الشاعر الكبير خالد أبو خالد .. بيسان أبو خالد
صباحا أبدأ بالشهادة ولكل من عاصره من دمنا دواة ليشهد ونكمل قريبا كتابا يليق بذكراه و شكر كبير لكل من وافاني بشهادة وقصيدة تفوح بصداه…
كيف يمكن لابنة الشاعر المحارب خالد أبو خالد أن تبدأ بوصف فيء سنديانة الشعر وهي ما كانت إلا غصنا منها.
يلزمنا مسافة تاريخية لنشهد بتلك السنديانة التي تضرب جذورها في أرض فلسطين في تلك البرهة الدموية التي حاول العدو الصهيوني أن ينتزعها من أعماقها بدءا من جدي الشهيد أبو خالد القائد القسامي الذي استشهد في معركة دير غسانية وترك روح الشجاعة في ملامح والدي أكثر خصائص تلك المعركة الحاسمة الطويلة. رغم عدم تكافؤ القوى أمام الجيش البريطاني والثوار. لعل الاعجاز هو ما اتسم به إبي حيث ظل لا يعترف بالمستحيل لا على صعيد تحرير فلسطين التي ظل يعتبرها غير قابلة للتقسيم. وكذلك للشعر الذي حمله سمة الأفعال الشعرية للحياة التي لا يقف الفقر والبؤس والشقاء عقبة في وجه التطور و البلوغ الى المجد. هكذا كان وهكذا ظل حتى اخر برهة في حياته في أكثر معارك الحياة ضراوة. حتى في حضرة المرض لم أره دامعاً أبداً رغم آلامه الشديدة. وما ذهلني بشدة هو إقلاعه عن التدخين في برهة واحدة بعد قرابة ستين عاما منه. كما أقلع عن السياسة بعد أيلول أيضا في برهة واحدة واختار المداد زناداً لأنه هو من حذرني دوماً أن شيئين يا أبنتي يقتلان في الحياة كثرة الملح والتردد.
كان جبارا في إرادته وفي قراراته.
لم يكن أبي فقط يحسن ملحمية الشعر على الورق بل كان يعيش ملحمة حياته بصدق اسر ملتصقا دوما بالمآثر وهازئا بالخسائر منه تعلمنا الأمل كان كاهلا للكثيرين وقلما اتكا الا على شعره ليبوح بجراحه بمعاناة أمه بعودته لأمي. ووزع عناوين قصائده علينا بالتساوي الذي حاول أن يتعامل دوما به معنا .
تناولته الصحافة في شتى جوانب الحياة الشخصية والتاريخية والابداعية إلا فيما يتعلق كيف خرج من هذا القروي رجلا منحازا للمرأة حتى أكثر من المساواة بقليل في مجتمع ينوء بالتقاليد ولطالما حاولت أن أساله عن سر هذه الطفرة فباح لي كم كانت تحرك فيه المظالم في تلك القرى ضد المرأة في طفولته حنانا وجبروتا لحماية الحب النابت بين أضلاع أي امراة. فوقف كالجبل لتنصاع الأسرة لخيار أخته في زواجها من رجل خطبها دون أن يحوز على الاجماع في أسرة تقليدية بمن فيهم هو أيضا واجتاز المسافة الفاصلة بين النظرية والتطبيق في مساحة الحرية التي تركها لبناته وأبنائه البالغين فقط البالغين كان عمر الثامنة عشرة هو الحد الفاصل بين أب بالغ الحزم وصديق واسع الفهم.
وفيما يخص صراعه الداخلي وتصديه للسائد سياسيا اعتقد انه لم يكن ممن يؤمنون ان لا شيء يعلو فوق صوت المعركة كان مع قلة من المناضلين مبكرا أكثر وعيا لمفاهيم النضال لبناء الديمقراطية جنبا الى جنب مع النضال لنيل الحرية مما جعله من القلة في هذا الاطار وتحول هذا التفرد بموقفه الى شرخ واضح حين وصلت القيادات لمصافحة العدو وأصبحت فلسطين ترقى الى مستوى الأمانات.
إن امتهان والدي لمهن شتى لإعالة أسرته بعيد أن تحول هذا الطفل بغتة الى رجل برصاصة من جندي بريطاني مصوبة الى صدر جدي جعلته رجلا قادرا أن يخترق فيما بعد وجدان شرائح مختلفة عاشها قبل أن يبلغ النخبة التي غالبا ما تكون عاجية البرج..
وفسيفساء ثقافته الممتدة من أغاني الجذور الى سمفونيات بتهوفن من سيرة بني هلال الى قصة الحضارة جعلته وجودي البنية ومكتبته الحافلة بالأدب العالمي والمحلي تبقى بنية باذخة لشعره الخالد.
ومما جعله أهلا لتصويب عبارة شكسبير التاريخية أن نكون أو لا نكون لا لم تكن تلك هي المسألة بل أن نكون أو أن نكون لأن الحياة صراع أزلي للوجود وقلة كالفذ خليل حاوي يجرؤ أن يختار موقف العدم.
اما فلسطين او فلسطين كانت عبارة تختزل صوت الشهداء أجمعين الذين لم يمنحوا دمهم لتحرير جزء من فلسطين وكان أبي مطلقا في الحرب والحب والحكم وخلاقا في زمن العقم ..
ونحتاج أياما جزيلة وأجيالا جديدة لترى موشور روحه لنعرف كيف كان ضوءها يجمع بين الشاعر والثائر الطيع الحنون والامر الفنان والمقاتل .
بيسان ابو خالد