الشمال والجنوب خاصرة الكيان الصهيوني الرخوة – د. مصطفى يوسف اللداوي
تخطط قيادة الأركان في جيش العدوان الإسرائيلي لتنفيذ عددٍ من الدورات التدريبية والمناورات الحية في شمال وجنوب فلسطين، تحسباً لأي حربٍ جديدةٍ قد تندلع في المنطقة، يكون الشمال والجنوب ميدانها الرحب والفسيح لصالح المقاومة الفلسطينية في الجنوب، التي باتت صواريخها أكثر دقةً وأبعد مدىً وأغزر عدداً، وحزب الله في الشمال الذي يمتلك صواريخ بعيدة المدة وشديدة الأثر ودقيقة الإصابة، ولديه خبراء عسكريون وكفاءات وطاقات مؤهلة لأن تجعل من شمال فلسطين ميدان حربٍ حقيقي، ستكون نتائجه مغايرة عن كل الحروب التي سبقت.
ومن المرجح أن تشهد الجبهة الشمالية اختراقاتٍ برية عديدة، ومحاولاتٍ لاقتحام مناطق مختلفة، ولم تخف قيادة حزب الله عزمها “تحرير” بلداتٍ في شمال فلسطين، ووفق تقديرات قادة جيش العدو فإن حزب الله عازمٌ على تنفيذ تهديده، كما أن المقاومة الفلسطينية في الجنوب تتهيأ منذ سنواتٍ عبر الأنفاق التي تبنيها للالتفاف على دفاعات الجيش ومباغته من خلف الخطوط العسكرية، ولكن بعد أن يتمكن من قتل وأسر عددٍ كبيرٍ من مستوطني بلدات الغلاف الجنوبي.
لا يترك العدو مجالاً للشك أو الريبة، ولا يسمح لعنصر المفاجئة والمباغتة أن يكون له الدور الحاسم في تحديد مسار أو نتائج المعركة، خاصةً أنه يمتلك معلومات حقيقية وعنده معطيات حديثة ومتجددة، ومعززة بالصور والبيانات، تشير كلها إلى جدية هذه التهديدات وخطورتها، وأنها حقيقة قائمة وليست احتمالات أو توقعات، كما أن قوى المقاومة العربية لا تنكرها أو تخفيها، بل إنها تتعمد أن توظفها في الحرب النفسية أو الدفاعية، لتكون عنصراً في سلاح الردع، لمنع الجيش الإسرائيلي من القيام بأي خطوة من طرفٍ واحدٍ.
يحاول العدو الإسرائيلي في أبحاثه ودراساته التي يخصصها لمواجهة الأخطار المتوقعة من الشمال والجنوب، الحديث عن ضرورة تمتين الجبهة الداخلية للمجتمع الإسرائيلي، وتعزيز صمود السكان، وترسيخ مفاهيم السلامة والأمان في السلوك والتصرف في أوقات الحروب والكوارث والأزمات، ويعتبر المهتمون بهذا الشأن أن أمن وسلامة المدنيين الإسرائيليين هو نقطة الضعف الكبرى في الجبهة، إذ على الجيش حماية الأرض وضمان سلامة المواطنين في الوقت الذي يقوم فيه بصد عمليات وأنشطة قوى المقاومة، التي تعرف بدورها نقاط الضعف الأساسية في المجتمع الإسرائيلي.
لهذا فإن قيادة أركان العدو تعول كثيراً على لواء عوز الذي يمثل نخبة جيشه، لأن يقوم بحماية جنوب البلاد وشمالها، وأن يمنع القوى “المعادية” من تحويل هاتين المنطقتين إلى خاصرة رخوة في جسمه، وأن يحول دون اشتعال الحرب فيهما وتحولهما إلى نقطة ضعفٍ يصعب الدفاع عنها، ولهذا يجري لواء عوز بالتعاون مع فرق أخرى من الجيش والشرطة والدفاع المدني مناوراتٍ شاقة للتدريب على تحرير “إعادة احتلال” مدينة حيفا والجليل ومناطق أخرى من شمال فلسطين، حيث تشير أغلب التقارير العسكرية الإسرائيلية أن لحزب الله قدرة كبيرة على تنفيذ تهديده في حال اندلاع حربٍ جديدة في المنطقة.
