العضة الداعشية في الميزان السيكولوجي !!! – د.عامر صالح
يثير تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش” مزيدا من الرعب والخوف لدى نساء المناطق التي تقع تحت سيطرته في سوريا والعراق من خلال تطبيق عقوبات جديدة مبتكرة وشرعية كما يدعي التنظيم, فقد أثار ظهور ما يسمى ب ” العضاضة الروسية ” في شوارع الموصل مزيدا من الذعر لدى النساء, حيث تقوم شرطة الحسبة التابعة لداعش بتطبيق عقوبة العض بحق أي امرأة لم ترتدي النقاب الإسلامي حسب المواصفات الداعشية. والعضاضة الروسية هي إحدى نساء تنظيم داعش والقادمة من روسيا. والى جانب العضاضة الروسية فقد أكدت بعض نساء الموصل أن هناك أيضا عراقيات من تنظيم داعش يرافقن شرطة الحسبة ويمارسن تطبيق عقوبة العض بحق النساء الغير مرتديات بدقة للنقاب الداعشي ومواصفاته. وقد وصلت إلى مستشفيات الموصل التي تسيطر عليها داعش الكثير من حالات العض الخطيرة جدا والتي من الممكن أن تؤدي إلى طول أمد العلاج أو إلى تشوهات خلقية !!!.
وعلى ما يبدو فأن عقوبة العضة الشرعية ظهرت في سوريا قبل العراق, وتحديدا في محافظة الرقة. ففي نوفمبر من العام الماضي تعرضت إحدى النساء إلى عقوبة العض, بعد إن أوقفتها شرطة الحسبة الداعشية واتهمتها بأن نقابها شفاف يكشف بعض من رقبتها, وخيرتها الشرطة بين الجلد والعض, ولكن السيدة الضحية ظنت إن العض ارحم من الجلد فاختارت العض بديلا, وقد طبقت عليها عقوبة العض من قبل عضاضة وجلادة مغربية الجنسية وليست روسية, وكانت عضتها قاتلة حيث قطعت شرايين السيدة الضحية مؤدية بحياتها بعد فقدانها كميات هائلة من الدم !!!.
من المعروف إن العض لدى الكبار تختلف أسبابه مقارنة بالعض عند الصغار, فالعض عند الكبار يمثل من الناحية الفردية سلوكا بدائيا وحيوانيا بشكل خاص, حيث إن العض ينتشر لدى اغلب الحيوانات وهو وسيلة دفاعية للانتقام من الحيوان الآخر لإغراض البقاء, ولكن عند الإنسان الناضج عقليا والمتمتع بقدر من الصحة النفسية والتكيف الاجتماعي فهو سلوك مرفوض ومستهجن ووسيلة متخلفة للبقاء والمنافسة, وكذلك هو وسيلة بدائية في التنافس بين الأفراد, وخاصة في لحظات يعبأ بها الأفراد بطاقة انفعالية وعصبية هائلة تستحق التفريغ المناسب في موضوع إثارتها, على سبيل المثال حالة المنافسة الشديدة في لعبة كرة القدم ومحاولات اللاعبين في تسجيل الأهداف لتفريغ تلك الطاقة العصبية الهائلة والفوز بالنتيجة, ولكن في لحظات معينة تنحرف تلك الطاقة عن سياقها الصحيح لتتحول إلى سلوك عدواني, من معارك وشجار جانبي وسلوك اضطرابي للانتقام من المنافس الآخر, بما فيه سلوك العض المؤذي !!!.
في هذا السياق أشير إلى نموذج من سلوك العض المعروف عالميا, والذي يؤكد ما ذهبنا إليه, والذي ارتكبه اللاعب الأرغواني العالمي ” لويس سواريز ” حيث قام بعض منافسيه من اللاعبين أثناء المباريات العالمية وكررها للأعوام 2010 والعام 2013 وكذلك في مونديال البرازيل للعام 2014 وقد لقي سلوكه إدانة عالمية من قبل الاتحاد العالمي لكرة القدم ومعاقبته, كما دفع بالعديد من الأخصائيين النفسيين والأطباء للتعرف على حالته وتحليلها ودفعه للعلاج, حيث كان يمارس العض بحق منافسيه بطريقة شرسة جدا وتترك أثرا بالغا في جسد خصمه.
أما العض لدى الأطفال فهو سياقا إنمائيا طبيعيا بين السنة الأولى والثالثة ويختفي في معظمه بعد ذلك, أما أسبابه فهي مختلفة وهي خالية تماما من النوايا الخبيثة ” فهي لا تحمل عدوان “لويس سواريز” ولا إجرام ” داعش “ومعظمها تكون للأسباب الآتية:
ـ الشعور بالألم: يعد التسنين أحد أسباب العض عند الأطفال فيلجئون إلى ذلك بهدف التخفيف من ألم تورم اللثة.
