السينما ما بين الثرثرة والصخب والصمت والغموض والمجاز: جولة سينمائية شيقة!
تنوع السرد السينمائي المعبر لأحد عشر فيلما “مميزا” قديما وجديدا، تتراوح ثيماتها ما بين الكوميديا الساخرة والجريمة المعقدة والدراما المحزنة وبدايات السينما واحداث 11 سبتمبر والمغامرة الطريفة والكوميديا الاجتماعية والحب واثبات الذات وأخيرا “وهم الحلم الأمريكي”!…
في الفيلم الكوميدي الأول “هناك شيء حول ماري”(1998) من بطولة كل من “بين ستيلر وكاميرون دياز”، يطلب شاب ساذج من تحري “تافه” أن يذهب لمدينة كبيرة، ليبحث له عن حبيبته القديمة ماري، وبالصدفة يتعرف سمسار على “ماري” فينبهر بجمالها ويتقمص شخصية فنان متجول، مدعيا بالكذب ملكيته لمنزل بالتيبت حتى تقع في حبائله، هكذا يتراكم المعجبين بجمال وفتنة ماري حتى يصلوا لخمسة أشخاص مزيفين، ولكنها تعود اخيرا لعشيقها الأول الساذج، وعندما يعلم الجميع بولعها الخاص بشقيقها المعاق، يحاولون أن يتنافسوا باظهار اهتمامهم “المزيف” بالمعاقين…ثيمة هذا الفيلم المسلي تتمحور حول الولع بالجمال والنفاق والتنافس الكاذب لنيل الفتاة الجميلة.
أما الفيلم الثاني بهذا السياق فعنوانه “الجريمة الكاملة”(1998) فهو يستعرض “الثلاثي الدرامي” المكون من الزوج والزوجة والعشيق، ولا يحدث هنا ما نتوقعه من تآمر العشيق مع الزوجة الخائنة للتخلص من الزوج الثري المتسلط، وانما يعلم الزوج بالصدفة بخيانة زوجته مع العشيق “الطماع”، ثم يتفق معه على قتل زوجته، ثم يقتله للتخلص منه والاستيلاء على مال الزوجة “المخدوعة”، ولكن الامور لا تسير كما يتوقع الزوج، فتكتشف الزوجة بالصدفة خفايا الجريمة بشريط تسجيل، فتقتل زوجها “الخبيث” دفاعا عن النفس، وتلقى تعاطفا “غير مفهوم” من المحقق العربي الأصل.
الفيلم الجديد الثالث “الأعسر”(2015) يتحدث عن كفاح ملاكم يتيم لشق طريقه بعالم الملاكمة الشاق، ولكن منافسا حسودا لئيما ينجح أخيرا باستفزازه بشدة، مما يتسبب بفقدانه لزوجته بظروف غامضة مما ادى لحدوث “حالة فوضى” منعت من كشف الفاعل، وتسبب ذلك بفقدانه لأعصابه ومواجهته العنيفة لخصمه اللدود، الأمر الذي ينتهي بفقدانه للقب البطولة ، وكذلك لوصاية ابنته الصغيرة “المسكينة”… ثم يستعرض الشريط الشيق رحلة عودته الصعبة لحلبة الملاكمة واسترجاعه المجد والبطولة بمساعدة مدرب “أسمر” مخضرم ومخلص وذكي (الممثل المخضرم فوريست ويتيكر)…نستمتع بهذا لفيلم بمشاهد نادرة لمجريات الامور على حلبة الملاكمة وكواليس التدريب والاستعداد والتحضير الشاق، كما الصراع المستميت لنيل البطولة وهزيمة الخصم واسترجاع حياته وذكرباته الحزينة مع زوجته الراحلة وابنته المرهفة الحساسة الذكية، وبالحق فقد أبدع الممثل (جاك جالينهال) بتقمص استحواذي فريد وانغمس كليا بالدور، كما تفوق المخرج “انطوان فوكوا” وجعلنا ننغمس بقصة الملاكم ونتعاطف معه وبدون أن ينحدر للميلودراما والتشتت والحزن، وحقق فيلما فريدا شيقا في مجال “أفلام الملاكمة”.
