عين ، وحمل في غيابه الذكريات وذاكرة الوطن التي تدق على القلوب بالعودة .
المخيم اذ هو جمرةُ النّزال وثابت البلاد والنداْ البعيد والقريب لعودة شعبنا الى ترابه الحر، وأوله وبداياته وحقّه وحقيقه … المخيم الذي يفيض بالخسران والمرارة والتفجّع والحنين وتلك المفاتيح التي مازالت معلّقة على شبابيك القلوب ، اذ هي وعد ان يتحول الحلم الى حقيقة ، العودة ، حيث القرى المهجرة مازالت تحتفظ برائحة الاهل ومدارج الصبا وزفّات البيادر والاعراس وحاملات الجرار الى النبع …
هذا ما نجده في قصص العم ابو عادل … يذهب الى جوهر الصراع مع العدو الصهيوني ليعلن البلاد سارية للهجوم … هذا هاجس موار لدى الراوي يصر عليه … فلسطين هي جمل الصبر والمناجزة الذي يرفض الترويض والقبول والانكسار … ويظل معاندا كزيتوننا العصي على الموت والإبادة .
لا بديل عن البلاد إلا البلاد … ولا بديل عن الحقّ الاّ بما هو أحق … ونبقى قصّة البلاد تدور بين يدي الراوي لتقرأ اجيالنا الطالعة من دخان المعارك والمواجهة طريق الشهداء والاسرى والجرحى والمبعدين الذين هم حكاية شعبنا التي لا بدلها ان تكتب ياقتدار ومثابرة …
ابو احمد وابو صالح وام هاشم وام عمر وخليل … وغيرهم من ابطال النصوص يواصلون رحلة الفعل نحو فلسطين … تلك ثيمة ابي عادل الأجلّ التي يحفظها كتمية ويحافظ علي سردها بوجع مكين …
انها الارض التي نهضت بين ايدي الفلاحين سليلي كنعان وعوج بن عناق … في عناق بين التراب وعاشقيه وسدنة الحلم والأمل .
الامٌ الفلسطينية وهي تواصل انتظارها على رصيف الوجع ، تحصد الوقت وتحرس الورد من الغياب .. ” في انتظار غودو الفلسطيني ” في انتظار الشهيد والأسير والمبعد ، تهدهد ألمها وتكرع حنظل الايام ولا تنحني ، ولا تفقد البوصلة … فالشهداء والشهداء الاحياء والمنفيّون يعودون في كل لحظة ، وإن خذلتهم الجغرافيا ومعارك النقيض وسواده الناهب وجراده الاثيم ..
يعودون زهراً في الحدائق وزيتاً يمتد في الزيتون . وحنّاءً على أيدي الصبايا … وغناءً يردده الاطفال نشيدا مدرسيّا …
وصهيلاً للخيل الضوابح على تلالنا العاليات ، وتراويد أمٍ ترفع النشيج الى سدرة البكاء والاحتمال ، وقولة نار تبدد عتمة البلاد … يعودون وهم اكثر إصراراً على اسناد أرواحنا الكالحة التي عصف بها الهول والويل .. يرممونّ بيت الكلام من خلخلة العواصف،والغدر الكابي، والمخاتلة الكالحة .. يعودون لتأكيد الوصايا ، كما ردّدها العم أبو عادل في مروياته الذابحة .
طوبى لا بي عادل الذي مالت الأيام بين يديه وما مال ولا استقال عن الحق والصدق والجهر بثابت هذي البلاد وثباتها المقدّس.
طوبى له وهو يطلق من كنانة الصبر سهام العناد ولا يتلظى … طوبى له وهو يغترف قراح الكلام من صفو الانقياء الشهداء والمقاتلين الباقين على قيد الحرية .. ويعلي راية الصمود لتظل الأجيال تردد … بلادي … بلادي …
طوبى له وهو يحاور المنفى ويداوره وعينه على فلسطين وقلبه يطوّف حواريها وازقّتها ومخيماتها وبلداتها ومدنها، ويحلّق على الساحل المنهوب ندّاهاً بالعودة التي لا ريب فيها …
طوبى له وهو يمتشق قلم الفعل بحبره الساخن مدوّنة فلسطين الوسيعة كجرحنا الاخضر … وطوبى له وهو العليٌ الوفيٌ للطريق … طريق فلسطين … حتى التحرير الكامل والحرية والاستقلال والعودة ..
مراد السوداني
الأمين العام
للاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين