الشهيد عبد الناصر السعدي 1965-1985 – نضال حمد
من سجل شهداء مخيم عين الحلوة وذاكرة النضال والمخيم …
كل دولة في العالم لها سفراء وقناصل في دول العالم. وكل عائلة أو عشيرة في مخيماتنا الفلسطينية في لبنان ومنها عاصمة المخيمات عين الحلوة، لها أيضاً سفراء شهداء في النضال والكفاح والمقاومة على تحرير فلسطين كل فلسطين. وفي سبيل حماية المخيمات الفلسطينية من التصفية والارهاب والمجازر والأعداء الذين ينطقون بالعربية وما هم عرباً.
ومن سفراء مخيم عين الحلوة وصفورية هناك الشهيد عبد الناصر السعدي، بطل قصتنا اليوم، الذي استشهد وهو في ريعان الشباب وفي عز العطاء، يوم العاشر من نيسان 1985 حينما تمكن أبطال مخيم عين الحلوة من اقتحام مواقع الجعجعيين الانعزاليين الفاشيين، عملاء الكيان الصهيوني على التلال المحيطة بمخيم عين الحلوة. كما أستشهد يومها أبطال آخرين منهم: جمال زعطوط وتيسير الشايب ومحمود المدد ونور الدين نمر عيسى وفضل أبو علي وأحمد قاسم و جمال دحابرة وغيرهم من خيرة شباب مخيم عين الحلوة وهناك شهداء آخرين من مخيمات لبنان الأخرى مثل الشهيد أحمد داوود من مخيم البداوي. الذين أفتدوا شعبهم ومخيمهم بحيواتهم.
وُلِد الشهيد عبد الناصر السعدي في مخيم عين الحلوة عام 1965 .. تعود أصول عائلته الى بلدة صفورية قرب الناصرة في فلسطين المحتلة. أكمل الشهيد دراسته الابتدائية والتكميلية في مدارس الأنروا بالمخيم ثم تابع دراسته الثانوية في مدرسة الكفاح أيضاً في المخيم.
بعد الاحتلال الصهيوني للبنان عام 1982 وانسحاب القوات الفلسينية عقب حصار بيروت الشهير، وفي ظل الظروف الصعبة التي عاشتها المنطقة وبالذات المُخيمات الفلسطينية ومن ضمنها وبالأخص عاصمة الشتات، مخيم عين الحلوة. الذي تعرض للدمار والجرف بعد وقبل سقوطه بيد الصهاينة في حزيران – يونيو 1982. حيث نتج عن ذلك تدمير وجرف أحياء كاملة في المخيم. وفي ذلك الوقت كانت عمليات الاعتقال الصهيونية تطال غالبية رجال وشباب المخيم. فيما مجموعة المتساقطين من العملاء كانت تعيث فساداً وخراباً وعذابا بالمخيم وناسه. وكانت تعتدي على السكان وممتلكاتهم، متمتعون بحراسة وحماية الاحتلال الصهيوني. في تلك الحقبة العصيبة من عمر مخيمنا عين الحلوة أخذت مجموعة من شباب وفتية المخيم على عاتقها البدء بمواجهة الصهاينة وعملاءهم المجرمين. فأخذت تتشكل مجموعات فدائية سرية من هؤلاء الشباب أبناء المخيم من أجل الدفاع عن الناس وعن المخيم.
في ذاك الوقت كان عبد الناصر من ضمن هؤلاء الشبان الذين تفرغوا مباشرة للعمل المقاوم .. فقد أسس مع بعض رفاقه مجموعة فدائيّة سريّة أطلقوا عليها إسم – قسماً عائدون- وتبِعت لاحقاً لِحركة فتح، وكان لها دورٌ فعال في المقاومة حيث شاركت بالعديد من المهام مع بعض الخلايا أو المجموعات الرئيسية الأُخرى، التي كان لها دورٌ هام أيضاً في ذلك الوقت، في مواجهة الصهاينة والعملاء والعمل المسلح ضد المحتل وعُملائه. كانت بعض المجموعات قد تأسست في الأشهُر الأولى من الإجتياح، مثل “محكمة الشعب” محسوبة على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومن قادتها الشهيدان زاهر السعدي ومحمد خضلر المقدح.. و مجموعة “حتما سنلتقي” التي كانت تحسب على جبهة التحرير الفلسطينية مع وجود مناضلين في صفوفها غير منظمين ومتفرغين في جبهة التحرير. كما كانت هناك خلايا فدائية أخرى كنا كتبنا عنها في مناسبات سابقة.