في فيلم هوجو للعبقري “ماتن سكورسيزي” الذي نال خمس جوائز اوسكار، يعود بنا لأيام السينما الصامتة بثلاثينات القرن الفائت، حيث نشاهد تداعيات عزلة وانزواء مخرج “ريادي” بعد فشله الذريع للتأقلم وتسويق مشاريعه السينمائية المبتكرة الصامتة، ثم نرى بفيلم رائع آخر “مرتفعا للغاية ومغلق باحكام”(2011) ملاحقة فتى لذكرى وفاة أبيه التراجيدية بأحداث 11 سبتمبر، واستحواذ الذكريات الأليمة على وعيه، ونتابع بشغف ملاحقته للأحداث التي تتضمن البحث عن صاحب مفتاح غامض، وجده بعلبة تركها والده الراحل، ونستمتع بمتابعة بوليسية لعجوز غامض صامت “يختار أن لا يتكلم” (السويدي ماكس فون سيدو بتمثيل آخاذ استثنائي) يتم التواصل معه بواسطة “رقاقات ورقية مكتوبة” (الفيلم من بطولة كل من توماس هورن وتوم هانكس وساندرا بولاك). أما بفيلم “شجرة الحياة” لترانس مالك (وبطولة كل من براد بيت، سين بين وجيسيكا شاستين) فالموسيقى والمناجاة والهمس هي العناصر الغالبة التي سادت أجواء هذا الفيلم الرومانسي السيريالي المدهش الذي يبحث بهواجس الحنين للماضي والعائلة:
“…نعود للحاضر ونرى جاك المهندس المعماري الناجح، وهو يغادر مكتبه الأنيق، ثم ينزل بالمصعد من البناية الشاهقة، ليواجه بحقل صخري ممتد امام المبنى المعماري الشامخ، ثم نراه يمشي كالحالم بحذر فوق أرض صخرية قاحلة في مشاهد سريالية مبهرة ليجتاز بعد حين هيكل باب خشبي مركب فوق الصخور، وكأنه يخرج من حياته الحاضرة للماضي والمستقبل، حيث نشاهده ينضم لعائلته، ونرى والده وقد سعد بمرآه، ووالدته وهي تحتضنه وتقبله بحنين ومحبة جارفة، ونراهم يستعيدون بحسرة ذكريات شقيقه المتوفي، ثم نشاهد جاك وقد استفاق فجأة من غيبوبة ذكرياته الحميمة، مغادرا المبنى وهو يبتسم”.
ثم ننبهر عندما ننتقل لمشاهدة فيلم “لفنان” الفرنسي الصامت (2011)، الحائز على الاوسكار والذي يستعرض ببلاغة سينمائية لافتة قصة ممثل مبدع شهير من أيام السينما الصامتة وتداعيات فشله بالتأقلم مع متطلبات السينما الناطقة “الجديدة”، وقصة حبه الفاشلة لراقصة جميلة شابة تحاول مساعدته، هذا الفيلم المبهر المصور بالأسود والأبيض والذي يعود بنا لأيام السينما الصامتة هو من اخراج الفرنسي “ميشيل هازاتافيكوبس” وتمثيل كل من “جين جاردان و بيرنايس بيجو”…وفي تخاطر ابداعي نرى مشهدين معبرين، أحدهما بفيلم هوجو، عندما يجد الفتى العلبة القديمة للمخرج المتقاعد فوق خزانة قديمة بمنزله، ثم تسقط وتتناثرمحتوياتها ومنها صورا فوتوغرافية قديمة للأفلام الصامتة التي كان يخرجها، مما يقود لذروة درامية يسترجع البطل العجوز البائس خلالها ذكريات مجده الاسطوري القديم، كذلك نشاهد بالفيلم الشاعري الرائع “مرتفعا للغاية ومغلق باحكام” (من اخراج ستيفن دالدري) الفازة القديمة التي تركها والد الفتى (ذي التسع سنوات)، وقد انكسرت وتناثرت بقاياها، ومنها مفتاح غامض بظرف مكتوب عليه اسم”بلاك”، وكان الغرض من هذا المجاز المعبر هوالاطلاع عن كثب على اسماء وذكريات ضحايا احداث 11 سيتمبر المأساوية بنيويورك بالعام 2001، وذلك بهدف الخوض بالمغزى الانساني— العاطفي للحدث الكارثي المرعب، بلا ادانة ومداخلات سياسية\خطابية مملة ومباشرة ومكررة!
