الفضائية الممولة إماراتياً – حياة الحويك عطية
في ليبيا، في السودان، في مصر، كما في سائر العالم العربي، ترتسم جبهة حادّة ودامية بين معسكرين : سعودي – إماراتي من جهة وقطري – تركي من جهة ، اصطفاف نتيجته الوحيدة شراء مزيد من الأسلحة من المجمّع الصناعي العسكري الأميركي ، وإحداث مزيد من التدمير والدماء في العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه .
وفي حين يقدّم إعلام هذين المعسكرين أبشع صوَر إعلام الحرب من كل منهما تجاه الآخر، يوهمنا هذا الإعلام بجميع وسائله ، أن نقطة العداء المفصلية هي الموقف من الإسلام السياسي، وتحديداً الإخوان المسلمين وما استولده هذا التنظيم من تيارات سياسية وجماعات إرهابية. وإذا كانت السعودية لا تصل بعدائها هذا إلى التعميم على الإسلام السياسي طالما أنها تبني مشروعيتها على أحد تعبيراته، فإن الإمارات تريد أن تقدّم نفسها كرأس الحربة في محاربة هذا التيار، وتصرف المبالغ الهائلة على الجيوش والتنظيمات وعلى مؤسّسات المجتمع المدني المنثورة على مدى المدن العربية والتي تدّعي العروبة والاعتدال بل والنهضة العربية المدنية.
إحدى أكثر المحطات المموّلة إماراتياً، والتي تتبنّى الخطاب المُعادي للإسلاميين، ترسل مراسلتها إلى الشمال السوري، ومن هناك وبرفقة مسلّحي الجماعات الإرهابية الأكثر تطرّفاً وقاعدية، والمرتبطة مباشرة بقطر وتركيا (النصرة التي غيّرت إسمها ولم تغيّر وجهها، الجيش الوطني الذي إن هو إلا إنكشارية السلطان وما حولهما من نظائر أقل )، تبثّ المراسلة تقريراً مطوّلاً عما تسمّيه ” جرائم الجيش السوري والروسي” وعن مدنية الحضور المعارض في المنطقة ، وعن خطورة الحرب على إدلب . تقرير تتبنّاه جميع وسائل الإعلام الناطقة بالعربية .
كيف ؟ كيف تنخرط المحطة الأكثر عداء للإسلاميين ولأردوغان وقطر، في معركة الدفاع عن مسلّحي أردوغان وقطر ؟ كيف لا تخشى مُراسلة القناة المُعادية الخوض في أرض الطرف المُعادي؟ وكيف يقدّم لها هذا الطرف الترحاب والمساعدة ؟
أسئلة لا تحيل إلا إلى واقع بسيط واحد: رقاب الجميع في يد واحدة. بدءاً من أردوغان وانتقالاً إلى القطري، ومن ثم إلى الإماراتي والسعودي وفي جيبهما وتوابعهما في البحرين وسائر المشرق . جميعهم يعزفون على آلات مختلفة في سمفونية تآمر المايسترو فيها واحد : الأميركي – الإسرائيلي.
وبنظرة إلى الصحافة الأوروبية، وخاصة الصحف المعروفة بأطلستها ، تظهر المفارقة المُضحِكة المُبكية، الجهات الأشدّ علمانية وصحف اليسار الأطلسي، هي تلك التي ترفع الصوت وتولوِل بالمأساة الإنسانية في إدلب، وتسوّق مُصطلحات من مثل : ” الثوار المُقرّبون من تركيا” ، “خسائر مدنية”،”المدنيون يعيشون في رعب القصف السوري- الروسي”، “سوريا وروسيا تحتقران حياة المدنيين”، “تدمير مدارس ومستشفيات ومخيمات لاجئين”، “احتقار قوانين الحرب”. وإذا كانت هذه المُصطلحات الأخيرة تؤشّر إلى العزف على الوتر الإنساني، فإن الإحالة إلى شرق حلب والغوطة ، هي تذكير وتبرير واتهام. وفي هذا السياق تبرز دلالة مهمة وهي احتفاء مهرجان كان الأخير بفيلم عن الخروج من أحياء حلب الشرقية، يتمحور حول طفل وطبيب وامراة، في معادلة واضحة الدلالات، وفي إحالة لما حصل عام 2012 لدى عرض فيلم قسم طبرق لبرنار هنري ليفي، وانعقاد المؤتمر الصحفي الذي يسبق العرض بحضور رندة قسيس ومقاتلين سوريين ملثّمين قيل إنهما وصلا للتوّ من جبهة حمص. وبعدها انتشرت معادلة حمص بنغازي. وسائل الإعلام الفرنسية بما فيها الناطقة بالعربية احتفت بالفيلم الجديد لدى عرضه في كان، وركّزت على أن ما حصل في شرق حلب هو ما يحصل اليوم في إدلب.
هكذا الأمور عادت إلى حيث انطلقت، من دون أن يتغيّر شيء في أساليب دعاية الحرب ، وفي التضليل الإعلامي والحرب النفسية المرتبطين بها. مع فارق أن تلك كانت معارك البدايات ونحن اليوم أمام معركة المآل الأخير.
معركة المآل الأخير، إدلب والشرق السوري، ككل، تبدأ من إدلب التي تشكّل الرهان الإخير لحلف شمال الأطلسي، بما فيه تركيا، على نتائج الحرب السورية، سواء من حيث الهيمنة أو من حيث ضمان الحصّة في المصالح الاقتصادية وخاصة الطاقة.
التركي تمكّن طول فترة السنوات الثماني من إرساء ذراع له على الأرض السورية، فإذاً هو محتل على طريقة إسرائيل وجيش لبنان الجنوبي، حيث أن حلمه بالصلاة في المسجد الأموي لا يحمل أي بُعد ديني على الإطلاق، إلا بقدر ما حمل حلم السلطنة بالهيمنة والاستعمار، وما حمل حلم جمال باشا وطلعت باشا من الحقد على العرب . في متلازمة استعمال وتوظيف الدين لاختراق سوريا الاقتصاد وسوريا السيادة وسوريا الحضارة ، كهدف وكمعبر لسائر المنطقة. وهو بذلك لا يختلف عن الإسرائيلي ، بل ربما يفوقه خطراً نظراً لامتداداته التي تجد أرضيّتها النفسية لدى قطاع من الناس مسكونة بالفَهْم الخاطىء للوطنية، للدولة، للمواطنة وللدين. خاصة في ظل انتشار الجهل والتخلّف والمنفعية والتعصّب المذهبي الذي لم ولا تتم تغذيته عبثاً.
معركة المآل الأخيرهي إدلب، حيث أن كيفية انتهائها ستحدِّد كيفية انتهاء معركة الدولة مع الانفصاليين الكرد . وهذا ما يهمّ التركي والأميركي والإسرائيلي .لأنها ستّحدّد سيادة الدولة السورية على أرضها وثرواتها وإمكانية استعادتها لقوّتها، وتمكّنها من قرارها إزاء كل هؤلاء.
وإذا كانت أهميتها تجعل منها الأكثر حدّة وخطورة، وتجعل حسمها الرهان الأصعب بالنسبة للجيش السوري، فإن هؤلاء جميعاً يفضّلون أن تبقى ساحة استنزاف طويلة الأمد، لا يخسرون فيها شيئاً، وتخسر فيها الدولة السورية كل شيء. ولذلك يلجأون إلى استعمال كل المعروف من أسلحتهم ، بما فيه الكيميائي لمنع الحسم.
المصدر موقع فضائية الميادين
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً