السلطة وتأبين “حل الدولتين”…والمالكي والرد على نتنياهو! – عبداللطيف مهنا
طالب وزير خارجية أوسلو للحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال رياض المالكي بما دعاه “رداً سريعاً” على تراجع الكيان الصهيوني عن “حل الدولتين”. مطالبة المالكي هذه تأتي اثر اكتشافه للمكتشف فقط بعد سماعه بما ورد في بيان مركز الليكود الانتخابي القائل بأن هكذا حل لم يعد وارداً بالنسبة لنتنياهو، بمعنى الإعلان الليكودي البائن بتنصل زعيمه مما كان يتحدث عنه ويمارس نقيضه طوال الوقت منذ بداية فترة رئاسته الثانية لحكومة الكيان. بيان الليكود هذا كان بدوره رداً نافياً لتسريب هو أيضاً انتخابي الهدف ورد في صحيفة “يدعوت احرونوت” حول ما دعى ب”اقتراح لوثيقة مبادىء فيما يتعلق بالحل النهائي بين الاسرائيليين والفلسطينيين” توصَّل اليها في العام 2013 كل من يتسحاق مولوخو مستشار نتنياهو والمقرَّب منه وحسين آغا احد رجال رئيس السلطة، والتي تذكِّرنا ب”وثيقة بيلن” الشهيرة، بحيث لا نجد ما يدعونا للخوض في تفاصيلها. لكنما بيان الليكود هذه سرعان ما لحق به بيان آخر لينفيه. جاء هذه المرة من ديوان رئاسة الحكومة، لكنما مع توضيح يؤكد هذا التنصُّل، بتأكيده على أن نتنياهو يرى أن اي انسحاب من أي جزء من الضفة يعني أن تشغله “جماعات اسلامية متطرِّفة”!
نحن هنا ازاء جولة من معهود تلكم المناكفات الانتخابية المتبعة في الكيان الصهيوني، التي اصل الهدف منها هو محاولة تسجيل ما امكن من النقاط ضد الخصم واقتناص المزيد من الأصوات بالسطو على حصة المنافسين منها. كما لا شك بأن التسريب هو واحدة من المحاولات الجارية لاضعاف نتنياهو والتي بات يتلقاها من على يمينه ومن على يساره، وحتى ذهب البعض حد اعتباره رداً من اوباما على تحديه له في الكونغرس! لكن لا التسريب ولا نفيه ولا نفي النفي ولا توضيحه المؤكد له يضيف شيئاً الى ثابتة من ثوابت نتنياهو، أو أي نسخة نتنياهوية قادمة من على يساره أويمينه فيما لوخسر الانتخابات، والمتمثلة في أنه لم ولن يكن في وارده حلولاً، وإنما مجرَّد إدارة صراع وكسباً للوقت لصالح التهويد وفرض الأمر الواقع…كل ما كان منه لايخالف هذه الحقيقة بحيث لايخفى، حتى على من هم من امثال المالكي، الذي لاندري من هى الجهة التي يطالبها ب”الرد السريع” على نتنياهو، أن الأخير لايؤمن ولا يتصرف بما له علاقة بهذه الأحبولة التي يصر الأوسلويون الفلسطينيون على بناء أوهامهم التصفوية عليها.
عندما يتوجه المالكي بطلبه ملتمساً رداً سريعاً على ما اقترفه نتنياهو بحق المجني عليه “حل الدولتين”، وأخذنا طلبه على محمل الجد، فهذا يعني أنه وجهه وخصَّ به واحداً من اطراف ثلاثة، أو تلاثتها مجتمعة: مايدعى “المجتمع الدولي”، واختصاراً الراعي الأميركي لمسيرة التصفية، والجامعة العربية، بمعنى نظامها الرسمي، والسلطتة الأوسلوية. وإذا ما اخذنا كل جهة من هاته على حدة، أو حتى مجتمعة، فإن رد المالكي المأمول لن يدق باب نتنياهو بالمرة، لاسريعاً ولا بطيئاً. ولنأخذ مثالاً واحداً. إنه موقف ثلاثتها من مواصلة الحصار الإبادي على غزة، ومتوالي عرقلة عملية إعادة اعمارها، بل موالاة الدفع باتجاه انفجارها.
دولياً: تم النفخ مجدداً بعد طول موات في سور “الرباعية الدولية” فبعثت حيةً نهاية شهرنا المنصرم، فطالعتنا ببيانها الداعي الى “الامتناع عن الأعمال التي تقوض الثقة”، أو ما عنى امتناع السلطة عن اللجوء الى محكمة الجنايات الدولية، ثم ليصدح مبعوثها توني بلير ما سواه باشتراطاته المواربةً لإعادة اعمار غزة المدمَّرة، والتي تتمثل عنده في مطالبته للمقاومة بما يلي: تطمين مصر على أمنها، بمعنى الزعم بأن المقاومة تهدده، وبلغة أخرى تبرير محاصرة غزة عربياً. واتمام المصالحة على قاعدة برنامج أوسلو التصفوي. والقبول ب”حل الدولتين” كحل نهائي، أو ما نعاه نتنياهو مؤخراً بعد أن كان قد دفنه منذ أمد. وقطع العلاقات بالخارج، الذي هو هنا محور المواجهة …وباختصار، الكف عن كونها مقاومة! وبالنسبة للجامعة العربية، فهى على أية حال لم تعد واقعاً معنية بالقضية الفلسطينية وإن زعمت خلاف ذلك، كما انها تسهم موضوعياً في حصار غزة وتشارك في مساعي تركيعها، ولها باعها في تسويق سبل تصفية القضية، والأمثلة وافرة ولسنا في حاجة لسردها…بقيت السلطة…بعد مرور اكثر من نصف عام على تشكيل حكومة “الوفاق الوطني” العتيدة، لازالت المحروسة تصر على مقاطعة غزة وتجويع موظفيها، وهنا يكفينا الإشارة فحسب الى اثنتين:
مقولة للهولندي روبرت سيري، مبعوث الأمم المتحدة الى “عملية السلام في الشرق الأوسط”، المنتهية مهمته وسيسلمها لخلفه البلغاري نيكولاي ميلادينوف، الموصوف صهيونياً ب”صديق اسرائيل الكبير”، والقائل يوم كان وزيراَ لخارجية بلاده إن أي عدوان عليها هو عدوان على بلغاريا…سيري ودع مهمته قائلاً: “إن نتنياهو وابومازن مسؤلان عن الوضع القائم في غزة”…ثم توصية للمجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني، والتي ما أن استبشر المستبشرون بها، حتى عاجلهم نبيل عمرو عضو اللجنة المركزية لفتح السلطة مستبعداً تنفيذها جازماً: “اوسلو باقية ولا يجروء احد من كان أن يقول انها انتهت”، ثم لتخبرنا صحيفة “اسرائيل اليوم” نقلاً عن مصدر رفيع في ديوان رئاسة السلطة بأنه “لن يصدر أمراً رئاسياً بهذا الخصوص”…وإذا ما اضفنا لما تقدم حملة اعتقالات المقاومين مؤخراَ في الضفة لفرض التهدئة الميدانية ابان الانتخابات الصهيونية، ترى لمن يوجه المالكي مطالبته بالرد السريع على نتنياهو؟؟!!