الشاعر الفلسطيني خالد أبو خالد صاحب (العوديسا الفلسطينية) – نضال حمد
الشاعر الفلسطيني خالد أبو خالد صاحب العوديسا الفلسطينية:
من قصيدة: فــــرس لكنعـــان الفتــــى..
لشتات خيل الذاهبين إلى غبار الماء.. كي يأتوا بمعجزة.. تلائم ليلهم..
والليل فحم في المطارات القريبة.. والبعيدة.. مأتم.. فحم على قبر الكلام..
الليل فحم في العظام.. الليل أردية الحداد على النفاية.. والركام
الليل من ثمر حرام
صاحب الكلمات أعلاه هو الشاعر الفلسطيني الكبير خالد ابوخالد المولود في بلدة سيلة الظهر قرب جنين في فلسطين التي لم تكن بعد محتلة من قبل الصهاينة بل كانت تحت نير الاستعمار والوصاية البريطانية الملعونة. هناك ولد الشاعر خالد أبو خالد عام 1937 في بيت فلسطيني أصيل جذوره ضاربة عميقا في أرض كنعان، وصولا الى سام ونبينا نوح عليه السلام. فسفينة الفلسطيني تشبه سفينة نوح النبيّ، تبحر وتقاوم الأعاصير والعواصف والتيارات بغية العودة الى حيفا ويافا وعكا وكل أرض فلسطين، الممتدة من الرمل الى الرمل ومن البحر حتى النهر ومن رفح حتى الناقورة. هذه هي فلسطين التي ينتمي إليها شاعرنا الكبير وتنتمي إليها أجيال أخرى لا تنتهي من المقاومين والفدائيين ومن الكتاب والإعلاميين والصحفيين والشعراء والأدباء والفنانين والمثقفين الفلسطينيين.
من قصيدته إيقاعات… بجنازة الحلوى:
سأرتب الآن الوسائدَ.. في دمي..
سأوزع الآن القصائد.. في النحاسِ..
لكي نودعها.. جريحاً.. أو جريحة..
-إيمان في دمها تنام..-
خالد أبو خالد من الشعراء الفلسطينيين الكبار، الذين ابتعدوا عن الضوء والشاشات وعاشوا حياة عادية مع أهل المخيمات ومع الفدائيين في قواعدهم ومعسكراتهم. فهو منذ طفولته وبعد استشهاد والده القائد القسامي وهو في ربيعه الأول، منذ ذلك الوقت بدأت والدته (زيتونة فلسطين كما يسميها) تعده ليكون مدافعا عن فلسطين والأرض والوطن. وأعده جده ليكون شاعرا منشدا يحمل هموم المقاومة والثورة ونهج التحرير. لذا فإن قصائده مثقلة بالذكريات.. وشعره يحيا على الذاكرة، التي هي مهمة جداً بالنسبة إلى الشاعر والمؤرخ والإنسان العادي والمناضل.
يقول أبو خالد في معرض حديثه عن ذلك: “حاولت أن أضمّن شعري أهازيج شعبية، وكنت الثاني في هذه المحاولة بعد سلمى الخضراء الجيوسي في قصيدتها «أذرع الكتان»، ثم بدأت أنا بعد ذلك، ثم جاء توفيق زياد، أو ربما تزامنّا معاً في هذا التضمين. فالتضمين ضروري بحسب رأي شاعرنا: لأن الشعر الشعبي قادر على الوصول، وبالتالي هو رافعة مهمة لشعرنا لكي نوصل ما نقوله إلى المتلقي العادي، ولكني بعد ذلك، وحتى لا تنكسر الموسيقى، حاولت أن أضع أبياتاً من تأليفي من الشعر الشعبي لكي تشكل أيضاً رافعة من روافع القصيدة.
ويضيف أبو خالد حول هذا الأمر: في الانتفاضتين الأخيرتين كتبت حوالي عشرين قصيدة لحنتها وغنتها فرقة الجذور، وقد وظفت مطالع شعبية معروفة لدى جميع الناس لكي أبني عليها وأُسقط سياسياً ما هو راهن، وقد نجحت هذه المحاولة إلى حد كبير.
