الطليعة – عوني صادق
مجلة في مثل هذه الأيام من حزيران 1967، وبعد نكبة الخامس منه، انضممت لأسرة مجلة “الطليعة” الكويتية، كاتبا متطوعا حيث كنت أعمل منذ ثلاث سنوات في شركة نفط الكويت. نصف قرن كامل مرت على ذلك اليوم هو عمر نكبة حزيران! ولا أدري، ولعله الحنين لفترة كانت على الصعيد الشخصي غنية بالعمل والأمل، جعلني أتوجه إلى محرك البحث (غوغل) لأقف على آخر أخبار المجلة التي عشت معها سبع سنوات “سمان” مهنيا وعلى فترتين (1967-1970، 1973-1976) حيث أبعدت عن الكويت نهائيا. ولم أكن أتخيل أن مفاجأة كبرى في انتظاري، مفاجأة ليس فيها ما يسر على الإطلاق!
كانت المفاجأة غير السارة هي أنني عرفت أن (الطليعة) كانت قد توقفت عن الصدور وبيعت في المزاد العلني في حزيران 2016 ، على إثر حكم قضائي بتصفيتها بعد دعوى تقدم بها أحمد المنيس، نجل الراحل سامي المنيس رجل المجلة التاريخي. وبقدر ما كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة إلي، كان الحزن على هذه النهاية كبيرا.
كان عدد المجلة الأول قد صدر بتاريخ 22/حزيران/1962، لتكون لسان حال (حركة القوميين العرب) في الكويت بقيادة الدكتور أحمد الخطيب، رفيق الدكتور جورج حبش في مرحلة التأسيس. أما العدد الأخير فصدر بتاريخ 23/3/2016، وحمل مقالا للأستاذ أحمد النفيسي، أحد مؤسسي المجلة ورئيس التحرير بعد سامي المنيس، تحدث فيه عن فترة وجوده ودوره فيها، وبعض الأسماء التي زاملها وزاملته، ومؤكدا على أن المجلة “هذا الصوت لن يغيب”:
“لقد زاملت إخوان أعزاء كانوا خير رفاق، سأحاول تسمية بعضهم، وأرجو المعذرة لمن فاتني ذكره، لأنني لم أستطع أن أسميهم، وكنت مع د.أحمد الخطيب، والراحل سامي المنيس، وعبدالله النيباري، وهؤلاء كبار بالنسبة لي، تعلمت منهم الكثير، فعطاؤهم لـ”الطليعة” لا يخفى على أحد، ولكني لن أنسى من رافقنا خلال المسيرة الطويلة، مثل الأخ عبد الله البعيجاني (شافاه الله)، الذي تحمل متابعة استكمال مبنى ومطابع “الطليعة”، وإدارتها لفترة طويلة من الزمن.
ولن أنسى الراحل عبد الله السبيعي بصفائه الوطني، ولا أحمد الديين الذي عاد لـ”الطليعة” مرة أخرى عام 1997 عندما دخلت المستشفى على إثر أزمة صحية أبعدتني عدة أشهر، في الوقت الذي أصيب فيه أخي النيباري في محاولة اغتياله المشؤومة، كما لن أنسى بالطبع إخوتي محمد الغربللي، ومحمد العجيري، حين تحملا القسط الأكبر من المسؤولية لإصدار “الطليعة” بعد أن تقلص المساهمون وكذلك الأخوة زايد الزيد وسعود العنزي اللذان تحملا إدارة التحرير في جزء من التسعينات من مطلع هذا القرن، وبالطبع أيضا “حبيبي” نشمي المهنا (وضاح) الذي أشرق من الطليعة وظل ألقا في سماء الكويت.
ولا بد أن أذكر في هذا المجال أخونا البار عبدالعزيز سعود (رحمه الله) بمحبته وسخاء عطائه. وكذلك عوني صادق مدير التحرير في السبعينات، وماجد الشيخ ابن “الطليعة”، ومحمد الأسعد الأديب المثقف الذي تولى إدارة التحرير أيضاً.
شباب “الطليعة”
لقد مر علي مئات من الشباب والطلبة، الذين كانوا يحملون قضاياهم، وساهموا في العمل في “الطليعة”، وكانوا خير جنودها، قبل أن تتشعب بهم طرق الحياة، كما تعلم كثيرون في “الطليعة”، بعضهم أكمل الطريق، وبعضهم انزوى، وبعضهم الآخر انقلب واتخذ موقفاً معادياً لما تمثله “الطليعة”.
إلا أنني، وأنا أتأمل المشهد، و”الطليعة” بأرضها ومبناها وامتيازها، وهي تعرض – يا للسخرية – في المزاد، وأتفحص ما حولي، أجد العديد وربما العشرات من المجموعات الشبابية، التي تفتحت وأينعت لتدافع عن الحريات والدستور والديمقراطية وحقوق الإنسان والمال العام، ومجموعات أخرى ثقافية لو دققت فيها كلها لوجدت جذورها تنبثق من “الطليعة”، وهذا كله لن يستطيع أحد أن يبيعه بمزاد”.