الضفة «مغلقة»… هل يفتحها أبو عين؟ -بسام رجا
بين الزنزانة في شيكاغو وزنزانة الاحتلال في وطن الزيتون، كان قلبه يردد: «لا تسل عن سلامته روحه فوق راحته». يترجل القائد الفلسطيني المتقشف زياد أبو عين شهيداً في قسوة مرحلة سياسية فلسطينية وعربية رسمية، لم تعرفه ولم تقرأ تاريخ الرجل الذي لم يَقل إلا القليل من احتقان في صدره وفي عيون أهل الضفة التي كبلتها قيود التفاوض، حين غاصت حتى الرؤوس في وحل تسويات واتفاقيات أخرجت الزيتون من حساباتها.
وفتشت عن دهاليز التفاوض السري لتوقع «أوسلو» وتحتفي به نافضة ثقل قضية أرهقتها وكبلتها لعقود في خطاب سياسي مترنح يرقب طقس الولايات المتحدة الأميركية ضامنة أمنها وعروشها.
… لم تَلتقط إشارة قلب زياد
«التهدئة» هذا ما طلبته الأجهزة الأمنية في رام الله من حركة «فتح» – ما يؤكده ناشطون فلسطينيون في الضفة الغربية – وتبرير ذلك أنّ الحالة غير مواتية وعلينا أن نُحرج العالم وفق ما ستطرحه السلطة الفلسطينية في نهاية هذا الشهر من مبادرة تقدم لمجلس الأمن للاعتراف بدولة فلسطينية خلال عامين. «الهجوم» الفلسطيني ليس جديداً، فقبل أكثر من ثلاثة أعوام، هدد السيد أبو مازن بالصيغة ذاتها (صيغة التوجه لمجلس الأمن أو حل السلطة)، ولكنه تراجع عن ذلك لضغوط مورست عليه من المملكة العربية السعودية. وما أشبه الأمس باليوم، فالضغوط ذاتها تُمارس وبصيغة فيها كثير من المقاربة، تشير إلى تأجيل طرح المشروع – المبادرة، والتعاطي مع المبادرة الفرنسية التي نسقتها مع بريطانيا وألمانيا برعاية واشنطن، وأهم بنودها الاعتراف بالدولة اليهودية مع تبادل للأراضي لدولة على حدود 67 خلال 3 سنوات، والذهاب إلى مؤتمر دولي (حق العودة أُسقط من المبادرة التي تنقذ الاحتلال بالدرجة الأولى وتعفي واشنطن من إحراجات كثيرة).
« بروتوس» التنسيق الأمني مجدداً
ليس «بروتوس» هذه المرة بمظهر شخص واحد، بل أكثر من بروتوس يختبئون وراء دخان الحرائق التي تلتهم الضفة الغربية والقدس، وغزة المنتصرة لم تزل تضمد جراحها النازفة في ليل المساعدات التي لم تصل على حد سيف الفراق بين حماس والسلطة. بروتوس «التنسيق الأمني» خائف على انفلات الأوضاع، وروح الشهيد أبو عين قالت المقدس هو الزيتون وأرض الشهداء، و»ترمسعيا» شاهدة على زحف الاستيطان بصخرتها التي اتكأ على ظهرها جسد الشهيد. ليأتي الرد من وزير الحرب الصهيوني موشيه يعلون أنّ التنسيق الأمني مصلحة فلسطينية، وهو «لم يتأرجح ولن يتأرجح مهما كانت الظروف». ويبدو أن روح الشهيد لن تؤجل اجتماعات أمنية مع الاحتلال، ولن تكون بوابة العبور لانتفاضة ستقمعها السلطة التي ترى أن التظاهرات الشعبية هي وحدها الكفيل لاحراج الاحتلال. ولم يكن أبو عين يحمل سلاحاً لكنه قُتل على مرأى من السلطة المقيدة بحركة سيارات رئيسها.
لن تشفع كل ديباجات التهديد ووصف جريمة الاحتلال وهمجيته للسلطة أمام شارع فلسطيني ملتهب ومتفلت إلى المواجهة. وهو يرى أرضه تلتهمها نيران الاستيطان والقدس متروكة للجند والمستوطنين، والشهيد تلو الآخر، وأنظمة عربية تهدد بسحب السفراء وتعيدهم بعد تطمينات من حكومة الاستيطان بالتهدئة. وتحت رماد الطاولات اتفاقات سرية بين أنظمة عربية والكيان الصهيوني وواشنطن للحرب على المقاومة ومن يدعمها.
أما حماس، فقد ذهبت في منفعية التدرج للخروج من مأزقها المالي والجغرافي بعد أن أَحرقت أوراقها بيدها في توجهها القطري والاخواني. وهذه اليوم تلقى قراءة من كوادرها لإعادة تقويم كل المرحلة السابقة – ما تقدم به أحد قيادتها أحمد يوسف.
روح الشهيد زياد أبو عين والشهداء في القدس والضفة وغزة، إن لم تحرك السلطة وتترك الساحة للشباب الفلسطيني للمواجهة فمتى سيكون ذلك؟
الأرض التي احتضنت أبو عين لن تهدأ في ثورتها المقبلة، وستُقلب الطاولة على رؤوس من استهانوا بحركة نضال الشعب الفلسطيني.
* كاتب وإعلامي فلسطيني