الصهيونية وسلاح معاداة السامية
نضال حمد
معاداة السامية عبارة صغيرة من كلمتين فقط لا غير لكنهما كبيرتان بحيث بأمكانهما إطاحة أكبر الرؤوس في العالمين الغربي والأجنبي، لأنهما الشعار العملي والفعال للصهيونية العالمية، التي تنتشر من مدن وقرى فلسطين المحتلة حتى أكبر القلاع العنصرية الصهيونية الحصينة في باريس ونيويورك و غيرهما من مدن وعواصم العالم.
على علاقة معاداة السامية تعلق كل الأعمال (الاسرائيلية) المخالفة لكل الشرائع والقوانين الدولية. فعندما تقوم (اسرائيل) بعمل ما مخالف للقوانين، ويقوم أحد السياسيين أو المثقفين بإدانتها، سرعان ما تظهر على السطح جماعات التصهين والمتصهينون من الأوروبيين والأمريكيين، يقوم هؤلاء بترديد المعزوفة المملة، المعروفة، معزوفة معاداة السامية والكراهية لليهود.
لقد عرفنا على مر الزمن حملات كثيرة ضد كل من أيد الشعب الفلسطيني أو القضايا العربية وأعلن أو أتخذ موقفا من (اسرائيل) وما تقوم به من جرائم وخرق للقانون الدولي وحقوق الانسان في فلسطين المحتلة، كما في البلاد العربية المجاورة لفلسطين المحتلة.
فهذه الحملات أصبحت مكشوفة ومعروفة عند الشعوب والمؤسسات والحكومات والأحزاب والجماعات، لكن ثمة فئات من هؤلاء تخاف من مجرد ذكر الكلمتين ” معاداة السامية “. لذا نراها تستلم للمعزوفة وتقوم بمحاربة الذين صرحوا أو أعلنوا مواقفهم التي تدين اعمال (اسرائيل) أو تتحدث عن مقارنة وتشبيه بين أعمال الاجرام النازية ضد اليهود في أوروبا وحول الاعمال الاجرامية المشابهة التي تقوم بها (اسرائيل) اليهودية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني.
هذا ما حصل مؤخرا مع رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد الذي أطلق تصريحات قوية ومدوية عبر خلالها عن رأيه الصريح، حيث قال أن اليهود يتحكمون بالعالم من خلال نفوذهم المالي، ويرسلون الآخرين للموت من أجل قضاياهم. وما أثار اليهود والصهاينة والمتصهينين من المسيحيين الأوروبيين والأمريكان قول مهاتير محمد ” الأوروبيون قتلوا ستة ملايين يهودي من أصل ال21 مليوناً، لكن اليهود يقومون اليوم بادارة العالم بالوكالة ويجعلون الآخرين يقاتلون ويموتون بدلاً عنهم ولأجلهم”.
كلام مهاتير محمد ليس سوى بوح بالحقيقة التي يخاف التطرق لها أو الحديث عنها حتى أكبر رؤساء العالم وملوكه وحكامه، فالدول الديمقراطية الغربية مثل فرنسا والمانيا وايطاليا وبريطانيا حاربت كل من حاول التطرق لموضوع المحرقة والنفوذ اليهودي في أوروبا والعالم. وخير دليل على ذلك الحملات التي أقيمت ضد المفكر والفيلسوف الفرنسي (المسلم)، الشيوعي سابقاً روجيه غارودي، وكتابه القيم والهام ” الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية” . حيث منع الكتاب من النشر وصودر من الأسواق، وكانت هذه أول مرة في التاريخ يمنع في فرنسا نشر كتاب. كما حصلت حملة مشابه مع كتاب الفتاة المصرية الشابة التي كتبت عن أحلام الأطفال والشباب الفلسطيني، واتهمت بدورها بمعاداة السامية وأتهم كتابها بالتحيز ضد الشعب الذي يدعي أنه مختارا من قبل الله.
