الصهاينة والترحيب بفوز هتلر – د. غازي حسين
اتفقت النازية والصهيونية على التخلّص من اليهود في ألمانيا وترحيلهم إلى فلسطين لحل المسألة اليهودية في أوروبا بإقامة إسرائيل فيها ، وانطلقت الأيديولوجيتان الاستعماريتان والعنصريتان من نظرية التفوق العرقي وتحقيق المجال الحيوي للنازية في أوروبا وللصهيونية في الوطن العربي وبقية بلدان الشرق الأوسط .
انتقلت الصهيونية بعد موت المؤسس ثيودور هرتسل من فيينا إلى برلين نظراً لكثرة اليهود في ألمانيا وسيطرتهم على أهم الميادين في المجتمع الألماني بعد هجرتهم إليها من بلدان أوروبا الشرقية .
دعت أول حركة صهيونية ألمانية في عام 1864 لاستيطان اليهود في فلسطين ، وتأسست المنظمة الصهيونية في ألمانيا عام 1902 كجزء من الحركة الصهيونية العالمية التي أسسها هرتسل بزعامة ماكس بودنهايمر في فرانكفورت ، وفتحت لها مكتباً في برلين إبّان الحرب العالمية الأولى .
رفض يهود ألمانيا الانضمام إل الحركة الصهيونية وآمنوا بالاندماج في المجتمع الألماني ، وكانوا من المعادين للصهيونية، وفتحت الحركة الصهيونية الأم مكتباً في كوبنهاجن ومكتباً آخراً في بريطانيا .
واهتم زعماء النازية بإنجاح المشروع الصهيوني في فلسطين بمنع اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية واستغلالهم وتعاطيهم بالربا وانغلاقهم على أنفسهم وكراهيتهم لغير اليهود وتهجيرهم إلى فلسطين العربية .
كتب فيلسوف النازية الفريد روزنبيرغ (وهو من أصول يهودية) في كتابه : محاكمة اليهود في العصور الغابرة عام 1927 يقول : ” يجب تقديم العون الفعّال للصهيونية حتى يمكن نقل أكبر عدد ممكن من اليهود الألمان إلى فلسطين سنوياً” .
وعندما تولّى الحزب النازي السلطة في ألمانيا في كانون الثاني عام 1933 بدأ التضييق على اليهود الاندماجيين غير الصهاينة الذين اعتبروا ألمانيا وطنهم الحقيقي وليس فلسطين لحل المسألة اليهودية في اوروبا.
وكتب روبرت ويلتش رئيس تحرير جريدة جويش روندشاو في افتتاحية 4 نيسان 1933 قائلاً : “لقد قدمت ألمانيا النازية فرصة تاريخية لتأكيد الهوية اليهودية واستعادة الاحترام الذي فقده اليهود بالاندماج أنهم مدينون لهتلر” .
ورأت الحركة الصهيونية في تولّي هتلر للسلطة فرصة ذهبية لإجبار اليهود على الرحيل إلى فلسطين لإقامة إسرائيل فيها .
ورحب الحاخام جوهانسيم برينس الذي أصبح نائباً لرئيس المنظمة الصهيونية العالمية في عام 1934 باستلام هتلر للحكم في ألمانيا قائلاً :
“نريد استبدال قانون الاندماج بقانون جديد يعترف بالانتماء إلى العرق اليهودي والأمة اليهودية ، إنّ أمة مبنية على نقاء العرق لا يمكن إلّا أن تكون محترمة ومؤيدة من قبل اليهودي” .
تبلورت العلاقة الرسمية بين ألمانيا النازية والحركة الصهيونية بتوقيع اتفاقية هافارا عام 1934 والتي سمحت بتهجير اليهود الألمان إلى فلسطين وتعويضهم عن ممتلكاتهم ، وصادرت أموال اليهود الذين لم يهاجروا إلى فلسطين ، واستعاد اليهود أملاكهم بموجب اتفاقية التعويضات التي وقعها اديناور مع بن غوريون عام 1952.
ودعم المؤتمر الصهيوني الثامن عشر الذي انعقد في براغ في آب عام 1933 سياسة الحركة الصهيونية حول التعاون بين النازية والصهيونية ، وقرر المؤتمر الصهيوني التاسع عشر عام 1935 بوضع اتفاقية هافارا تحت الإشراف المباشر للجنة التنفيذية الصهيونية ، وعندما طالب الحزب النازي بوقف العمل باتفاقية هافارا أصدر هتلر في كانون الثاني عام 1938 تعليماته بالالتزام بها وتوجيه الهجرة اليهودية فقط إلى فلسطين، وأبلغت أجهزة الحزب النازي الوزارات المختصة بقرار هتلر باستمرار تشجيع الهجرة اليهودية بجميع الوسائل إلى فلسطين ، وظلّ العمل مستمراً في اتفاقية هافارا حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية .
