الشام جوهرة الأمة – نضال حمد
يوم الجمعة الموافق 23-12–2011 سوف يدخل التاريخ السوري العربي كيوم مذبحة ارتكبتها أيدي الإرهابيين في قلب دمشق أول عاصمة في التاريخ وآخر عاصمة عربية لم تسلم مفاتيح بيت المقدس وأكناف بيت المقدس. فبعد تفجيرات بغداد الإرهابية التي حصدت مئات القتلى والجرحى تمتد يد الإرهاب نفسها لتحصد مثلهم في قلب دمشق العروبة. وكأن رامبو الأميركي المنهزم، المنسحب رغما عنه من العراق، والذي غادر العراق بعدما ذاق فيه الأمرين بفعل المقاومة أراد أن يقول للعرب، دمرنا ثاني عواصم الخلافة وها نحن نبدأ الحرب على أول عاصمة للخلافة. نبدأها بأيدي العابثين بأوطانهم، وبأيدي الإرهاب المحلي، المغلف بأقنعة دينية وأخرى قطرية وثالثة عصرية.
يوم الجمعة امتدت يد الإرهاب التي تجتاح المنطقة لتضرب وبقوة عبر انتحاريين إما استخدما لتنفيذ مشاريع الأعداء أو أنهما مثلهم مثل كل جماعات التكفير والإرهاب اختاروا الضرب في قلب دمشق لإيقاع اكبر الخسائر البشرية والمعنوية بالناس وبالقوى الأمنية. لقد فعلوا ذلك عن قناعة لان المذهبية والطائفية والتزمت والتطرف أعموا بصريتهم واقفلوا عقولهم وأغلقوا أعينهم. تبا لهم والويل لهم من يوم الحساب في الدنيا والآخرة.
ضربت دمشق وقتل وجرح المئات من سكانها وحراسها، ولم نسمع أي احتجاجات من الدول العربية العتيدة، ولم تخرج بيانات الإدانة التي اعتدنا على سماعها من أشباه الحكام في أشباه الدول والممالك والإمارات والمشيخات. كانوا يدينون عمليات المقاومة ضد الاحتلال في فلسطين والعراق ولبنان، وكذلك يدينون سوريا كلما وجه الجيش السوري ضربة لمعاقل هذا الإرهاب على حدودها مع تركيا اردوغان، حيث تتمركز الجماعات الإرهابية التي تعد العدة مع أصحاب الفيلم الأميركي الطويل لتخريب سوريا كما تم تخريب العراق.
إن الإرهاب الذي ضرب الشعب السوري هذا اليوم لا علاقة له بالشعب السوري ولا بمطالب بعض فئات الشعب السوري بالتغيير والإصلاح ومحاربة الفساد وإطلاق الحريات والتعددية السياسية والحزبية. بل هو جزء من مؤامرات دولية تعد لإسقاط سوريا وأخذها الى مستنقع الاستسلام والتبعية. وقد سبق ذلك تصريحات ومواقف سياسية لأركان في مجلس اسطنبول مهدت الطريق لهذا العنف الأسود ولهذه العمليات الجبانة. فمزيد من الضغط السياسي مع ضغط إرهابي على الأرض وفي قلب العاصمة دمشق يعتقد هؤلاء انه سوف يقود الى تقويض النظام، وتحريك الخلايا التخريبية التي تنتظر حدوث حالة فوضى حتى تنقض على ضحاياها وتبدأ ممارسة الأدوار المعدة والمرسومة لها سلفا.
اليوم اتضح في سوريا الخيط الأسود من الخيط الأبيض وبانت علامات الخطوة الثانية من المؤامرة على السوريين ووطنهم. وقد تكون هذه العمليات الإرهابية مقدمة لموجة من العمليات التي تهدف الى زعزعة الاستقرار والأمن في دمشق والمدن السورية الكبرى التي نأت بنفسها عن الأحداث ورفضت المشاركة فيها. وربما يعتقد القائمون على الاعتداءات أنهم بهذه الطريقة سوف يخلخلون البنيان الشعبي في العاصمة دمشق، وأنهم بهذا سيفتحون على النظام جبهة جديدة وخطيرة في حصنه الحصين. إن أسوأ تعليق سمعته على الإطلاق حول التفجيرات في دمشق جاء من بعض المعارضين السوريين الذي قالوا أن النظام نفسه قام بالتفجيرات لتعطيل مهمة لجنة المراقبة العربية. وسبق ان سمعت مثل هذه التعليقات عندما تمت مهاجمة أوتوبيسات الجيش السوري في جسر الشاغور حيث تم قتل نحو 250 جنديا سوريا في عملية واحدة. قالوا يومها ان هذا العمل من تدبير المخابرات والنظام… مجنون يحكي وعاقل يسمع…
سوريا التي وافقت على دخول بعثة المراقبة العربية الى أراضيها تعرف أن هذه البعثة لن تكون منصفة ولا حيادية، لكنها فضلت الموافقة عليها على أن تعطي لمحيمات أميركا والصهاينة في الوطن العربي مبررات لمزيد من المطالبة بالتدخل الدولي في الشأن السوري الداخلي. وكلنا يعرف وكذلك القاسي والداني أن لجنة المراقبة وبشخص رئيسها سوف تكون منحازة، فرئيسها من جماعة الأخوان المسلمين، والإخوان في غالبيتهم العظمى حاقدون بالذات على النظام السوري، وكذلك على القوميين والعلمانيين واليساريين. لذا يحق لكل من يفكر أن يعتقد بأن رئيس اللجنة إذا لم نقل اللجنة كلها لن يكون عادلا ولا منصفا في تقاريره.
لكن شعب سوريا الذي يعرف مصلحته ويعرف كم هو مهم استقراره الذي بدأ يفتقده، وبدأ يشعر باللاأمن واللاأمان في حياته اليومية، هو الذي سيكون في النهاية الحكم الفعلي على الأرض.
فلهذا الشعب العظيم سلامات أمة كاملة.