الطريق الى “جورة الذهب” قصة د. حاتم عيد خوري – بقلم: فتحية امين
الطريق الى “جورة الذهب”
قصة د. حاتم عيد خوري
ما بين السرد وفن الحكاية
بقلم: فتحية امين
قلَّبت صفحاته بشوق، قرأت بضع جُملٍ مُتفرِّقة في الكتاب، أعادتني إلى أيام الزَّمن الجميل أيام الدراسة، وحكايات استاذي د. حاتم خوري المُشوِّقة ألَّتي لا تنتهي، بأسلوب سردها، ودِقَّة تفاصيلها، ومُفاجئات أحداثها، قصص وطرائف كثيرة لا تُنسى عشنا أحداثها بخيال الشَّباب، تعود اليوم إلى الذَّاكرة دُفعة واحدة لتداعب خيالي، وأنا اقلِّب صفحات كتاب د. حاتم خوري الجديد “جورة الذهب” قصص وحكايا تخيَّلت أنَّني كُنت قد سمعتُها مِن استاذي، د. حاتم خوري أيام الدِّراسة، جعلتني أتذكَّره.
لم يفاجئني بإصداره الجميل والجديد، “جورة الذهب”، الَّذي رحت أبحث عَنه لأقرأه بشغف، وها أنا بدوري اوصي بالبحث عنه وقراءته، خاصَّة فئة الشَّباب لأهميَّة القصَّة في التَّعرّف، على النَّكبة، ومُلابساتها، ولأنَّه يحمل الكثير من الرَّسائل الوطنية التَّعليمية والتَّوثيقات الَّتي لا نعرف عنها إلَّا القليل. وكما قال في قصَّة “مرِّرها”، أقول لكم إقرأ ومرِّرها، just pass it on.
“جورة الذَّهب” عنوان كتاب د. حاتم خوري، اسم بلدَة مُهجَّرة هُجِّر أهلها كباقي أخواتها مِن القرى العربيَّة في الوطن قسرًا عام النَّكبة ، ياخذنا الكاتب في جولة عبر التاريخ، المكان والزمان إلى جورة الذَّهب بأسلوب سردي مشوّق يُدهش القارئ ، مسخرًا لُغةً سلسة ذات جُمل مُكثَّفة سريعة الإيقاع دون تعقيد أو إطناب ليُزخرف مشاهد القصَّة من خلال بطلها السيد خضر الَّذي تنازل مرغمًا بعد موت أبيه عَن مِنحة دراسيَّة خارج البلاد ليستقرَّ في “جورة الذهب” مع والدته وزوجته، عفيفة أيوب، لكن سرعان ما تهاوى الإستقرار أمام ما ألمَّ بالوطن عام 48 ليجد نفسه مهجرًا في مخيَّم البص للّاجئين في لبنان.
وتبدأ رحلة العودة للوطن وما تخلَّلها من عذاب وخوف وأحداث غير مُتوقعة ومُفاجئة لم تكن بالحُسبان ليس فقط بهدف تشويق القارئ، وانما ليقدم صورة الواقع كما هو للقارئ، فقد برع الكاتب في إثراء القصة بمشاهد تصويريَّة لتضاريس المنطقة وكأنَّنا في رحلة سياحيَّة.
نجح الكاتب في شدّ أعصاب القارئ واستفزاز حواسّه وتعاطُفه مع البطل في حبكةٍ موفقةٍ تمثَّلت في اظهار القهر السّياسي والنّفسي حين راح الحاكم العسكري يفاوضه على بيته واملاكه، ولقمة عيشه في “جورة الذهب” مُقابل تمديد تصريحٍ بالإقامة والعمل والتَّنقل ممَّا جعل خضر يرزح تحت وطأة حالةٍ نفسية وإغراءات هائلة، مثقلًا بمسؤولية إتّخاذ القرار. هل يقبل مبادلة بيته، ببيت السيد “أبو عزيز” في ترشيحا؟، هل يقبل عرض الحاكم العسكري أن يُصبح مخبرًا؟ هل يقبل بالبيت الَّذي عرضه عليه الحاكم بدل البيت في جورة الذهب؟ وكقارئة شعرت بأنَّني أشارك السيد خضر في التَّخبّط والضَّغط النَّفسي وقلَّة الحيلة والصّراع الدّاخلي ما بين خوفه على مصير عائلته، ورفضه التَّنازل عن بيته في “جورة الذهب”.
أثرى الكاتب قصَّته بكمّ مِن التَّعابير والمُصطلحات الَّتي كانت مُتداولة في ذلك الوقت، بطاقة لاجئ، وكالة الغوث، حاكم عسكري، متسلل، شملة، نظام تقنين، دالول. أنهى الكاتب روايته على لسان البطل خضر: “أُريد أن أتجذَّر في وطني، هناك جذوري في “جورة الذهب”. خلاصة القول، قصة مليئة بالذَّهب وجورة الذَّهب هي واحدة من مئات جُور الذَّهب الَّتي نُكبت بالتَّهجير، ودفنت تحت التراب، تنتظر عودة أصحابها، هي صفورية، وهي ميعار، الغابسية، البروة وحطين والقائمة تطول.
كما يتحفنا الكاتب بباقة من القصص القصيرة الأخرى والحكايا التي تطرق بها الى الحياة الثقافية والاجتماعية التي لا تخلو من الفكاهة المعبّرة، كما ورد في قصة “قاعد قعدة خوري مع ابي عكرمة” وقصة “حليمة” تُظهر براعة الكاتب في فن الحكاية والسرد، له أجمل التحايا والسلام، فهو بكتابه يرشدنا الى طريق “جورة الذهب”.
كوكب 18.3.2021