وأكّد روزنبيرغ فيلسوف النازية في مقابلة مع صدى باريس في 30/05/1935 أنّ مسؤولي الرايخ ينتظرون من الصهاينة اليهود تشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين .
وكتبت جويش روندشاو بتاريخ 17/09/1935 افتتاحية جاء فيها : ” إن ألمانيا تستجيب لمطالب المؤتمر الصهيوني العالمي إذ تعلن أنّ اليهود المقيمين حالياً في ألمانيا هم أقلية قومية ” .
وكتبت جريدة شفارتس كوربس النازية في 26 أيلول 1935 قائلة : “إنّ الاعتراف بالمجموعة اليهودية كجماعة عرقية تقوم على الدم لا على الدين تقود الحكومة الألمانية إلى ضمانة الوحدة العرقية لهذه الجماعة ، وتجد الحكومة نفسها على اتفاق تام مع الحركة الكبيرة لهذه المجموعة التي تسمي نفسها الصهيونية وترفض الاندماج ، وعلى هذا الأساس تتخذ ألمانيا المبادرة إلى تدابير ستلعب بكل تأكيد دوراً ذا دلاله في حل المسألة اليهودية في العالم ” .
وأقرّت ألمانيا النازية في مؤتمر فان سي ببرلين عام 1941 تحقيق الحل النهائي للمسألة اليهودية بالتهجير القسري لكل يهود ألمانيا وأوروبا إلى فلسطين .
وتثبت وثائق مؤتمر فان سي كما أثبت المؤرخون الألمان أن الحل النهائي يعني ترحيل اليهود خارج ألمانيا أي إلى فلسطين أو نقلهم إلى معسكرات الاعتقال وإلى مدينة تريزينشتادت اليهودية في براغ (التي منحتها النازية الحكم الذاتي )ولا يعني الإبادة الجماعية كما فسره المنتصرون في الحرب العالمية الثانية والأكاذيب الصهيونية .
إنّ الإبادة الجماعية والترحيل لم يقتصر على ألمانيا النازية بل طبقتها وتطبقها إسرائيل بحق شعبنا العربي الفلسطيني منذ النكبة والهولوكوست الاسرائيلي ومروراً بالسفاح شارون وحتى اليوم ، وذلك انطلاقاً من الأطماع والخرافات والأساطير والأكاذيب التي رسّخها كتبة التوراة والتلمود ، ومن الاختيار والتفوّق العرقي اليهودي الذي هو جوهر العنصرية الصهيونية .
وكان الجستابو الألماني يعمل على تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين فقط بالتعاون مع الوكالة اليهوديةوممثل الموساد في برلين وفيينا .
طالب مفتي القدس وبحق وقف العمل باتفاقية هافارا وبوقف الهجرة اليهودية وشراء أسلحة ألمانية، كما طالب يونس السبعاوي وزير خارجية العراق بوقف العمل باتفاقية هافارا ، إلا أنّ هتلر أمر باسئناف سياسة الهجرة اليهودية ، ورفضت ألمانيا النازية بيع السلاح للقائد الفلسطيني الحاج أمين الحسيني.
واتخذ هتلر هذا الموقف لكي لا يغضب بريطانيا والصهيونية ويحقق قناعاته بتنظيف ألمانيا من اليهود وتهجيرهم إلى الصحراء العربية على حد قوله إلى فلسطين العربية لإقامة إسرائيل فيها لحل المسألة اليهودية في أوروبا على حساب حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية .
زعم الكذّاب نتنياهو أن المقاومة الفلسطينية والنازية تخرجان من رحم واحد، وأنّ اليهود في فلسطين سيلقون هولوكوست جديد إن لم يقف العالم مع إسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية التي نعتها بالإرهاب ، وجاء الرد من اليهود الأرثوذكس الذين كتبوا على النصب التذكاري يادفاشيم في القدس المحتلة العبارة التالية : ” شكراً يا هتلر على المحرقة النازية ، فبفضلك حصلنا على دولة من الأمم المتحدة ،والصهاينة يمارسون البطولة على الفلسطينيين المجردين من السلاح” .
زالت جميع الأيديولوجيات العنصرية في العالم كالنازية في ألمانيا والحركات اللاسامية في أوروبا والفاشية في إيطاليا وإسبانيا والعنصرية في روديسيا والبرتغال والأبارتايد في جنوب إفريقيا، والاستعمارالاستيطاني الفرنسي في الجزائر ومصير الكيان الصهيوني في فلسطين ككيان صهيوني زاستعمار استيطاني وعنصري وإرهابي وغريب عن المنطقة ودخيل عليها إلى الزوال .