الشهيد طلال عبد الفتاح سلوم 1950-1982:

ولد الشهيد البطل طلال عبد الفتاح سلوم عام ١٩٥٠ في صيدا بالجنوب اللبناني وعاش في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، كما كل أقرانه من الأطفال والفتية والشباب، الذي درسوا وعملوا في المخيم وبمنطقة الجوار. هؤلاء غدوا مع الوقت خزاناً للحركة الوطنية الفلسطينية المكافحة لأجل العودة والحرية واستقلال فلسطين.
الشهيد طلال سلوم كان التحق بمدارس الانروا حيث حصل على تعليمه ونال شهادة (البريفيه) ثم بسبب الفقر ترك مقاعد الدراسة واتجه للعمل من أجل مساعدة عائلته وتوفير لقمة العيش لها. هذا بحسب ما قاله نجله الشيخ أحمد طلال سلوم وهو (شيخ دين) فاقد البصر منذ الولادة كما أعلمني الصديق نجيب الصادق.
في هذا الصدد قال نجله الشيخ أحمد طلال سلوم بأن “والده تخرج من الدورة برتبة عريف وشارك بالعرض العسكري حينها في ليبيا… وبأنه كان شخصاً محباً للآخرين، للناس وخدوماً في الحالات الاجتماعية ومحبوباً من قبل شعبه، لتواضعه وكذلك لأعماله الحسنة.

الشهيد طلال عبد الفتاح سلوم

شهيدنا طلال سلوم كان تزوج من إبنة عمته سنة ١٩٧٣ ثم أنجبا أربعة أولاد ذكور وشاء الله أن يكون من بين أولاده إثنين لا يبصران، فحمد الله على ما رزقه ورضي بقضاء الله وقدره. أما سنة غزو لبنان في حزيران – يونيو ١٩٨٢فللأسف كانت السنة الأخيرة في حياة شهيدنا طلال عبد الفتاح سلوم وآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين الذين سقطوا شهداء نتيحة الغزو والتصدي له.
عندما اجتاح جيش الاحتلال ال “إسرائيلي” الأراضي اللبنانية كان شهيدنا من الذين التحقوا بموكب المقاتلين ضد الغزاة. أولائك الأعداء الغزاة الذين كانوا اغتصبوا واحتلوا أرض فلسطين سنة ١٩٤٨، وكانوا السبب الرئيسي والأساسي في تهجير وتشريد أهل وشعب فلسطين، ليتحولوا الى لاجئين في دول الجوار العربية وفي داخل فلسطين المحتلة.

يقول نجله أن والده في أثناء القتال ضد الغزاة علم “أن هناك ناس عالقين بمنبى في منطقة تسمى سهل الصباغ أو حي الصباغ في صيدا فأتجه الى هناك لينقذ العالقين. قبل أن يتوجه الى سهل الصباغ كان مر الى بيته حيث إطمأن على والدته وزوجته وأطفاله… في اثناء تواجده في حي الصباغ أصيب نتيجة القصف وتم نقله إلى داخل ملجئ هو وصاحبه ليصبحا عالقين في الملجئ كما باقي الناس الذين كانوا عالقين حينها. فقصف الغزاة للمبنى الموجود فوق الملجأ وهدمه على رؤوس ساكنيه ومن كانوا في الملجئ تحته جعله مقبرة جماعية..

