العم المرحوم أبو مروان حمد – نضال حمد
العم المرحوم أبو مروان حمد
في مخيم عين الحلوة ذكريات وأماكن وشخصيات لا يمكن نسيانها.
أبو مروان حمد من الصفصاف في الجليل في فلسطين الى مخيم عين الحلوة في صيدا لبنان، على إثر النكبة سنة 1948. عاش في المخيم حتى وفاته. غاب عنا لكنه ترك خلفه ذريته وذكرياته معنا في المخيم وفي الحارة وضمن العائلة. ترك ظله وحكاياته وذكرياتنا معه.
فهو بالتأكيد من الأشخاص الذين نتذكرهم ونذكرهم بالخير والشوق، ونتذكر دكانه الضيق أو مقهاه الصغير على شارع الصفصاف، الشارع الفوقاني قرب مفرق سيروب القديم في المخيم. الآن بالتوصيف وفق ما بعد غزو 1982 يمكن القول: يقع الدكان بين مفرق الشارع الفوقاني حيث كان بستان اليهودي وبين مفرق سيروب القديم، على مقربة من جامع الصفصاف، الذي صار يسمى بعد غزو 1982 مسجد الشهداء.
ممكن القول أن دكانه كان دكاناً وشبه مقهى… فقد كان شبيها بمقاهي العربات الجوالة أو الخدمات السريعة، يعني خذ قهوتك ومع السلامة أو أرتشف قهوتك واقفاً أمام الدكان، فلا أمكنة كثيرة تتسع للزبائن كي يجلسون ويدردشون.
فنحن شباب ذلك الزمن، زمان الثورة والسلاح، إعتدنا على التعريج على الدكان مع خيوط الفجر الأولى أو عند غروب الشمس ونحن في طريقنا الى مكان ما في الساحة اللبنانية، التي كانت تعج بمكاتب ومواقع الثورة الفلسطينية. ففي بعض الأحيان كنا نتوجه فجراً الى بيروت أو العكس، بعد قضاء مهمة في الجنوب، ففي أثناء ذلك كنا نذهب الى المخيم وخصيصاً الى دكان العم أبو مروان لشراء القهوة وأحيانا “العسرية” الكعكة المعروفة بطعمها اللذيذ، إما مع زعتر أو بدونه.
تميز العم ابو مروان بحفاظه على لبس الكوفية والعقال فكانت من الشغلات التي ميزته عن الآخرين. فأنا لم أره بدونهما سوى مرتين في حياتي أثناء زيارتي له قبل وفاته بشهور. وكان قبل ذلك خضع لعملية جراحية في القلب، وقال له الأطباء أنه يجب أن يوقف التدخين. لكنه لم يفعل ذلك فقد كان مدخناً شرهاً وبقي كذلك الى أن توفي.
كان يحب التحدث مع الناس كل الناس، مع الزبائن بغض النظر عن أعمارهم، سواء كانوا من الكبار أم من صغار القوم. كانت فلسطين دائمة الحضور في أحاديثه. كما كانت الصفصاف حاضرة بقوة في أحاديثه اليومية.
قص على مسامعنا نحن الشباب في ذلك الوقت، حكايات الجليل والساحل وكل فلسطين. فكان يروي لنا القصص عن أهل الصفصاف والبلدات المجاورة لها. عن أبطال وشهداء ثورة فلسطين، عن مجموعة العم الشهيد أبوصولي حمد ورفاقه الشهداء، الذين قصفتهم طائرة حربية بريطانية في وادي الفطير قرب بلدة دير حنا الجليلية، فاستشهدوا كلهم على مقربة من مغارة كانت هناك. دفنهم فيها أهل دير حنا ولتتحول فيما بعد الى نصب تذكاري للشهداء.
العم الراحل كان من الذين يحبون الحديث والإسهاب في التفاصيل، فإن بدأ يحدثك عن شيء ما أو قصة معينة تتشعب الحكايات وتنتقل دون أن تدري مع أبي مروان، من حكاية في الجليل الى أخرى في الخليل، ثم سرعان ما تجد نفسك في بئر السبع أو في غزة. لتعود القدس ومن ثم يافا، ثم تعرج على جنين ووادي عارة مروراً بحيفا وعكا فصفد والناصرة وكل الجليل. لتعود وتجد نفسك في الختام في مخيم عين الحلوة، حيث آلاف الفلسطينيين اللاجئين يناضلون ويعملون لأجل التحرير والعودة الى كامل تراب فلسطين.
تميز العم أبو مروان حمد كما زوج شقيقته المرحومة علياء أم إسماعيل، العم المرحوم أبو اسماعيل حمد “جميل الزين” بحب الدبكة الشعبية الفلسطينية والغناء الشعبي والوطني وكذلك المواويل الشعبية. فكان كثيرا ما يطلق العتابا والمواوليل حين يأتي لزيارتي في منزلنا عند حضوري من أوروبا الى بيت أهلي في مخيم عين الحلوة. أتذكر أنني في نهاية سنوات الثمانينيات من القرن الفائت قد سجلت له شريط فيديو. تحدث فيه عن الصفصاف وعن فلسطين. كما انشد وأطلق مواويل شعبية وأغاني وطنية فلسطينية. للأسف فقدت التسجيل.
رحمه الله وطيب ثراه.
نضال حمد – 20-6-2021