أما فيلم “نزهة في الغابة”(2015) من تمثيل كل من روبرت ريدفورد ونيك نولتي وايما تومسون، فيتحدث عن المتقاعد العجوز بيل برايسون الذي يعود لأمريكا بعد قضائه عقدين ببريطانيا، مقررا أن أفضل وسيلة للتواصل مع وطنه تكمن بالاقدام على مغامرة التجوال بمرتفعات “آيالاشين” الجبلية الشهيرة، حيث ينسق مع احد اصدقائه القدامى (الداهية الظريف نيك نولتي)، الذي يرى بالرحلة وسيلة للتهرب من ديونه المتراكمة ولممارسة مغامرة حقيقية جديدة مع صديقه القديم كاتب الأسفار الشهير “روبرت ريدفورد”، هذا الأخير الذي يفضل المغامرة والانطلاق بدلا من نمط التقاعد المريح مع الزوجة والأحفاد وحضور المناسبات والجنازات، ويقوم بالفعل مع رفيقه بتحدي الذات والكسل المريح، واجتياز المرتفعات الشاهقة والوعرة الممتدة ل2200 ميل في أعماق الريف الأمريكي الساحر، وتكمن المفارقة والكوميديا بفهمها المختلف لمغزى “المغامرة الفريدة” مرة أخيرة بالحياة قبل فوات الاوان، ولكن هذا الاندفاع الخطر المجازف يحقق لهما بالنهاية المتعة الحقيقية بالحياة وتحقيق الذات…ثلاثة أشياء لفتت انتباهي بهذا الفيلم الظريف الذي يشجع على المغامرة الرياضية البريئة والتجول والترحال بالآماكن الطبيعية الساحرة: اصرار ريدفورد على خوض المغامرة الشاقة التي لا تناسب العجائز، ومقاومة رغبة صديقه بالاستعراض والعودة الآمنة المريحة بسيارة “فورويل درايف”، ثم اهتمامه بحمل “مجراف صغير خاص” لدفن البراز” اثناء تجواله مع صديقه بالغابات الطبيعية الجميلة (ومقارنة ذلك مع عبثنا اللامبالي بغاباتنا النادرة واماكن التنزه وتركنا للنفايات المؤذية للبيئة)، ثم اقتناع رفيقه المدمن على الكحول، واقدامه على سكب قنينة خمر معتقة، مقاوما رغبته بالشرب!
أما بفيلم “المتدرب” (2015) لروبرت دي نيرو ومن اخراج “نانسي مايرز”، فنحن نشاهد هنا متدربا متقاعدا تجاوز السبعين من عمره، وهو يحاول العودة للحياة والعمل بعد فقدانه لزوجته واستقلال ابنه، فهو يقدم نفسه كمرشح للعمل بمؤسسة صغيرة ناجحة (شركة تصميم ملابس عصرية) وتحت ادارة مديرة عصبية شابة، وحيث يكسب ود الجميع واحترامهم بلطفه ومثابرته ونزاهته وحبه لانجاز كافة الأعمال بصبر ومثابرة واصرار، وكأنه يستعيد كيانه ووجوده خارجا من عمره وعزلته ووحدته القاهرة بعد ان أصبح ارملا مهمشا، تكمن طرافة هذا الفيلم الاجتماعي الظريف بطريقة استعراضه لامكانيات العجوز المتقاعد، الذي يأسر كل العاملين وبمقدمتهم المديرة المتسلطة بدماثته وكرازميته واناقته الكلاسيكية، وعلى عكس ما توقعنا فهو لا يقع بهوى المديرة الشابة الجميلة، وانما يبقى لها كناصح حكيم جاهز لتقديم كافة الخدمات العملية والشخصية بواقعية وبلا تذمر، محاولا بدوره أن يجد مغزى لحياته بالعطاء ومساعدة الاخرين، كما أن هذا الشريط يسلط الأضواء على طبيعة العمل اليومي الكثير والمتداخل بالمؤسسات الصغيرة، لاغيا مفهوم “الوصف الوظيقي” الدارج والمقيد والبيروقراطي ومؤكدا أن “الخبرة لا تتقادم”، وقد ابدع “دي نيرو” كعادته بتقمص الدور الشيق اللائق بشخصيته، ولاحظنا انغماسه بكيمياء خاصة مع نجمة الفيلم الجذابة “آن هاثاوي”.