ويمكنني القول إن الذاكرة أدّت دوراً مهماً جداً في بناء قصيدتي، حيث استعدت الكثير من صور القرى والهجرة عن القرى، وصور المناضلين، والموروث، ولغة الناس العاديين وحميميتهم وعلاقتهم بفلسطين.. وكان هذا مؤثراً كبيراً في قصيدتي، ويمكن القول إنني لست شاعراً فلسطينيا فقط، ولكنني شاعر عربي بامتياز بمعنى أنني غنيت لهذه الأمة بخصائص فلسطينية.
خالد أبوخالد الذي مازال مقيما في دمشق حتى يومنا هذا رافضا خيانتها ومغادرتها في أزمتها كتب في حب الشام ما لا يكتبه إلا الأوفياء لياسمين وتضحيات أهل الشام
أحب الشآم التي أيقظتني مآذنها ..
أرجحتني أجراسها ..
شكلتني في ضوئها ..
من غفوت على حضنها كالقطا ..
فاشترتني بأحلامها .. وصحوت على
موطني .. موطني .. موطني ..
يانشيد فلسطين تحت قباب الشآم .
حماة الديار .. عليكم سلام ..
درس الشاعر خالد أبوخالد في كُتّاب جده، ثم في مدرسة قريته، ثم التحق بكلية النجاح الوطنية بنابلس. ثم انقطع عن الدراسة وتنقل بين عمان وسوريا والكويت حيث واصل دراسته بالكويت وحصل على شهادة الثقافة العامة من ثانوية الشويخ.
عمل في عدة أعمال منها سائق تراكتور في شركة نفط الكويت، ثم في الإذاعة الكويتية وتلفزيون الكويت.ثم ذهب إلى سورية فعمل في إذاعتها من 66 ـ 1968 حيث التحق بالثورة الفلسطينية فدائياً. وتدرج في مواقعها إلى أن أصبح قائداً للقطاع الأوسط فالشمالي، فقائداً لقوات الميليشيا في شمال الأردن.
انتخب لدورتين متتاليتين للأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين ثم انتخب لأمانة سر فرع الاتحاد بسورية. وهو أيضاً محرر في مجلة الكاتب الفلسطيني.
شارك في العديد من المؤتمرات الأدبية والثقافية. كتب في العديد من المجلات والصحف العربية. ويعمل حالياً رئيساً لقسم البرامج الثقافية والشعبية والمنوعات في إذاعة دمشق.
عضو اتحاد الصحفيين العرب، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، والاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين، ورابطة الكتاب الأردنيين، والاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين. صدر له حتى الآن 11 مجموعة شعرية ومسرحية واحدة. وقد قام أخيراً بيت الشعر الفلسطيني في رام الله بإصدار أعماله الكاملة في ثلاثة أجزاء بعنوان «العوديسا الفلسطينية».
مؤلفاته:
وسام على صدر الميليشيا (شعر) دراسات وآدب، بيروت، 1971.
الجدل في منتصف الليل (شعر) اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1974.
تغريبة خالد أبو خالد (شعر) دار الطليعة، بيروت، 1972.
قصائد منقوشة على مسلة الاشرفية (شعر: مشترك) دمشق، 1971.
وشاهراً سلاحي أجيء (شعر) اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، بيروت، 1974.
بيسان في الرماد (شعر) دار العودة، بيروت، 1978.
أغنية عربية إلى هانوي (شعر) وزارة الأعلام، بغداد، 1973.
اسميك بحراً.. اسمي يدي الرمل (شعر) المجلس القومي للثقافة، المغرب، 1990.
دمي نخيل للنخيل (شعر) دار الجليل، دمشق، 1998.
رمح لغرناطة (شعر) دار الأمير، دمشق، 2001.
له مجموعة بعنوان ديوان الشام
مؤخرا وفي الدورة 2014 في عمان بالأردن لاتحاد الأدباء والكتاب العرب فاز الشاعر المقيم في دمشق خالد أبو خالد بجائزة القدس التي يمنحها اتحاد الأدباء والكتاب العرب وبحسب القائمين على الجائزة فأنها سوف تسلم الدورة المقبلة التي تقام في الكويت.
