الشهيدان الشقيقان مروان ورضوان أحمد “عطرة” العلماني – نضال حمد
الشهيدان الشقيقان كانا من جيراننا وأبناء حارتنا ومن عائلة فقيرة ومعدمة في مخيم عين الحلوة، أمهما هي الراحلة “عطرة العلماني” – أم مروان – من بلدة الصفصاف توفيت منذ سنين قريبة. وهي شخصية معروفة لكل مخيم عين الحلوة وجواره في مدينة صيدا اللبنانية. والدهما هو المرحوم أحمد ابراهيم الملقب “أحمد عطرة” الذي توفي منذ سنوات طويلة، ربما واذا مازلت محافظاً على سلامة ذاكرتي فهو من بلدة حطين، لكنني لا أجزم فأخاف أن تخونني الذاكرة.
كان المرحوم أبو مروان يعمل بكل الأشغال الشاقة المتوفرة والممكنة من أجل لقمة العيش لعائلته ولأجل سد رمق وجوع أطفاله. عمل في التعتيل في الإعاشة حيث كانت الانروا توزع المؤن مثل الطحين وأشياء أخرى على عائلات اللاجئين الفلسطينيين في مخيمنا عين الحلوة، كما في كل المخيمات الفلسطينية.
من تلك الأيام ومذ كنت طفلاً صغيراً أذكره جيداً ولا تغيب عن عيني مشاهدته عندما كان يُدخِل الى مطبخ بيتنا في المخيم “شوال الطحين”. كنت أقول يا الله كم هو قوي، كيف يمكنه حمل هذا الشوال الثقيل والكبير؟؟. أدرك وأعلم وأعي بأن العمل ليس معيباً لأحد ومن يستعيب العمل لا يعرف قيمة لقمة العيش. كل الناس في المخيم في ذلك الوقت من الزمن كانوا يعرفون أحمد عطرة ويعرفون غيره من عمال الاعاشة والانروا. عرفوهم من خلال عملهم الشاق في الإعاشة والتنظيف وأعمال أخرى مشابهة. تلك الأعمال الشاقة، المشرفة، ساهدمت في سد رمق عائلات كثيرة. لكنها فيما بعد للأسف قضت على أحمد عطرة في سن مبكرة حيث مات فجأة ودونما سابق انذار.
كانت العائلة تسكن في حي الصفصاف غربي الشارع الفوقاني، أي على مسافة قريبة من بيتنا، حيث كانت تفصل بين بيتهم وبيتنا ستة بيوت لأقارب وجيران من بلدتي الصفصاف والرأس الأحمر. هي بيوت لعائلات خليل وأيوب وطافش وحليحل.
للشهيد مروان شقيق آخر أصغر منه هو الشهيد رضوان، الذي اغتاله رصاص مأجور خلال اشتباك جانبي بين مأجورين في المخيم قبل عدة سنوات، حيث كان عنصراً متفرغاً في القوة الأمنية الفلسطينية في المخيم. كان متفرغاً هناك لانعدام فرص العمل ومن أجل تأمين لقمة العيش لعياله. لكن الرصاص الذي يحاول منذ عشرات السنين اغتيال مخيم عين الحلوة اغتاله قبل سنوات قليلة. باستشهاد ورحيل رضوان ومروان وشقيقته ووالده ووالدته تكون هذه العائلة قد فقدت جميع أركانها باستثناء الأحفاد.
مروان وشقيقه رضوان كانا من أبناء حارتنا وتعلما في نفس المدارس التي تعلمنا بها في المخيم. لكنها انفصلا سريعاً عن الدراسة ليقوما بمساعدة والديهما في العمل ومن أجل تأمين لقمة العيش لعائلتهما. ثم سرعان ما التحقا بالثورة الفلسطينية مقاتلين لأجل فلسطين والتحرير والعودة.
عندما اعتقل مروان صيف سنة 1982 عقب احتلال مخيم عين الحلوة من قبل الاحتلال الصهيوني تم نقله الى معتقل عتليت في شمال فلسطين المحتلة لكن سرعان ما أكتشف الأطباء أنه مصاب بالسرطان، مرض عضال وأن حالته الصحية ميؤوسٌ منها فتم اطلاق سراحه ليتوفى بعد ذلك بوقت قصير في مخيم عين الحلوة. أذكر أن الأخ ناصر حليحل كان يلازمه بنفس المكان في المعتقل ويقوم برعايته ومساعدته حتى اطلاق سراحه.
كلما مررت قرب منزل الشهيدين مروان ورضوان تذكرتهما وتذكرت أهلهما وطفولتي ورحلة الحياة والنضال في المخيم ثم في المنافي القريبة والبعيدة. كلما سافرت عائداً الى المخيم، الى بيتنا وحارتنا، وكنت كلما توجهت من الشارع الفوقاني، الى منزلنا مرورا ببيتهما، شاهدت صورة الشهيد رضوان معلقة فوق جدار غرفة من منزله المتواضع، وكأنه بالرغم من مرور عشرات السنين لازال ذلك الطفل الوسيم، البشوش، الطفل الذي كنا نلعب ونلهو معه في الحارة وبين زواريب المخيم. كنا نشاهده نهاراً وليلاً يجلس أمام باب الدار. والآن ومنذ اغتياله وكلما مررت من هناك نهاراً أو ليلاً أراه في صورته فوق جدار غرفته لازال يراقب الحارة والعابرين من الشارع الفوقاني الى الحي التحتاني في المخيم.
تمضي الأيام والسنين ونكبر ونتقدم في السن ومع تقدم العمر يصبح إشتقيانا للمخيم وللطفولة أكبر وأكبر وأكبر، رحم الله الشهداء ومن رحلوا ورحلن على درب العودة والتحرير. وحتماً سنعود الى الصفصاف وحطين وكل فلسطين.
نضال حمد
01-6-2021
الشهيدان الشقيقان مروان ورضوان أحمد “عطرة” العلماني – نضال حمد