الشاب الفلسطيني أسامة جودة يعيد تذكيري بفيينا – نضال حمد
الشاب الفلسطيني أسامة جودة يعيد تذكيري بفيينا – نضال حمد
ربما لا يعي البعض أن العمل الذي قام به الشاب الفلسطيني أسامة جودة له أثر كبير ودلالة معنوية واعلامية مهمتين على سمعة فلسطين والفلسطينيين في النمسا خاصة وبشكل عام في أورووبا والعالم. فمنذ بدأت الأخبار تتوالى عن العملية الارهابية في فيينا أخذ بعض الاعلاميون في وسائل الاعلام الأوروبية التركيز على أن العملية وقعت قرب معبد (كنيس) يهودي في فيينا، مع العلم أن الكنيس كان مغلقاً في تلك الساعة من مساء يوم أمس الاثنين الموافق الثاني من نوفمبر ٢٠٢٠. وهو بالمناسبة اليوم الذي يصادف الذكرى ال ١٠٣ لوعد بلفور البريطاني الأوروبي اللعين، الذي أوجد الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ولازلنا نعاني منه حتى يومنا هذا.
حرصت بعض تلك الوسائل الاعلامية على تذكير القراء والجمهور بأن آخر “عملية ارهابية” شهدتها فيينا كانت قبل نحو ثلاثين سنة وقد نفذتها مجموعة فلسطينية. المقصود هنا العملية التي نفذتها مجموعة تابعة لتنظيم فتح المجلس الثوري بزعامة أبو نضال – صبري البنا- الذي قيل أنه انتحر في بغداد بداية العدوان الأمريكي على العراق سنة ٢٠٠٣، لكن لازال سر موت أبو نضال مجهولا حتى يومنا هذا.
إن مجرد قيام شاب فلسطيني بشجاعة وجرأة ونخوة بانقاذ حياة ضابط الشرطة النمساوي الجريح في مكان وقوع العملية. هو عمل انساني نبيل وبطولة فريدة، ستترك بمتها واثرها في الشعب النمساوي. لأن الاقدام على مثل تلك الخطوة كان ربما سيعرض الشاب للرصاص، للاصابة بجراح أو للموت. لكنه فعل ما أملاه عليه ضميره الانساني وكعربون شكر للمجتمع وللبلاد التي استضافته لاجئا معززا مكرما صاحب حقوق. ربما لأنه شاب فلسطيني عاش مثل تلك الأحداث والمشاهد التي يعيشها الفلسطينييون جيلا بعد جيل ومنذ أكثر من 100 عام حتى يومنا هذا. تملك الشجاعة والجرأة على القيام بما قام به من عمل انساني عظيم.
عرفانا منها بصنيع هذا الشاب وتقديرا لما قام به ولجرأته النادرة قامت شرطة فيينا بتكريمه وتقليده وسامها الذهبي. وهو يستحق ذلك وفلسطين تستحق ذلك، فالفلسطينيون الذين يعشيون ويحملون جنسية البلاد الاوروبية التي آوتهم بعدما رفضتهم كافة بلادهم العربية. يكنون الود والمحبة ويخلصون لبلدانهم وللشعوب التي تتفهم قضيتهم. وللناس الذين يدعمون قضيتهم ويرفضون الأصوات العنصرية والمتصهينة. فتلك البلاد بقدر ما فيها من معاديين وعنصريين ومتصهينين هي أيضا مليئة بالمناصرين والمؤيدين لقضية فلسطين. شهدت ذلك بأم عيني وأعيشه منذ ما يقرب أربعون عاما من الحياة في أوروبا. عشته عن قرب من خلال زيارات كثيرة لفيينا بالذات، هذه المدينة الجميلة والرائعة والوديعة والهادئة والآمنة. وكنت في بداية سنوات التسعينيات من القرن الفائت خلال فترة لجوئي الأولى الى النرويج، حيث كنت لاجئا بلا إقامة في النرويج، تعرفت على سائحة نمساوية شابة بالصدفة على الشارع في أحد أحياء أوسلو، حيث كنت أتسكع ظهيرة يوم حار لا تعرف أوسلو مثله كثيرا حتى في أيام الصيف. كانت سائحة شابة نمساوية، تسكعنا معا لبعض الوقت وتحدثنا كثيرا عن بلادها ولكن أكثر عن فلسطين. كانت متعاطفة مع فلسطين ورافضة للجرائم الارهابية الصهيونية وللاحتلال الصهيوني. بعد ساعات قليلة من التسكع السياحي والحديث استقلت قطارا وتوجهت الى مدينة برغن النرويجية. لكن قبل سفرها طلبت عنواني. مضت الأيام والأسابيع والشهور ومع اقتراب حلول عيد الميلاد المجيد ونهاية السنة الميلادية وصلني طرد بريدي على بريدي في معسكر اللجوء حيث كنت أقيم. فتحت الطرد الذي فاجأني لأجد فيه قطع حلويات شعبية نمساوية تقدم على العيد. كذلك رسالة تتمنى فيها تلك الشابة النسماوية أن يكون العيد القادم في بيت لحم والناصرة والقدس وكل فلسطين. وأن تكون فلسطين تخلصت من الاحتلال الصهيوني وعادت وطنا حرا وسيدا وسعيدا.
ها نحن أهل فلسطين أيتها الشابة النمساوية التي فقدت عنوانها والاتصال بها منذ زمن بعيد ولا أعرف ما حل بها، كما هي لا تعرف ما حل بي. ها نحن نؤكد لشعبك كما كنت أكدت لك يوم تعارفنا لساعات فقط أننا ندافع عن الأرض والانسان. وعن الناس كل الناس وبأننا شعب يعشق الحرية والعلاقات الانسانية. ها هو أسامة جودة الشاب الفلسطيني، الذي ربما لم يكن ولد بعد يوم تعارفنا في اوسلو، يقول لشعب النسما ولشعوب أوروبا أن الفلسطيني لأجل حيوات الناس يمكنه أن يقدم حياته.
في فيينا لي أصدقاء وصديقات وأحبة وذكريات جميلة لا يمكن أن أنساها. كما كنت كتبت عدة مقالات وانطباعات وخواطر عن فيينا وجمالها وروعتها. أعيد اليوم تأكيد محبتي لفيينا وتأكيدي على أن على هذه الأرض ما يتسحق الحب فهي تتسع لكل المحبين. ولكن أرض فلسطين لا تتسع سوى لشعبها ولا مكان فيها للمستعمرين المحتلين المستوطنين المجرمين أساتذة مدارس الارهاب في العالم. فهي لأسامة جودة ولكل الفلسطينيين.
نضال حمد 3-11-2020
أسامة جودة