يقول أحد رفاق دربه: “شارك ِ الشهيد عبد الناصر مع رفاق دربه بتنفيذ العديد من المهام و العمليات ضد الإحتلال و مواقعه المنتشرة في مدينة صيدا وحيث تواجد العملاء.، كانت العمليات تشمل بالغالب خط الغازية – سينيق – المدينة الصناعية، وخط دوار الأمريكان-السراي -الراهبات، وصولا الى حي البستان الكبير في صيدا، دوار “القناي” قرب حارة صيدا … و غيرها من المهام التي كانت تنفذ داخل مخيم عين الحلوة”.
يقول رفيق درب آخر له وهو الرفيق والصديق المشترك خالد زعطوط: “بعد الإنسحاب الصهيوني من صيدا ومناطق أخرى من الجنوب اللبناني. من شباط 1985 و بعدها بفترة وجيزة بدأت معركة الكتائب والقوات الانعزالية شرق صيدا. كان عبد الناصر من الشباب الأوائل الذين وصلوا الى تلة جبل الحليب، حيث اتخذوا المواقع الأمامية وبدأوا مباشرةً بتحصينها وتدشيمها. كانت تلك المواقع مواجهة وقريبة جداً من مواقع ودُشِم قوات جعجع. كان ذلك لمنع تلك القوات من السيطرة على تلة جبل الحليب لما قد تسببه من أذى للمخيم وتحكم بحيوات أهله في حال سيطرتهُم عليها”.
وأضاف الرفيق خالد “استمرت المعركة على مدار ما يقارب الشهر. تعرض خلالها المخيم كما المواقع المنتشرة في جبل الحليب للعديد من عمليات القصف المدفعي العشوائي والقنص والرشقات النارية المتعددة بهدف محاولات التقدم. لكن مع تواجد المقاتلين من أبناء المخيم وبرغم أسلحتهم الخفيفة التي كانوا قد إحتفظوا بها خلال الإجتياح، ورغم النقص الحاد بالذخيرة والعتاد في ذاك الوقت،إلا أنهم إستطاعوا الصمود وإيقاف القوات المعادية عند الحدود التي لا تؤثر كثيراً على المخيم”.
إستمر تراشق المحاور الى أن جاء يوم العاشر من نيسان 1985 حيث تم إتخاذ قرار اقتحام مواقع قوات جعجع. في ذلك اليوم قامت مجموعة من أبطال المخيم بالتسلل الى تلك المواقع بهدف السيطره عليها. إلا أنه تم إكتشاف عملية التسلل وأشتبكت المجموعات مع تلك المواقع موقعة الخسائر الفادحة فيها. نتيجة الاقتحام والاشتباكات في ذلك اليوم التاريخي استشهد العديد من الشهداء وسقط بعض الجرحى.. وانتقاماً من اقتحام مواقعهم بدأت مجرمو عصابة جعجع بالقصف العشوائي على المخيم والمواقع الأمامية بواسطة مدافع الهاون من مواقعهم الخلفية.
بحسب أحد رفاقه وأخوته ” في ذاك الوقت كان عبد الناصر مسؤولاً عن أحد المواقع اللأمامية المواجهة تماما لمواقع العملاء. في تلك الليلة قبل عملية الإقتحام بساعات قام هو وبعض الإخوة ورفاق الدرب بزياره الى احد المواقع المجاورة للقاء وزيارة بعض اأاصدقاء ورفاق الدرب. وأخذ وقت من الراحة معهم، فكانت جلسة وسهرة رائعة بحسب بعض رفاقه واخوته، تبادلوا خلالها المزاح والنكات والغناء وكأنها كانت ساعات الوداع في ذلك اللقاء الأخير”.
بعد السهرة وعند الفجر، أي مع إقتراب فجر العاشر من نيسان، أي قبل عملية التسلل و الإقتحام قرر الشهيد عبد الناصر ومن معه أن يعودوا إلى موقعهم وينضموا إلى باقي المقاتلين الموجودين في الموقع الأمامي. لكن بعد وصوله إلى الموقع بوقتٍ قصير وبعد إكتشاف عملية الاقتحام وبدء الإشتباك مع العدو واشتداد قصف قوات جعجع على المخيم، خرج الشهيد عبد الناصر الى مدخل الموقع المطل على المخيم ليرى أين يقع القصف، في تلك اللحظة سقطت قذيفة هاون مباشرة على مدخل الموقع في الدشمة، في مكان تواجده، مما أدت لإصابته إصابه مباشرة، على الفور تم نقله الى المستشفى في صيدا حيث أعلن هناك عن استشهاده.
المجد والخلود للشهيد عبد الناصر السعدي ولكل شهداء معركة العاشر من نيسان 1985 ولكل شهداء شعبنا وقضيتنا وثورتنا.
نضال حمد
10 نيسان – ابريل 2021