العفة في السلوك بين المفهوم التقليدي والثقافي !!!
د.عامر صالح
ارتبط مفهوم العفة تقليديا في مجتمعات العالم العربي والإسلامي في الحفاظ على المواطن البيولوجية للأعضاء التناسلية للرجل والمرأة, واشتقت منها معايير الشرف والكرامة والشهامة والحفاظ على الأعراض بنسختها الدينية التقليدية, وربطها ربطا محكما بمواثيق شرعية ـ دينية لا يجوز التجاوز عليها أو الإخلال بها تحت أي ظروف متغيرة للحياة, ومفهوم العرض هنا مفهوم ثابت غير قابل للتعديل والحوار رغم تغير ظروف الحياة !!!.
أ ما الأخلاق العامة من صدق وأمانة ونزاهة في التعامل اليومي ونبذ للفساد الأخلاقي خارج أمكنته الجنسية التقليدية فهي متغيرة نسبيا و لا تعني شيئا يذكر, والمهم في ذلك كله أن تكون المرأة حافظة لفرجها والرجل لعورته, وبالتالي ما يحل بالأمة من فساد وسرقة للمال العام وفساد إداري ومالي ومن إرهاب وقتل للنفس وتشويه للحياة العامة ودمار للتراث الإنساني وسبي للنساء ليست ذو قيمة تذكر أمام مفهوم العفة التقليدية !!!.
السلوك الإنساني معقد جدا وتتضافر عوامل مختلفة لتشكيله, منها ما هو موروث أولي في الجينات, ومنها ما هو مكتسب بيئي وثقافي, ومع الوقت يهيمن ما هو مكتسب من الثقافة والتنشئة الاجتماعية على ما هو موروث, ومن هنا تأتي أهمية دراسة العفة في السلوك في ضوء الأداء اليومي العملي في مواجهة المشكلات اليومية للحياة العملية بعيدا عن المفهوم الغريزي التقليدي للعفة الذي لا ينفع كثيرا في ظل تعقيد ظروف الحياة وتشعب منظومتها القيمية !!!.
فالعفة ليست في أمكنتها التقليدية البيولوجية, بل في انعكاس تلك العفة في التعامل اليومي, من نزاهة وصدق وإخلاص وحفاظ على المال العام والمقدرة في الحفاظ على الأمن العام, والشرف ليست في الحفاظ التقليدي على المقدمات والمؤخرات البيولوجية, ولا على التستر في الحجاب والنقاب وأشكال الاختفاء الشكلي الأخرى, بل في الكفاءة العقلية والفكرية في التكيف السليم لظروف العصر ومتغيراته المتلاحقة, فالشرف قطعا في الأداء وليست في إخفاء ” العورة ” !!!.
التركيز المفرط والشديد على العورة الذكورية والانوثية باعتبارها مقياسا للشرف المطلق يخفي وراءه اشد إشكال التنكيل والريبة والتحايل على القيم الفطرية الإنسانية وقيم التسامح بين الجنسين, في ظل عالم متطور لا يعرف الحدود بين الأفراد وبين الجنسين إلا من خلال الأداء الفعلي والمنافسة الحرة, وفرز الذكاء بين الجنسين القائم على تنوعهما المفيد في خدمة الحضارة الإنسانية والتقدم. أن عوامل الكبت والحرمان والفصل بين الجنسين وعرقلة نشأة حياة حرة كريمة هي احد عوامل نشأة حياة شاذة, قوامها الكبت والشذوذ والكيد والتحايل وخاتمتها داعش !!!.