الصفقة وإعلانها.. لم الآن، وما الهدف، وماذا بعدها؟! عبداللطيف مهنا
ثلاث سنوات وصهاينة البيت الأبيض يعدّون، ويمهّدون، ويسرّبون بالونات التمهيد، ويلوّحون باقتراب إعلان صفقة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، والتي،كما هو معروف، صاحب امتياز ابتداعها الأصلي هو نتنياهو.. لم يعلنوها طوال هذا الوقت، ولم ينفكّوا يؤجلون مواعيداً تواترت ضربوها لفك طلاسم أحجيتها المكشوفة لأمرين:
الأول، هو علمهم علم اليقين أنها، ولتصفويتها الفجَّة والفاقعة والمفضوحة، لن يجروء حتى متصهين عربي من عربهم على تبنيها ولا حتى فلسطيني اوسلوي من اوسلوييهم على قبولها، بمعنى أن تمريرها يحتاج لقوننتها الأمر الذي هو في حاجة لطرف ثان يتبنى ويقبل ويوقّع ولا يخشى تحمُّل وزر وتداعيات تبنيها وقبولها..
وفي هذه الحال، ونأتي للأمر الثاني، لا مندوحة من البدء بفرض وقائعها وعلى الوجه الذي جرى عبر السنوات الثلاث التي هي عمر حوك وإطلاق حكايتها.. نقل السفارة، القدس عاصمة لمحتليها، شطب حق العودة، شرعنة المسار التهويدي للضفة، أو دفن سائر ما تدعوه كارثة أوسلو “قضايا الحل النهائي”..
وكل هذه وتلك كانت من منجزات ترامب عبر ذات السنوات الثلاث التي هي عمر رئاسته الأولى، وكلها قوبلت بالموقفين المخزيين العربي والفلسطيني المعروفين والذين ليسا في حاجة للخوض في انحطاطهما.
الآن ماذا عدا ما بدا، لم كل هذا الاستعجال في نصب خيمة بازار البيت الأبيض التصفوي على يد نجميه، دلال مزاده وراعيه ترامب، ومقرره نتنياهو، وضيف شرفه غانتس، وعلى الوجه الذي تم؟! إنه، وأيضاً لأمرين:
الأول، إن كلا صاحبي الصفقة، الأصيل والمتعهّد، المهندس والمقاول المتبني، هما في حاجة لمثل هذه الهمروجة التصفوية.. ترامب يريدها ملهاة تسهم في صرف الأنظار عن محاكمته تحت طائلة عزله والجارية الآن في الكونغرس، ولشحذ والاحتفاظ بتأييد قاعدته الانتخابية الخالصة والصماء حتى الآن، الصهاينةً اليهود والمتصهينيين المسيحيين الإنجيليين والعنصريين البيض، والمحافظة علىيها.
ونتنياهو، المهدد بولوج السجن لقضايا فساده التي تلاحقة وعلى وشك فتحها له باب زنزانته، كسالفه أولمرت، والذي يرى كسائر القوى الصهيونيه في الكيان أنها، وحيث الحال العربية والفلسطينية على ماهي عليه، “فرصة تاريخية” للإجهاز على القضية الفلسطينية والتفرَّغ لتسيُّد الكيان الصهيوني دنيا الخواء العربي عبر خليجه واستدامته وجوده وتسيّده، يجد فيها، في الصفقة، القشة التي تنقذه بحشد غلاة اليمين العنصري الذي يتسيَّد الآن جمهرة مستعمري الكيان لفوز حزبه في الانتخابات التي تقترب استحقاقاتها، أو اجبار غريمه غانتس على إئتلاف يمنحه الحصانة وينقذ مستقبله السياسي.
لن نفعل مثل اللاهثين وراء تسريبات تفاصيل الصفقة، والتي على وشك الإعلان ونحن نكتب هذه السطور، المكتوب بائن من عنوانه، لكن نقول:
ربَّ ضارة نافعة، بعد إعلانها ليس هو ما قبلها، تهتكت آخر مستورات الواقعين الرسميين العربي والفلسطيني، وزد عليهم الدولي ب”مجتمعه وشرعيته وقوانينه”. سقطت شرعية القطريات الغير شرعية أصلاً لنتوجها جراء تجزئة وشرذمة وانتفاء استقلال أمة، سقطت أوسلو وأوهامها التسووية ونهجها التفريطي، وهي الساقطة أصلاً منذ أن كانت كارثتها، وظلت من حينه في غرفة إنعاش “التنسيق الأمني” مع الاحتلال، والآن على شعبنا إلقائها في مزبلة التاريخ هي ورموزها..
بعد اليوم لن يجروء أحد من انهزاميي أمتنا وشعبنا أن يلوك مصطلحات عار مرحلة عار أوصلت الأمة وقضيتها المركزية، والمركزية وجوداً لا توصيفاً، إلى “صفقة ترامب” النتنياهوية التصفوية.. من مثل “المسيرة السلمية”، و”حل الدولتين”، وكل “ما تضمره مقولة “السلام العادل والشامل” من خبث..
الآن، وأمام نكون أو لا نكون، لا من منجاة، شعباً وأمة، إلا بالعودة بالصراع إلى مربعه الأول، إلى المقاومة إلى خط التحرير، وعلى قاعدة ما سواها، إما كامل فلسطين أو كامل فلسطين.. وبلاه فلن تقوم لهذه الأمة قيامة ما دام هذا العدو في فلسطينها ولم يجتث من كاملها.. وتذكروا، امبراطورية الشر الأميركية في بدايات انحدارها وفي دربها للآفول، وهذا العدو ومعه متصهينينا أوهى من بيت العنكبوت.