الفيلم العاشر الذي أستعرضه ضمن هذا السياق “المتنوع-المركب” هو فيلم “الأسرار في عيونهم”(2015) وهو اعادة أمريكية للفيلم الأرجنتيني الشهير الذي حازعلى اوسكار أفضل فيلم اجنبي بالعام 2009، الفيلم الجديد من اخراج بيلي راس وقد ساهم المخرج الأرجنتيني “جوان خوسيه كامبانيلا” بكتابة السيناريو، وهو من بطولة “شيونيل أجيوفور”، وكل من “نيكول كيدمان وجوليا بطرس” المحققة التي تكتشف أن ابنتها المراهقة قد اغتصبت وقتلت بوحشية قبل 13 عاما، حيث يعجز فريق المحققين الثلاثي “راي وجيسي مع رئيستهما كلير” (نيكول كيدمان) من كشف ملابسات الجريمة الغامضة، الا أن راي يسعى جاهدا لمتابعة تفاصيل وأدلة وحيثيات الجريمة ليكشف النقاب أخيرا عن مفاجأة لا يمكن توقعها، توضح الآثار المدمرة لغريزة الانتقام وأثرها الذي لا يمحى على الروح البشرية، الفيلم منقول عن النسخة الأرجنتينية الأصلية، والتي لعب بطولتهاالنجم الأرجنتيني “ريكاردو دارين” الذي يلعب دور قاضي متقاعد ينغمس بكتابة رواية حول الجريمة الغامضة، ويقع تدريجيا بحب رئيسته المحققة كالنسخة الأمريكية التي يتورط فيها (بالفيلم الأمريكي الجديد) الممتل الأسمر القدير “أجيوفور” بحب رئيسته الفاتنة “نيكول كيدمان” (التي تكبره بعشر سنوات)…الفيلم يتطلب درجة عالية من التركيز لأنه ينتقل بشكل “مشوش” مابين الحاضر والماضي بشكل متقطع…أبدعت بالحق “جوليا روبرتس” بتقمص الدور وتملكها حزن عميق حولها لظل “شبح” بعد وفاة ابنتها المحبوبة، وبدت كمحرك لوحي القصة وأكسبتها مصداقية ، كما أثبتت نظرية “الهوس والانتقام”، حيث حبست المتهم بقفص حيوان وتركته طوال ال13 عاما لكي يتعفن ويتعذب تدريجيا بالأسر المهين…هذا الفيلم لا يضاهي ابدا ابداع النسخة الأصلية من اخراج “جوان خوسيه كامبانيلا”، ويفتقد لقوة السرد الشيقة والمقنعة بالفيلم الأصلي، كما يفتقد للانسجام والتماسك ما بين قصة الحب وحيثيات الجريمة والرواية السياسية (القضائية) الرسمية.
الفيلم الحادي عشر: الارتجاج
“لا شيء يصدم كالحقيقة”!
وانهي رحلتي السينمائية الشيقة بعرض جاذب لفيلم “الارتجاج” للممثل الأسمر الشهير “ويل سميث”، حيث يقوم طبيب التشريح المميز د.بينيت اومالو (ويل سميث) بتشريح جثة لاعب كرة القدم الشهير المتقاعد “مايك ويبستر” (الممثل دافيد مورس) الذي وجد ميتا في سيارته، ليكتشف انه كان يعاني وبشدة من خلل عصبي دماغي أدى لصداع شديد ولحالات من النرفزة العصبية، بالاضافة لأعراض مرض الزهايمر المزمن، ويغوص د.اومالو باسلوبه الفريد وكأنه يتحدث للجثث لتشي له بأسرار موتها، ليكتشف اخيرا أنه مرض عصبي اختلالي جديد ناتج عن الارتجاج الشديد الذي تتعرض له رؤوس اللاعبين الأمريكيين بهذه اللعبة العنيفة، ثم يتمكن بمثابرته وعناده من نشر أبحاثه واكتشافه في المجلة الطبية المعتمدة، ثم تتوالى الأحداث فيصاب لاعب آخر متقاعد بنفس الأعراض ثم ثالث ورابع، ويسعى الطبيب مع رئيسه الداعم لقيادة حملة للتوعية العامة من أضرار هذه اللعبة العنيفة، وتأثير ضربات الرأس الشديدة على الدماغ مما يؤدي لحدوث الارتجاج…هذا الفيلم اللافت من اخراج “بيتر لاندسمان” وتمثيل كل من ويل سميث وأليك بالدوين وألبرت بروكس.