يقول نجله الشيخ

من ذلك الوقت فقدناه وبقي مفقوداً وانتهت الحرب وحل الاحتلال وانسحبت قوات المنظمة من بيروت المحاصرة الى خارج لبنان ولم نعلم عنه أي شيء واعتبر حينها من المفقودين.
بعد مرور سنة ونصف على الغزو والقصف في سهل الصباغ وفي أثناء أعمال التنظيف والترميم ورفع الأنقاض من المبنى المقصوف وسحب المياه المخزنة، تم العثور على جثمانه. فيما يؤكد نجله الشيخ أن من عثروا عليه شاهدوه ممداً على سرير صغير بحالته الطبيعية، جسده لم يتحلل، كان بقربه صاحبه الذي أيضاً لم يتحلل جسده.. وجدير بالذكر أن كل الناس الذين وجدوا معهم في المكان كانوا هياكل عظمية.
يتابع الشيخ حديثه فيقول أن عمه سلوم أي عم الشهيد طلال قام بلمس جسده فوجد ملمس جسمه ناعماً وطرياً وغير متشنج، كأنه نائم. كانت ساعة يد لاتزال بيده… وهي ساعة تعمل على النبض أي حركة اليد، توقفت عقاربها عن العمل على الساعة الواحدة والنصف ظهراً. قام عمه سلوم بخلع الساعة من يد الشهيد ووضعها على يده فأخذت العقارب بالعمل. كما أن العم سلوم أخذ من جيب الشهيد أوراقه الخاصة.
عندما علم الغزاة المحتلين بالقصة جاءوا وأخذوا جثماني الشهيدين لفحص ومعرفة سبب عدم تحللهما. في ذلك الوقت رفض أهل الشهيد وعائلته وبعض الناس تصرف الغزاة واعترضوا على ذلك فحصلوا على جثماني الشهيدين وتم دفنهما في مقبرة صيدا بملابسهما العسكرية…
يقول الشيخ أحمد طلال سلوم : “هنا انتهت مسيرة حياته ومماته والعثور عليه بعد فقدانه. ومن تلك النقطة بدأت الحياة بطعم آخر لأهله وعائلته وأولاده وسميت عائلة الشهيد طلال سلوم وسمي أولاده بأولاد الشهيد.”.
المجد الخلود للشهيد ولكل الشهداء وعلينا الوفاء.

ملاحظة:
بعد نشري للمقالة عن الشهيد طلال سلوم وصلتني ملاحظتان هامتان الأولى من الأخ جهاد عباس وجاء فيها:
“طلال سلوم بطل من أبطال ثورة الفتح وقوات العاصفة حين كانت عظيمة برجالها ومنهم طلال الشجاع، المخلص، الوفي، المؤدب والخلوق. أذكره كأنه أمامي حين فرزته للكفاح المسلح .نعم كان صاحب خلق ووفاء ومحب وملتزم وأعتقد أن خالي عبد الصمد رشراش، الشخص الثاني الذي ذكره الشيخ لك.
الشكر لإضائتك عن مسيرة أبطال أمثال عبد الصمد رشراش – أبو منير – المثقف المدرك الواعي… وطلال سلوم والمئات لا بل الآلاف من شهداء شعبنا…”.
فيما الثانية من صديق فضل عدم ذكر إسمه وقال لي فيها:
” إن الشهيد طلال سلوم والذي معه هو الشهيد محمود ياسين مناع كانا يداومان في مركز ببناية السلام، في ملجأ البناية الذي كان سجناً تابعاً لحركة فتح والكفاح المسلح الفلسطيني وانهما استشهدا معاً في الغارة على المركز. كان لديهما قرار بعدم اطلاق سراح المعتقلين والمساجين، فالتزموا به ولكنهما لم يعلما بأن الحاج اسماعيل (جبر) قد فر من صيدا نحو البقاع هو والفارين معه. فاستشهدا في الغارة هما والمساجين”.
نسيت أن أقول أنني أعرف ذلك الملجأ السجن خير المعرفة فقد كنت احتجزت فيه لعدة ساعات بعداشكال حصل بيني أنا وصديقي مع عناصر من القوة المشتركة في حي الصباغ. تم اعتقالنا لأننا لم نكن بوارد مواجهة القوة وخيراً فعلنا. المهم اثناء وجودنا في السجن المذكور حضر المناضل الكبير الأسير المحرر سكران سكران، رآنا خلف القضبان فعرفني وبانت فوراً عليه علامات الغضب، وسألني ماذا تفعل هنا؟ قلت له كما ترى محبوسان أنا وصديقي – رحمه الله استشهد فيما بعد- فصاح على الحراس وبوجه الحاج اسماعيل وقال له كيف تعتقلون الشباب ونحن نقاتل الاحتلال والسجانون الصهاينة.. وبعد لحظات أطلقوا سراحنا أنا وصديقي والشكر في ذلك يعود لأبي محمد سكران، الذي كلما إلتقيت به في برلين خلال ال 15 سنة الأخيرة كنت أقوم بتذكيره بالحادثة.

إعداد نضال حمد وذاكرة مخيم عين الحلوة وموقع الصفصاف

٢٤-١٠-٢٠٢٢