ـ استكشاف العالم المحيط بهم: يستخدم الرضع والأطفال المبكرين الفم كوسيلة للاستكشاف والتعرف على الأشياء المحيطة بهم تماما كما يستخدمون أيديهم.
ـ إثارة رد الفعل: قد يكون الفضول احد أسباب الأطفال بقيامهم عض الآخرين وذلك لترقب ردود الفعل والمفاجئات عندهم غير مدركين أن هذا التصرف مؤلم للأشخاص الذين يكونون هدفا للعض.
ـ جذب الاهتمام: يعد العض احد التصرفات السيئة التي يلجأ إليها الأطفال الأكبر سنا لجذب الاهتمام إلى وجودهم في حال شعورهم بأنهم مهملون من المحيطين بهم حتى وان كان رد الفعل على هذا التصرف سلبيا.
ـ الشعور بالإحباط: العض كالضرب هو وسيلة بعض الأطفال للتعبير عن نفسهم عندما لا يسمح لهم سنهم الصغير بالتعبير عن إحباطهم بالكلام. باختصار هو وسيلة الأطفال ليقولوا لمحيطهم القريب ” أنا لست سعيدا “.
ومن وجهة نظر فرويدية فأن العض هو احد مراحل النمو النفسي والجنسي, حيث أوضح العالم المذكور انه هناك ثلاث مراحل للنمو النفسي يجتازها الطفل, وهي: المرحلة الفمية بشقيها المصية والعضية, والمرحلة الشرجية وكذلك المرحلة القضيبية. والطفل يولد مزودا بطاقة غريزية قوامها الجنس والعدوان, وهي ما أطلق عليها فرويد أسم ” اللبيدو”, وهذه الطاقة تدخل في صدام محتم مع المجتمع, وعلى أساس شكل الصدام ونتيجته تتحدد صورة الشخصية في المستقبل. ويفترض أن يمر الأطفال بشكل معقول انتقالي من مرحلة نفسية إلى أخرى خلال السنوات الأولى من العمر, وإذا لم يحصل هذا الانتقال فأن الطفل ينمو جسديا وفكريا ولكنه مثبتا في تلك المرحلة التي لم يستطيع الانتقال منها من الناحية السلوكية. والعض عند الكبار يمكن تفسيره هنا بتوقف الفرد إنمائيا في المرحلة الفمية العضية محملا بشحنة الجنس والعدوان, ويفسر هذا نسبيا سلوك لاعب كرة القدم الاروغواني ” لويس سواريز ” وكذلك من يقوم بممارسة العض من النساء والرجال في “داعش ” !!!.
وبما إن “داعش ” هو تنظيم عسكري وسياسي وديني إرهابي فأن سلوك العض هنا هو امتداد لامعان التنظيم في ممارسة شتى صنوف العنف والاعتداء والتجاوز على الحرمات الى جانب الاغتصاب الجنسي للنساء, ويكون الهدف منه هو الإهانة والإذلال وإضعاف الروح المعنوية للطرف الذي يقع عليه فعل العدوان. لذلك تقوم الكثير من الجيوش المحتلة وبأوامر من حكوماتها وكذلك الفصائل المسلحة المختلفة باغتصاب النساء والأطفال في البلاد التي يقومون باحتلالها, وممارسة هذه الأفعال باعتبارها طريقة قوية ومباشرة لإهانة الشعب وإذلال رجاله, بل ويتعمد الكثير من الجنود اغتصاب النساء أمام رجالهم إمعانا وتنكيلا بهم. وإذا كان إضفاء الصفة الشرعية للاغتصاب عبر إيجاد “فتاوى جهاد النكاح ” يرضي مرتكب الجريمة بقناعات وهمية مزيفة فأن الضحية يبقى ضحية مهما اختلفت شرعنة الفعل الذي وقع عليه. وهنا فأن العضة والضرب والاغتصاب والتعذيب لا تختلف عن كونها تمثل ضربا من ضروب الكبت المثخن بالجنس والعدوان لمجرمي داعش اتجاه ضحاياهم !!!.
وفي الختام هنا يجب التذكير بأن عضة الإنسان هي الأخطر إلى جانب عضات القطط والكلاب, وتستدعي المصاب الذهاب إلى غرفة الطوارئ, وعلاجها أصعب من عضات الحيوانات, حيث أن فم الإنسان يمكنه حمل ما يقارب ال 100 مليون في الملي لتر من الكائنات الحية والتي تمثل ما يقرب من 200 نوعا مختلفا من البكتريا. ونظرا لهذا المستوى العالي من البكتريا فأن عضة الإنسان إذا ما اخترقت الجلد فأنها تحمل مخاطر عالية للإصابة بالعدوى بأمراض مثل التهاب الكبد الفيروسي ” بي, سي ” ويمكن أن تنقل أيضا فيروس نقص المناعة البشرية, والهربس وداء الكلب وغيرها. فحذار من العضة الداعشية !!!.