يقوم “ويل سميث” بهذه “الميلودراما” بواحد من أعظم ادواره السينمائية، ويتماثل مع دوره المؤثر في فيلم “السعي للسعادة”(2006)، وربما تكرر “هوليوود” هنا نفس الحبكة المعهودة، من حيث اكتشاف الظاهرة ومن ثم تعميمها والاعتراف بها، وصولا للرفض والتهديد والمعارضة فمن ثم الاقتناع والمصداقية واثبات الذات، ولم ينجح الفيلم تماما ببناء التشويق المتوقع وانما انجر للميلودراما الممتعة، وتكمن المفارقة بكون الطبيب المكتشف مهاجر نيجيري لم يحصل على الجنسية بعد، وبدت الأحداث كسرد “بيوغرافي” لحياة الطبيب العصابي المثابر والمجتهد وعرضا لاسلوبه ومعاناته مع البيروقراطية العدائية السائدة، كما تطرق لقصة زواجه من امرأة كينية مهاجرة دعمته وكانت له خير سند، والغريب أننا لم نشاهد قصة الطبيب وكفاحه لاثبات اكتشافه، بقدر ما شاهدنا تقمصا مدهشا لممثل كاريزمي كبير!
لم تؤخذ أراء وابحاث د.اومالو على محمل الجد حتى يقدم المدير التنفيذي لنقابة اللاعبين “ديف دورسن” على الانتحار باطلاق الرصاص على رأسه، اثر صداع شديد ومعاناته الشديدة وتعرضه لمشاكل ذهنية قاهرة ومزمنة، وبعد أن يفصح عن ذلك ويؤكد صحة مزاعم د.اومالو في “رسالة الانتحار” التي تركها…حينئذ فقط يعطى المجال للطبيب “النيجيري الأصل” للحديث في مؤتمر كبير خاص، وبعد موافقة الكونغرس واعتماد نتائج البحث التي توصل اليها. ثم تعرض على اومالو وظيفة هامة كرئيس للفحص الطبي بمنطقة كولومبيا، ولكنه يرفضها بعد مشاهدته لاصراراللاعبين على ممارسة اللعبة كما هي بلا ضوابط ومحاذير، ويفضل أن يعود لعمله الأصلي كجراح تشريح مميز بعد ان يحصل اخيرا على الجنسية الأمريكية.
أعجبتني فكرة أن “طبيبا نيجيريا” لامعا متخصصا بتشريح الجثث، يأتي كمهاجر الى امريكا، ثم يقوم بجهوده الفردية الاستقصائية باكتشاف مرض جديد يصيب لاعبي كرة القدم الأمريكية (حتى أنه يتكفل ماليا بتكاليف تشريح الدماغ الباهظة)، حيث لم يسبقه أحد لهذا الاكتشاف…فهل هذا ترويج ذكي “للحلم الأمريكي المدهش”، كما نلاحظ انه بالرغم من الصعوبات الجمة التي مر بها فهو ما زال ضمنيا يعشق أمريكا هو وزوجته النازحة من كينيا، كما “لا يبدو” ولو لبرهة أنه يفكر جديا بالعودة لموطنه الأصلي (الغارق بالتخلف والفساد والارهاب وعدم الآمان) لأن أمريكا (بنظره) هي التي تحقق الأحلام بالرغم من العقبات والاحباطات، ولأن أمريكا هي التي تحقق “تكافىء الفرص” بغض النظر عن الأصل والعرق واللون، وهنا تكمن الرسالة المجازية التي نجح الفيلم بتوصيلها كدعاية “للحلم الأمريكي”!…وهنا سأدخل في مجال المقارنة لأن هذا تقريبا ما سوف يحدث مع آلآف النازحين حديثا لاوروبا ودول الشمال الغربية، فهل يتوقع احد منهم أن يقوموا بالعودة لأوطانهم بعد انتهاء الأزمات واستقرار الأحوال؟ وهم اللذين تعرضوا للأهوال والغرق والاستغلال للهروب لجنات الغرب والتنعم برغد العيش والآمان الحياتي والوظيفي، وربما يكونوا قد وقعوا في “الوهم الكبير”…بعد معاناتهم في مخيمات النزوح على الحدود والروح العدائية والكراهية “الشوفينية” (العنصرية والدينية) التي انكشفت ضدهم، وبعد افتضاح خزي ممارسات بعضهم المتمثلة بالارهاب والتحرش والسرقة، وقد يبدو تصريح المستشارة الألمانية “ساذجا” ضمن هذا السياق، عندما تقول بأنها ستعيدهم لبلادهم بعد انتهاء النزاعات المسلحة واستقرار الأحوال!
مهند النابلسي