الشاعر السوري (مصطفى البدوي) الذي مات مرّتين:- عزالدين المناصرة
الشاعر السوري (مصطفى البدوي) الذي مات مرّتين:
(أروع قصيدة قيلت في رثائي، هي قصيدة الفلسطيني (عزالدين المناصرة)
-
عزالدين المناصرة
لي قصيدة عنوانها: (مصطفى البدوي) – (1912-1991)، المولود في مدينة (الباب)، قرب حلب، وهي في رثاء صديقي الشاعر مصطفى البدوي، الذي مات مرّتين!!.
أشهر قصائده، هي القصيدة المشهورة، التي غنّاها المطرب السوري (موفّق بهجت): (عشقتُ في الأندلسِ… صبيّةً غجريَّة). وقد صدرت له المجموعات الشعرية التالية:
-
أوارق مهملة، 1954.
-
البعد الخامس، 1970.
-
متعبٌ وجه المرايا، 1978.
-
عائد إلى طفولتي، 1985.
– عمل (مُعلّم حرفة) في الثانوية الصناعية بحلب، ثم انتقل إلى دمشق، حتى تقاعده. في شعره، مسحة رومانسية – رمزية. وقد يُعتبر من الناحية التاريخية من روّاد الشعر الحر التفعيلي، فهو كتب من هذا النمط عام (1942) – أي قبل السيّاب، ونازك الملائكة، بسنوات. وفي كل الأحوال، أعتبر (شخصياً) أن (بدايات الشعر الحر التفعيلي) الحقيقية بمعنى الفعلية – ليست هذه (الإرهاصات)، التي صاغها شعراء كثيرون، منهم (مصطفى البدوي، 1942 – وعلي أحمد باكثير، 1945، وفؤاد الخشن، 1946 – يليهم: بدر شاكر السيّاب، ونازك الملائكة). فالبداية الحقيقية كانت (عام 1953) مع تأسيس (مجلة الآداب البيروتية) لصاحبها الدكتور سهيل إدريس، صاحب رواية (الحي اللاتيني)، التي تبنت هذا الشعر الجديد آنذاك.
أّما أنا كشاعر فأنتمي إلى (جيل الستينات) منذ (1964)، وانتميت إلى تيار مجلة الآداب، منذ 1965. وبالمقابل كانت قد صدرت (مجلة شعر) اللبنانية، التي قيل إنها مدعومة مادياً من وزارة الخارجية الأمريكية، عبر شارل مالك، فيلسوف اليمين اللبناني، الذي كان وزيراً للخارجية في زمن الرئيس كميل شمعون.
– أثناء حياة مصطفى البدوي، كان (عبدالفتاح قلعجي) في حوار قد أجراه مع الشاعر، وأعادتْ نشره (منتديات ستار تايمز، 24/4/2011) – جاء على لسان الشاعر ما يلي:
1. – خصصتْ الصُحف السورية قصائد لشعراء في رثائي، لكن – أروعً قصيدة رثاء قيلت في رثائي، هي قصيدة الشاعر الفلسطيني (عز الدين المناصرة)، وهي بعنوان (مصطفى البدوي). وكان آنذاك يعيش في العاصمة الأردنية (عمّان). وكنت التقيته في دمشق.
2. – اتصلت هاتفياً بالشاعر العراقي (عبدالوهاب البياتي) – فردّ علي قائلاً: (مْنين تسولف بابا، من الآخرة!!).
3. – خسرتُ مادياً، فقد وصلت من (حلب) أربع سيارات، تحمل الأقرباء والأصدقاء، لحضور (جنازتي) – فابتليتُ بإيوائهم وإطعامهم.
4. – أذاعت الإذاعات خبر (موت الشاعر مصطفى البدوي)، هنا حدث الخلط، فالذي مات هو شاعر زجل فلسطيني يحمل الاسم نفسه. وعندما أذيع الخبر، اعتقد أصدقاء الشاعر السوري مصطفى البدوي أنه هو المتوفى!!!.
عندما رجعت إلى كتابي: (جفرا الشهيدة، وجفرا التراث)، وجدت ما يلي: (ص 189، ط3، الصايل للنشر والتوزيع، عمّان):
– هو مصطفى يوسف الملقب بـ(الحطّيني)، نسبة إلى (حطّين- فلسطين) من أعمال (طبريا). ولد سنة 1900م، ونزح سنة 1948 إلى سوريا. وتوفي في دمشق، (عام 1970). ويروي عنه الناس، بيته:
(أنا الحَدّا الحطّيني…. أعورْ من عيني اليميني). وسُئل: لماذا تقول هذا يا أبا السعيد!، فقال: أذكر عيبي، وبذا أقطع الطريق على غيري. فهو إذن (مصطفى يوسف البدوي، الملقب بـ(أبو سعيد الحطّيني).