وبالمقابل تجري وحدات عسكرية وقطاعات مختلفة تدريباتٍ عديدة في محيط قطاع غزة، وقد شكلت فرقاً خاصة للتعامل مع الأنفاق، ليكون لديها الخبرة الكافية لخوض معارك تحت الأرض، والبقاء لفترةٍ طويلةٍ في أنفاق مجهوله بالنسبة لها، ومحاولة السيطرة من داخلها والتحكم فيها مع الحفاظ على اتصالٍ فاعلٍ وقوي مع القيادة الميدانية خلف خطوط النار، بحيث تكون قادرة في أي وقتٍ على تحديد المكان التي يتواجد فيه جنوده، وتدور فيه المعركة، لتتمكن من التدخل السريع والفاعل في المكان والوقت المناسبين، وفي هذا المجال تتظافر مؤسسات الجيش والأمن وشركات المعلومات والتقنيات الحديثة، لتمكن قيادة الأركان من السيطرة التامة على سير المعركة تحت الأرض، وعدم فقدان فاعلية الاتصال والتواصل مع جنودهم تحت أي ظرف، وأياً كانت استعدادات الطرف الآخر ومفاجئاته، أو سرعته وقدرته على التصرف والحركة.
كما تخشى قيادة الأركان في جيش العدو من حالة التضامن التي قد تنشأ بين المقاومة الفلسطينية في الجنوب والمقاومة اللبنانية في الشمال، وإن لم تقع مثل هذه الحالة من التضامن بينهما من قبل، حتى في ظل أشد المعارك والحروب التي وقعت إبان احتلال جيش العدو الإسرائيلي لبيروت عام 1982، وفي غيرها من الحروب التي وقعت في الشمال ولم يتدخل الجنوب، وكذلك الحروب التي وقعت في الجنوب حيث لم يتسن للمقاومة في الشمال أن تتدخل، وعلى الرغم من قسوتها وصعوبتها وطول مدتها، فإن الشمال بقي مراقباً ومتابعاً، ولم يحاول التدخل في تغيير مسار الحرب، أو إشغال الجبهة الشمالية لإشغال الجيش عن معاركه في الجبهة الجنوبية مع المقاومة الفلسطينية.
علماً أن بعض المراقبين الإسرائيليين يرون أن المعادلة اللبنانية الداخلية هي التي تمنع تضامن حزب الله مع الجنوب الفلسطيني في حروبه مع إسرائيل، خشية أن يجر تضامنه لبنان إلى مواجهة شاملة مع الكيان الصهيوني، والتي قد تكون نتائجها قاسية أو مدمرة للبنان، حيث يجد حزب الله معارضة لبنانية داخلية تمنعه من المبادرة أو المغامرة في خوض حربٍ جديدة، خاصةً أنه في حاجةٍ إلى تضامنٍ شعبي، وعمق جغرافي آمن لمواطنيه الذين قد يغادرون مناطق المعارك بحثاً عن أماكن أخرى آمنة، وهو ما كان حاضراً ومتوفراً لحزب الله في كل الحروب السابقة، والتي كان آخرها حرب صيف عام 2006، التي تسببت في نزوح أكثر من نصف مليون مواطن لبناني عن أماكن سكنهم.
يدرك العدو الإسرائيلي أن حروبه مع الآخرين خاسرة، أو أنها على الأقل لم تعد سهلة، وأن انتصاراته عليهم لم تعد مضمونة، وأن تهديداته لم تعد تخيف، وأن شوكة المقاومة باتت قاسية، وصخرتها صلبة، ولديها من العزم والقوة ما يمكنها من تحطيم كل معاوله وإن ظن أنه أقوى منها وأقدر عليها، فهو في حقيقته خائفٌ وجلٌ، ومترددٌ مرتعشٌ، فالمقاومة اليوم راسخةٌ ثابتةٌ، وهي روحٌ وسلاحٌ، وعقيدةٌ وقوة، وفعلٌ وإيمانٌ، وهي تسري في الأمة بأملٍ واثقٍ، ويقينٍ واعدٍ.
جاكرتا – أندونيسيا في 3/12/2016