هناك تواطؤ غربي مع يهود العالم ويعود ذلك لكون اليهود وحركتهم الصهيونية فعلا يتحكمون بالمال ويملكون نفوذا هائلا في مجالات عدة من مجالات الحياة في أوروبا وأمريكا خاصة والعالم بشكل عام. فقوة الاحتكارات اليهودية العالمية موجودة ومنتشره في جميع قطاعات الاقتصاد والتجارة والنظام المصرفي والأسواق والأوراق المالية والأسهم والعملات والمؤسسات المالية والفنية والاعلامية وفي غيرها من مجالات التجارة والأعمال المشروعة والأخرى غير المشروعة.
بعد هذه النظرة السريعة عن قوة هؤلاء الناس يستطيع الانسان فهم حجم السيطرة اليهودية الصهيونية على مؤسسات صنع القرار والاعلام في أمريكا بشكل شبه تام وبشكل اقل في أوروبا الطبيعية.
ضمن هذه الأجواء تجري في هذه الأيام حملات التحريض الصهيونية ضد الموسيقار اليوناني الكبير ميكيس ثيودراكيس الذي قال في مؤتمر صحافي، وذلك بحسب وسائل اعلام (اسرائيلية): ” أن هذه الأمة الصغيرة ( اليهود) اساس الشر في العالم”.
معروف أن الموسيقار اليوناني الشهير كان قد وضع لحنا خاصا يتمتع بشهرة دولية، كرسه عن معاناة اليهود على يد النازية، ورغم هذا يقوم الصهاينة بحملة قوية ضده، يقودها كل من وزير القضاء تومي لبيد الذي قال أن ” ثيودراكيس يردد شعارات نازية”، وكذلك وزيرة المعارف ليمور لفنات. لكن الموسيقار اليوناني قال ” أن موقفه من السياسة (الاسرائيلية) ليس جديدا ولم يتغير ابدا، وأنه يمكن للشيطان فقط أن يتهمه هو شخصيا باللاسامية ” كما جاء في موقع عرب48 هذا اليوم.
هذه المواقف والتقلبات في الرأي العام الأوروبي الذي أظهر أن أكثريته تعتبر (اسرائيل) أخطر دولة في العالم وتشكل تهديدا للسلم والأمن العالميين. جعل شمعون بيرس رئيس حزب العمل (الاسرائيلي) يقول بعد زيارته الأخيرة لليونان أن هناك موجة من اللاسامية والعداء (لاسرائيل) تجتاح اوروبا، وعزا ذلك للصور القاسية التي تعرضها التلفزة الدولية للاعمال (الاسرائيلية).. صور لتدمير المنازل الفلسطينية، وللنساء الباكيات على أطلال منازلهن، وما تقوم به الطائرات والدبابات الصهيونية.
لكن بيرس المخضرم ،الثعلب، لم يقل سوى القليل من الحقيقة، فالصور ليست السبب الأول والرئيسي إنما أعمال (اسرائيل) العنصرية والاجرامية، الفاشية والدموية، غير القانونية، المخالفة لكل شرائع الأرض والسماء، وجودها كقوة احتلال دموية… هي السبب الحقيقي في تغير الرأي العام الأوروبي وتبدل المواقف، هذه التبديلات والتغيرات ليست نتيجة موجة معاداة السامية بل نتيجة عنصرية صهيونية تعمل بوقاحة وبلا خجل ودون حياء، مستندة في اعمالها الى مقولة أنهم شعب الله المختار، وفي هذا الكثير من الهراء والاستهتار بعقول البشر.
بعيدا عن اليونان وموسيقارها الكبير بألحانه ومواقفه من القضايا الانسانية، قضايا الحق والحرية، سنتحدث هنا أيضا عن عضو البرلمان الالماني مارتين أومان الذي تجرأ ودخل في المحظور في أعتى قلاع الصهيونية، في ألمانيا حيث يرتجف الالماني لمجرد ذكر معاداة السامية، فتاريخ الأعمال النازية ضد اليهود لازال جاثما بقوة على الالمان، يمنعهم من التعبير عن مواقفهم الحقيقية من (اسرائيل) واعمالها الشبيهة بأعمال النازية.