* * *
– بعد أن عشت (خمس سنوات في القاهرة)، رجعت إلى (عمّان)، في (19/2/1970) وزرت دمشق لأول مرّة في (آذار 1970). هناك تعرَّفتُ في دمشق على معظم الأدباء السوريين ومنهم: (محمد الماغوط – حنّا مينا – سعدالله ونّوس – هاني الراهب – ممدوح عدوان – محمد عمران – محيي الدين صبحي – سعيد حورانية – زكريا تامر – حيدر حيدر – علي الجندي – والفنان فاتح المدرّس – وشوقي بغدادي، وغيرهم. أظن أن (محمد الماغوط، هو من عرّفني بـ(مصطفى البدوي عام 1970) في مقهى هافانا – دمشق.
– ملامح البداوة واضحة في محيّاه وسلوكه الفطري الضاحك. يبدأ عادة بالتنكيت على نفسه خلال سرد القصص، كريم إلى درجة التهوّر. يحب مغازلة النساء سواء أكنّ جميلات أم قبيحات!!. كان إنساناً لطيفاً يميل إلى المرح، وفي سلوكه شيء من (الفوضوية والعبثية).
وصلني الخبر من دمشق إلى عمّان بأن (مصطفى البدوي) توفي، فاتصلت بعدد من الأصدقاء في دمشق، فأكدوا أنهم لم يحضروا جنازته، لكنهم يعرفون من مصادر موثوقة ومن الصحف أنه ارتقى إلى السماء. حزنت حزناً عميقاً، وتذكرت كرمه، وبساطته الغجرية الزوربوية، وتذكرته، فرثيته في قصيدة باسمه (مصطفى البدوي)، وأرسلتها إلى أحد الأصدقاء في دمشق، فنشرها ووزعها، ونشرت في بيروت، وربما القاهرة. وهذا هو نصّها الكامل:
مصطفى البدوي
قصيدة للشاعر عزالدين المناصرة
إذا قيلَ إنَّ السماءَ ارتكت كالعجوز على طرقِ السابلة
رأيناه، يحسمُ بالخنجرِ المسألة
إذا قيلَ إنَّ دمشقَ القديمةَ كانت حريراً
من التوتِ، ﻓﻲ غوطةِ المرتفع.
وإنَّ دمشقَ نساءٌ تنامُ على خشبِ الوردِ
قربَ القرنفلِ والياسمينْ
وإنَّ السيوفَ العتيقةَ قد صدأت ﻓﻲ حلبْ
رأيناه، يشهرُ ﻓﻲ وجهنا كومةَ الأسئلة.
ألا من رأى مصطفى البدويّ، يغني لأشجاره اليابسة
ألا من رآه، يبيعُ القصائدَ ﻓﻲ الحانةِ البائسة
رأيناه يقنعُ أحبابه بالوعيد
فإن ﻟﻢ نغضّ الجناحَ عن الصمتِ، يُلقمنا
كومةً من حديدْ.
وقد يسحبُ الخنجرَ اليمنيَّ البريقِ، لكي نَقْتَنعْ.
رأيناه لما سباه الكلام عن القدسِ،
قال كلاماً حنوناً،
فأشعلَ كأسين، حاذَرَ كي لا يَقَعْ.
ألا من رأى مصطفى البدويّ يُقبّلُ أيدي
النساء – النساءْ
ألا من رآه ينامُ على الأرصفة
وينفثُ ﻓﻲ المومساتِ الحساء
ويحكي لهنّ عن القمحِ والأرغفة.
ألا من رأى مصطفى البدويّ، ألا من رآه!!!
فقد كان – رغمَ المشيبِ – حبيبَ الحياة
ألا من رأى مصطفى البدويّ، ألا من رآه!!!
بعد أن ماتَ، عادْ
ساخراً من قصائدنا ﻓﻲ الرثاءْ
قمتُ قابلتُهُ بالوعيدْ
اليمامةُ ترقبنا نجمةً من بعيد
كيف حالك يا أيها الوغدُ، كيف القبورْ!!!
قال مثل ثمودٍ… وعادْ
ﺛﻢ أمسكَ كأسين… غَبَّهما دفعةً واحدة
يا يمامةُ دُقّي على العودِ،
هُرِّي التواشيحَ ﻓﻲ المنحدرْ.
قمتُ جرجرته، لنغازلَ سوزان تحت المطر
قام هدَّدني، أنَّه سيموت
إنْ خطفتكِ سوزانُ وحدي / يموتْ.