من هنا يابلادي مرَّ الغزاة .
وراحو ..
ولم يبق منهم أحد ..
في براري الشآم الوسيعة تحضر ..أجناد حطين ..
والقدس بوصلة الذاهبين إلى مجدها ..كبيارقهم ..
والسيوف مطعَّمة بالذهب ..
يجيء الفرنجة .. نبقى .. وتبقى البلاد ..
يجيء التتار .. ويبقى من الغزو
بعض الغبار ..
وبعض العطب ..
وقلب حبيبتي الآن مختصر في طبق ..
فالعدو القديم يواصل أكل لحوم البشر ..
في مقابلة سابقة أجرتها معه مجلة العودة الفلسطينية تحدث الشاعر خالد أبوخالد عن طفولته وتأثير جده ووالدته في حياته وعلى تطوره الثقافي والوطني. حيث قال ان هناك ثلاث مؤثرات أثرت كثيرا في حياته. تلك المؤثرات هي التي حددت بوصلة شاعرنا الكبير، الذي بدأ قراءة الشعر وإنشاد الأناشيد الوطنية وهو في سن الخامسة. حيث علمه جده كيف يقرأ ويلقي الشعر فوق قبر والده الشهيد القائد القسامي أبو خالد أحد أوائل القادة القساميين الخمسة، والذي استشهد في معركة دير غسانة سنة 1938، يومها كان عمر شاعرنا خالد ابوخالد سنة واحدة فقط. وقد رثاه الشاعر الفلسطيني الكبير عبد الكريم الكرمي – أبو سلمى.. كما رثاه جد الفنان الفلسطيني الراحل أبو عرب. والنشيد من تأليف نجيب الريس وتلحين الأخوين فليفل ويقول:
يا ظلام القبر خيّمْ إننا نهوى الظلاما
ليس بعد القبر إلا فجر مجد يتسامى..
حول هذه القصيدة التي تتردد على ألسنة الفلسطينيين بشكل دائم وتلقائي وفي كل مناسبة وطنية وقومية قال خالد أبو خالد ان: “أساس القصيدة يقول يا ظلام السجن خيّم، وقام جدي بتحويرها، وكان يغنيها معي في حينها. كان ذلك أول مؤثر شعري في حياتي على الصعيد الإيقاعي، حيث استطعت أن أعيش هذا النشيد، وخصوصاً أنني كنت أقرأه على ضريح أبي الذي لم يكن قد بُني بعد!! وكان جثمان أبي قد هُرِّب من الإنكليز.. وبقي مدفوناً تحت البلاط العادي لمدة ثلاث سنوات، وبعدها جاء البناء وبنى أضرحة الشهداء الذين استشهدوا معه في مقام النبي لاوين.
«وعن المؤثر الثاني أضاف خالد ابوخالد: “إنه الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود صاحب قصيدة «سأحمل روحي على راحتي». كان هذا الشاعر ثائراً في الثلاثينيات، ثم مدرساً في كلية النجاح الوطنية في نابلس، حيث كنت أدرس حينها.. هو الذي علمنا المسرح والسينما والشعر والأناشيد.. والنضال واستشهد في معركة الشجرة، وهي القرية التي ولد فيها ناجي العلي”.
فيما المؤثر الثالث صديقه ورفيق عمره القائد الشعبي والسياسي والمفكر والكاتب والمثقف الوطني الفلسطيني الراحل ناجي علوش. ويقول أبو خالد في هذا الصدد: ” يمكنني القول إنه كان بمثابة العرّاب.. عندما عرضت عليه أولى كتاباتي نشرَها في جريدة الشعب الكويتية، ونشر الرسوم التي كنت أرسمها في حينها، وحمل قصائدي إلى مجلة الآداب التي نشرتها أيضاً.. ومَن كان ينشر في مجلة الآداب في ذلك الحين كان يكرَّس شاعراً بامتياز.”.