مارتين أومان خالف قوانين المواقف الألمانية حين قال في احدى المناسبات عبارة ” اليهود جناة ” مما خلق ضجة اعلامية وسياسية كبيرة في المانيا، واصبح حديث الصحافة ووسائل الاعلام المحلية والعالمية.
اتسعت دائرة الحملة على أومان حتى وصلت الى المطالبة باخراجه من الفريق البرلماني للحزب المسيحي الديمقراطي المعارض ثم طرده من الحزب، إذ قال الكاتب العام للحزب مايير لورانس أن تصريحات أومان تجاوزت الحدود، طبعا لم يكن موقف الحزب المسيحي مستغربا لأن كافة الأحزاب السياسية المسيحية الاوروبية تعتبر أحزابا متصهينة بالمعنى الصهيوني الحقيقي. وهي من أشد أنصار (اسرائيل) والحركة الصهيونية،كما وتُعتَبِر معركة (اسرائيل) مع الفلسطينيين معركتها ضد الشرق العربي بمسلميه ومسيحييه معا.
لعل القارئ يذكر بول فندلي العضو السابق في الكونغريس الأمريكي ومواقفه المعارضة لسياسة (اسرائيل) واللوبي اليهودي الصهيوني في امريكا، كذلك مواقفه الصلبة، المؤيدة للحقوق العربية العادلة، وكيف قامت الحرب عليه من كل صوب وحدب، من أجل إسقاطه وإنجاح بديل صهيوني أو متصهين في مكانه. نستغل الفرصة و ننصح القارئ الكريم بقراءة كُتُب بول فندلي الثلاثة وهي ” من يجرؤ على الكلام “و ” الخداع” و ” لا سكوت بعد اليوم “. جميعها مترجمة للغة العربية.
ولعله من واجبنا تذكير القارئ هنا أيضا بما قاله الجنرال ديغول في معرض انتقاده للسيطرة اليهودية، فقد قال في 1968 ” ان اليهود أمة تنزع للسيطرة ” فهل ديغول كان معاديا للسامية وهو الذي دعم (اسرائيل) بالاسلحة والتقنية والمواقف.
في خضم هذه الحملات على كل من يقول ان سياسة (اسرائيل) اجرامية وان اليهود لم يعودوا وحدهم الضحية بل أصبح الفلسطيني ضحية العنف والاجرام اليهودي المنظم. يحضرني الآن الموقف المبدئي والقوي لرئيس وزراء النرويج الاسبق كوري فيلوخ، الذي دعا قبل أيام قليلة في كلمة القاها امام جمهور نرويجي كان يتظاهر ضد بناء الجدار العازل في فلسطين إلي العمل علي إسقاط الجدار العازل الذي تبنيه (إسرائيل) في أراضي الضفة الغربية المحتلة. كما ووصفه بأنه جدار العار. وأدان موقف الحكومة النرويجية من الكيان (الاسرائيلي) وأعتبره هروبا من الحقيقة. للعلم فإن كوري فيلوخ يعتبر من القيادات النرويجية الأكثر شعبية بالرغم من كبر سنه واعتزاله العمل السياسي، و يعتبر الآن من المساندين الأساسيين للقضية الفلسطينية في النرويج، بعدما كان في السابق من مناصري (اسرائيل) الاساسيين.
لن أسغرب إذا ما قرأت اليوم أو غدا أو بعد اسبوع أو شهر أو سنة اتهامات صهيونية لكوري فيلوخ تتهمه بمعاداة السامية، على خلفية موقفه المبدئي والشجاع من (اسرائيل) وجرائمها، ومن الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني. فللصهيونية العالمية سلاح ماضٍ وفعال هو عبارة معاداة السامية، لكننا نقول أيضا أن هذا السلاح بدأ يتحول لسلاح ذو حدين…
الصهيونية و سلاح معاداة السامية
بقلم : نضال حمد
2003-11-13