الطفولة المنسية في العراق !!! – د.عامر صالح
في العشرين من نوفمبر عام 1989 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم يوما عالميا لأعلان جقوق الطفل في العالم أجمع, والعراق من ضمن دول العالم التي تعهدت لأطفالها بضمان طفولة أفضل وفقا لتوصيات أتفاقية حقوق الطفل, وفي مواد تلك الاتفاقية الدولية والمتمثلة بخصوص الطفولة بما يأتي: الحفاظ على الهوية, وحق الطفل في العيش في كنف والديه اذا لم يتعارض مع المصلحة العليا للطفل, ولم شمل العائلة, وحرية التعبير للطفل, والحماية ضد الاعتداء والاهمال, وحماية الطفل فاقد الأسرة, والخدمات الصحية, والمراجعة الدورية للأطفال النزلاء في المنازل الخاصة لأغراض الرعاية والحماية والمعالجة, أطفال الأقليات والسكان المحليين وحقهم في ثقافتهم الخاصة وممارسة شعائرهم الدينية ولغتهم الخاصة, وحق الطفل في أوقات الفراغ والتسلية والأنشطة الثقافية, وللطفل حق الحماية من أي شكل من أشكال الاستغلال !!!.
تعتبر فترة الطفولة فترة أولية من عمر الإنسان، حيث وصفها علماء النفس بأنَها فترة حساسة جدا، وهي أيضاً وفي ذات الوقت فترة مرنة من عمر الإنسان، حيث يكتسب الإنسان في هذه الفترة أطباعاً وعادات وأنماطا سلوكية تبقى ملازمة له خلال فترة حياته كلِّها، ومن هنا فقد أطلق عليها علماء النفس اسم الفترة التكوينية انطلاقا من مرونة الجهاز العصبي والدماغ بشكل خاص، حيث يتحدد فيها ذكاء الإنسان وثرائه العقلي لاحقا، وينمو فيها أيضاً نمواً متكاملاً متوازناً يحقق له ذاته في المستقبل.
إن أهميَة مرحلة الطفولة تتلخَص في اكتساب الطفل للعادات والقيم المختلفة والانماط السلوكية خلالها؛ فلو اكتسب الإنسان العادات الجيدة، والقيم والأخلاق الرفيعة فإنَه حتماً ستتشكل له اللبنات الاساسية لذلك وتخلق له فرصا مواتية للنمو السوي, أما إن اكتسب العادات السيئة والأخلاق الرديئة؛ فإنه سيكون وبالاً على المجتمع عندما يكبر وخاصة في ظل ظروف مواتية لاعادة انتاج السلوك السيئ وتعزيزه وتكراره، وهذا لا يعني أن الإنسان لا يمكن له أن يصلح اعوجاجه الذي نشأ عليه عندما يكبر، فكل شيءٍ قابل للإصلاح, والسلوك الانساني ابن ظروفه, وتغير الظروف لا بد ان ينعكس على تغير السلوك, وأن الطفل في المحصلة نتاج للظروف الموضوعية المحيطة بنشأته !!!.
العراق أحد البلدان العربية وذات الاغلبية المسلمة تعرضت فيه الطفولة العراقية الى انهيارات كبرى جراء الحروب المتواصلة وهيمنة قيم الدكتاتورية والتسلط, ثم أعقبها حروب داخلية بنكهة طائفية مقيتة, وتغيرات في البنى الثقافية والاجتماعية, واشاعة ثقافة فئوية انكفائية مغلقة, وتدهور في العملية التربوية والنفسية للطفولة العراقية, وإشاعة موقف متهاون من ضرورة التعليم والرعاية للطفولة العراقية. وهنا لا بد من تسجيل بعض ما لحق الطفولة العراقية من أضرار بليغة, تستدعي منا وقفة انسانية لمعالجة مخاطرها, وهي:
1 ـ التسرب والرسوب المتواصل للاطفال الدارسين في التعليم الابتدائي والمتوسط جراء الضغط المتواصل لظروف العيش وعدم مقدرة الأسرة العراقية للأيفاء بمتطلبات الدراسة وظروف العيش.
2 ـ انخراط اعداد هائلة من الاطفال في سوق العمل الرثة لمساعدة ذويهم وأسرهم في ظروف ضنك العيش, مما حرم الاطفال من فرص النمو الطبيعي, العقلي منه والتربوي.
3 ـ ظاهرة التسكع في الشوارع بين الاطفال كأفراد وكمجاميع شللية مما يعرضهم الى مختلف مشاريع الاستمالة, من جريمة منظمة وانحرافات خلقية وسلوكية, وحتى زجهم في مشاريع انتحارية كالارهاب وغيره.
4 ـ ظاهرة الاطفال اليتامى والذين فقدو والديهم في الحروب المختلفة, أو جراء العمليات الانتحارية كضحايا لها, وعدم تمكن مؤسسات الدولة التربوية والرعائية لأحتضانهم وتوفير الأمن والآمان لهم, مما يجعل طفولتهم في مهب الريح.
5 ـ زج الاطفال وعبر العملية التربوية بثقافة الانحياز الطائفي والتعصب الاثني من خلال تعبئة عقول الاطفال بثقافة التمترس والانغلاق الذهني والفكري في اطار ثقافة احادية الجانب وغير منفتحة على الآخر.
6 ـ النزوح المتعاظم للأطفال مع أسرهم بسبب الحروب الداخلية, أو حروب تحرير الاراضي العراقية من داعش, أو حروب التصفيات العرقية والاثنية, مما يجعل مستقبل الاطفال مجهولا.
7 ـ انتشار الاوبئة والامراض وسط مجاميع الاطفال وتجمعاتهم الشللية مما ينذر بانتشار محتلف الامراض المعدية وغير المعدية, وفي ظروف انعدام الفحوص الدورية الطبية للتأكد من سلامة الاطفال.
8 ـ أنعدام وسائل الترفيه والتسلية والانشطة الثقافية لأمتصاص الوقت الزائد لدى الاطفال وتوظيفه وجهة مفيدة لنموهم العقلي والجسدي والفكري.
9 ـ عدم الالتحاق بالمدارس الابتدائية في العمر المقرر بسبب من صعوبات مادية للأيفاء بمتطلبات النقل او عدم المقدرة في تحمل المستلزمات الدراسية من قبل الوالدين, الى جانب انخفاض الوعي لديهم بضرورة ارسال ابنائهم الى الدراسة, مما يسهم في رفد جيوش الأميين من السكان بالمزيد من الأفراد.
10 ـ تعرض الاطفال للعقاب الجسدي من قبل البيت أو المدرسة أو العنف في خارج المنزل يشكل تهديدا خطيرا للطفولة العراقية, لما يتركه من آثار وخيمة في بناء شخصية ضعيفة تستجيب بشكل خضوعي وسلبي لضغوطات الحياة المختلفة.
أن الاعلان العالمي لحقوق الطفل يشكل حافزا قويا للدفاع عن الطفولة العراقية ومحاولة للنهوض بمستلزمات الطفل العراقي في الحرية والتربية والعيش الكريم بعيدا عن الحروب والتعصب الديني والمذهبي والاثني الذي يمزق شخصية الاطفال, وتأمين فرص العيش الذي يليق بالطفولة الانسانية !!!.