يومها كان الشاعر خالد أبوخالد بلغ من العمر 26 ربيعا ولكنه كان نشر قبل ذلك في صحف الكويت كما كان أسس مع مجموعة من الأصدقاء جريدة الرسالة. ويقول الشاعر أبو خالد في هذا الصدد انه ساهم أيضا في تأسيس مسرح الخليج حيث عمل في التلفزيون والإذاعة وقدم برامج محلية.
يتحدث أيضا خالد أبو خالد عن والدته ودورها الأساسي في حياته فيقول: ” الوالدة أدّت دوراً مهماً لأني كنت دائماً أنام على تهاليلها، وكانت أيضاً تحفظ من مناحات القرية بعض الأغاني التي لها علاقة بالشهداء ووداعهم وتأبينهم.”.
عندما احتل الصهاينة فلسطين سنة النكبة 1948 كان خالد أبوخالد يبلغ من العمر 10 سنوات. وكان في طفولته المأساوية كما كل أطفال جيله في فلسطين يرى المناضلين يجمعون بعضهم ويتوجهون لخوض معارك الدفاع عن أرضهم وعرضهم. ورغم عدم توفر الذخيرة والأسلحة والعتاد إلا أن المناضلين كانوا مفعمين بالحماسة والرغبة بالمقاومة من أجل تحرير وطنهم فلسطين. الذي هو جزء من الوطن العربي الكبير ومن سورية الكبرى وبلاد الشام.
وفي هذا الصدد قال ابو خالد : ” أورثت ثورة الثلاثينيات هؤلاء الشباب مسألة مبدئية جداً هي أن قضية فلسطين غير قابلة للمساومة ولا للقسمة.. وفلسطين واحدة لأهلها، وهي جزء من الوطن العربي الكبير. كنت أراهم عندما يعودون شهداء أو جرحى. ولطالما حملت إليهم بعض الذخائر الفارغة ليعيدوا تصنيعها وتعبئتها من جديد بأيديهم العارية وبواسطة المقداح ويضعون كُحل البارود في الفشكة أو في الفارغ ويرصّون الرصاصة بالزرادية..ثم حدثت النكبة وجاءت جموع اللاجئين إلينا.. جزء منهم جاء من إجزم وجبع وعين غزال، جاؤوا إلى قريتنا لأنها كانت واحدة من بؤر الثورة الفلسطينية القديمة، وكانت على علاقة بهذه القرى الثلاث من خلال المناضلين الذين كانوا فيها، فجاؤوا وسكنوا قريتنا، وسألتُ أمي في ذلك الحين: إذا جاء اليهود فهل ترحلين؟ قالت: أنا لن أرحل، أنا زيتونة من زيتون فلسطين.. وظلت صامدة، وكانت تأتي إلى دمشق بين وقت وآخر، لكنها بقيت مواطنة عربية فلسطينية صامدة صمود شجر الزيتون.”.
تكريم الشاعر الكبير خالد أبو خالد هو تكريم لفلسطين ولجيل البندقية والقلم. جيل القواعد والميادين والنضال الوطني الذي لا يتعب ولا يستكين ولا يلين. جيل تحرير كامل تراب فلسطين. وهو تكريم للثقافة وللشعر وللشعراء والمثقفين في فلسطين. لأن خالد أبو خالد مَعلَمٌ من معالم ثقافة شعب فلسطين ومُعلِمٌ من معلمي ثقافة المقاومة في فلسطين والوطن العربي الكبير. في شعره نجد الشام والقدس وبغداد وعمان وجنين وبيروت والقاهرة والجزائر وتونس والقيروان ومراكش وطرابلس وعدن وصنعاء وكل بقعة من أرضنا العربية. في شعره نجد القضية حيّة لا تموت، نقرأ صمود فلسطين وتألق شعبها في الدفاع عنها وإبقاءها حيّة لا تموت. ونجد صوت المقاومة في لبنان وانتصاراتها ونجد الشام تعبق شعرا وياسمينا وصمودا وحب بقاء وحماية للديار ولسكان تلك الديار.
خالد أبو خالد مباركة عليك الجائزة التي تحمل اسم القدس، فأنت تستحق أكثر من جائزة… وأنت في القلب أيها الشاعر الفدائي الذي لا يعرف التعب.
نضال حمد – مدير موقع الصفصاف